القائمة الرئيسية

الصفحات

ممكن نقرأ مقال محترم وجدته في الايميل عندى بصراحة مقاومتى لكتابات هويدى معدومة
عن الديمقراطية المغشوشة......................فهمي هويدي

الثلاثاء 23/8/2005

أخشى ما أخشاه في اللحظة الديمقراطية التي تعيشها مصر هذه الأيام، أن نكون مثل الطالب الذي لم يحضر درساً ولم يفتح كتاباً طول العام، وفي ليلة الامتحان تساءل أهله: هل يمكن أن ينجح؟! وليس ذلك اغرب ما في الأمر، انما الأغرب أن تصبح اجابة السؤال محل اجتهاد ومزايدة!
(1)
لا أخفي قلقاً من انفعالات اللحظة التي ابتذلت الديمقراطية، واختزلتها في تظاهرات تتمحك فيها، في حين أبدت استعداداً مدهشاً للعبث بالتاريخ، عندما راهنت على ضعف ذاكرة الناس، وحاولت اقناعهم بأن ميلاداً جديداً يبزغ في الأفق، وان كل ما لم يتحقق طيلة السنوات التي خلت لأسباب يجهلونها، آن له أن يصبح حقيقة في مقبل السنوات، لأسباب لا يهم أن يعرفوها.
نعم، هي لحظة جديدة لا ريب. لكني لم أجد سبباً بريئاً للمبالغات التي تضفى عليها، وتحميلها بأكثر مما تحتمل، خصوصاً في الشق المتعلق بالبشارات التي أطلقت في الأفق محدثة ضجيجاً مبتكراً وغير مألوف، وملوحة بإشراقات الديمقراطية وتجلياتها، التي يقال لنا إنها غير مسبوقة في التاريخ. وهو الخطاب الذي جاء مسكوناً بقدر كبير من التخليط والتغليط، يصدم العقل ويجعل الحليم حيرانَ.
لأنني واحد من ضحايا هذه الحالة الأخيرة، فلم أجد مفراً من رفع يدي في الفضاء المتاح راسماً علامة “نقطة نظام”، وراجياً أن نحفظ للديمقراطية كرامتها، فنقوم بتحرير المصطلح أولاً، لازالة ما علق به من تشويه من ناحية، ولتحديد علاقتنا به ونصيبنا منه من ناحية ثانية، كي نعرف بالضبط ما حصلناه قبل “الامتحان”. وبعد أن نقطع هذا الشوط، ونتأكد من امكانية حصولنا على علامات تفوق المتوسط في اختباراته، يحق لنا أن نتحدث عن التاريخ، ونطرق أبوابه بثقة واطمئنان.
يحضرني في هذا الصدد المثل الذي يقول بأنه ليس كل ما يلمع ذهباً، لأنه ينطبق بنفس القدر على موضوعنا. ذلك بأنه ليست كل تظاهرة انتخابية برهاناً على الديمقراطية، وانما غاية ما يمكن أن يقال بحقها أنها من “أصداء” الديمقراطية. وبلغة أهل القانون فهي “قرينة” تشهد لها، ولا ترقى الى مستوى الدليل الذي يؤكد وجودها. ولا تنس أن هتلر بنازيته المقيتة، جاء بالانتخابات، كما أن كل الحكام المستبدين في زماننا “طبخوها”، وقعدوا على قلوب الخلق متوسلين بصناديق الانتخابات ومتذرعين بالاجماع الشعبي المصطنع، الذي عبرت عنه التسعات الثلاث الشهيرة، ومن ثم اعتبروا أنفسهم منتخبين “ديمقراطياً”. وكان هذا هو الادعاء الذي لوح به الرئيس الموريتاني المخلوع معاوية ولد الطايع وردده المتحدث باسم البيت الأبيض في البداية في احتجاجه على العسكر الذين انقلبوا عليه في نواكشوط قبل ثلاثة أسابيع.
(2)
اذا اعتبرنا أن الديمقراطية افضل نظام تم اختباره في العالم المعاصر لارادة المجتمع (أرجوك لا تضيع وقتاً في المقارنة بين الديمقراطية والشورى، لأنني لا أرى فرقاً بين الاثنين الا في حدود الحلال والحرام التي يقررها الشرع)، فسنجد أنها ككل نظام لها شروط وغايات واستحقاقات عدة، اذا لم تتوافر في التجربة، فانها تصبح منقوصة عند الحد الأدنى، ومغشوشة عند الحد الأقصى. وفي الحالتين فان الوضع يصبح اقرب الى حالة صاحبنا الذي أشرت اليه قبل قليل، الذي يراد له أن ينجح دون أن يستوفي شروط اجتياز الامتحان. ولا جدال في أن للأكاديميين بحوثاً موسعة ومعمقة في الموضوع، الا أنني في الحديث عن الشروط والاستحقاقات أضيف الى ما تعلمته على أيدي أساتذة القانون الدستوري، خبرة أربعة عقود من التوق الى الديمقراطية والافتتان بممارساتها واستخلاص العبر من نماذج تزويرها أو تغييبها. وبوسعي أن أقول الآن إن الأمر اكبر والعبء اثقل، بما لا يحتمل العبث أو اللهو. فللديمقراطية بيئة تنمو فيها، وغايات تتمناها، وقرائن تدل عليها، وآليات تتوسل بها، وهياكل تتجلى فيها، الأمر الذي يعني أن لها ركائز وعناصر عدة، من الخطأ الجسيم والتعسف البين أن ينتزع أو يختطف واحد منها، ثم يسلط عليه الضوء بحسبانه تمثيلاً للديمقراطية وتجسيداً لها. وذلك منطوق يحتاج الى تفصيل، اليك بيانه باختصار:
البيئة أو المناخ المواتي هو الأساس الذي يقوم عليه البناء الديمقراطي. إن شئت فقل انها “الحصان” الذي ينبغي أن يوضع في المقدمة، لكي يجر عربة الديمقراطية ويقودها الى بر الأمان. وهذا المناخ يتوافر بالدرجة الأولى من خلال اطلاق الحريات في المجتمع. واذا كنا قد تعارفنا حيناً من الدهر على أن المقصود هو حرية المواطن واعتبرنا حرية الوطن أمراً مفروغاً منه، الا أن التطورات التي شهدتها المنطقة (في العراق مثلاً) باتت تفرض علينا أن نشير الى أهمية كفالة حرية الوطن قبل الحديث عن حرية المواطن، حتى لا نخدع برفع أيدي المحتلين عن حكم البلاد، ثم نكتشف انهم يديرون الأمر من وراء ستار، بحيث يحكمون الذين يحكمون. وهو التعبير الماكر الذي صكه ذات يوم اللورد كرومر، المعتمد البريطاني السابق في مصر.
(3)
النجاح المرجو في الامتحان يقاس بانجاز ثلاثة أمور محددة، هي من الثمار الضرورية، أو قل إنها من مقاصد الديمقراطية وغاياتها المجال السياسي. صحيح أن الغاية العظيمة تظل اسعاد الناس واشاعة السلام الاجتماعي بينهم، الا أن ذلك يتحقق من خلال تلك الأمور، التي تتمثل فيما يلي: ضمان حق الناس في المشاركة في القرار الذي يخص حاضرهم ومستقبلهم وتوفير حقهم في الحساب والمساءلة لكل مسؤول في السلطة، في أدنى مدارجها أو أعلاها، من خلال المجالس المنتخبة على كل المستويات وتيسير التداول السلمي للسلطة، بين ممثلي الشعب وقواه الحية.
والأمر كذلك، فلست أتردد في القول بأن الديمقراطية التي لا توفر للناس حقوقهم في المشاركة والمساءلة ولا تتيح فرصة التداول، تغدو قيمة معطلة وعنواناً فارغ المضمون وادعاء لا دليل على صحته. ولا سبيل الى اقناع الناس بالتحول الديمقراطي في هذه الحالة الا بتنزيل تلك الأمور على أرض الواقع، أو طمأنتهم الى أن ثمة أملاً غير بعيد في ذلك.
(4)
ثمة مظاهر للديمقراطية تعد من مستلزماتها، تنضاف الى بيئة الحرية والثمار والقرائن، وهي تتمثل في الآليات والهياكل. ففصل السلطات بين الآليات، وكذلك التعددية الحزبية، واجراء الانتخابات أو الاستفتاءات، ويسري ذلك على استطلاعات الرأي العام، وغير ذلك من الوسائل التي يفترض أن تصب في خدمة تحقيق الغايات التي سبقت الاشارة اليها (المشاركة والمساءلة والتداول) أما الهياكل فتمثل في كافة المؤسسات والأبنية والمنابر التي تتم من خلالها ممارسة الديمقراطية، والمجالس التمثيلية المنتخبة، ومنظمات حقوق الانسان، وغيرها من مؤسسات العمل المدني والأهلي. وهذه كلها تمثل “ديكور” الممارسة الديمقراطية. ومن أسف أن خبرة العالم الثالث شهدت في العقود الأخيرة صوراً عدة من الاحتيال على الديمقراطية، تمثلت في استخدام الآليات واقامة الهياكل، واعتبار وجودها بحد ذاته تجسيداً للديمقراطية ودليلاً على انجاز التحول المنشود. حتى وجدنا نماذج عدة توافرت لها كل ما يخطر على بالك من آليات الديمقراطية وهياكلها ومظاهرها، بينما غاب شيء واحد، هو الديمقراطية ذاتها!
(5)
شاركت في بعض الملتقيات التي ناقشت مسألة الديمقراطية، وقال بعض المشاركين فيها انه لم يعد أمام أهل السياسة خيار، اذ بات عليهم أن يتحولوا الى الديمقراطية، رضوا أم كرهوا، لأن الضغوط الدولية في هذا الاتجاه، خصوصاً من جانب الولايات المتحدة، أصبحت أقوى من أن تقاوم. وكنت بين الذين عارضوا هذا الرأي، ليس فقط لأن الولايات المتحدة لم تكن يوماً ما جمعية خيرية تسعى لاسعاد البشر واغاثة المظلومين منهم، وليس لان الادارة الأمريكية لوحت بمسألة الديمقراطية في العراق بعدما فشلت في اثبات حيازة نظامه لأسلحة الدمار الشامل، كما فشلت في العثور على دليل على علاقته بتنظيم القاعدة، وانما الأهم من ذلك أن واشنطن “فوتت” مسألة حقوق الانسان في علاقتها بالصين، وتغاضت عن كل الانتهاكات التي مارستها دول صديقة لها. ولا ينسى في هذا الصدد أن الرئيس الاوزبكي حين أمر بقتل 750 معارضاً لنظامه في ولاية انديجان قبل اشهر قليلة، فان واشنطن تضامنت مع موسكو لمنع اجراء تحقيق دولي في المذبحة، لان القواعد العسكرية الأمريكية هناك تعد ركيزة مهمة لنفوذ واشنطن في وسط آسيا.
كان رأيي ولا يزال أن الولايات المتحدة تهمها مصالحها الاستراتيجية بالدرجة الأولى، وهو أمر طبيعي، وحيثما تحققت مصالحها حل رضاها، بصرف النظر عن كون النظام ديمقراطياً أو استبدادياً. صحيح أن النظام الديمقراطي الموالي لها هو الصيغة الأمثل، واذا تعذر ذلك فسوف يرضيها لا ريب، ويرفع عنها الحرج، أن يتجمل أي نظام استبدادي ببعض المظاهر والديكورات الديمقراطية. وهو الحاصل في عدة دول بالمنطقة.
ذلك لا ينفي بطبيعة الحال أن ضغوط المنظمات الدولية لها تأثيرها النسبي في مسألة الاصلاح السياسي والديمقراطي. وهو تأثير يمكن الافادة منه لا ريب، لكن التعويل عليه في الاصلاح يبالغ في حجمه ويحمله بما لا ينبغي أن يحمل به. لا اظن ان ثمة خلافاً على ضرورة مواصلة النضال الوطني من أجل اقامة البناء الديمقراطي. وهو ما يدعوني الى معاودة التذكير بأن البناء لا يمكن له ان يقام حقا الا اذا توافر له الأساس المتمثل في اطلاق الحريات العامة. و الا فاننا سنكرر مأساة صاحبنا الذي ما استذكر يوما وما استوفر شرطا، و أراد ان ينجح في الامتحان.

author-img
ماذا اقول عن نفسى غير ما اريد الا يعلمه احد عنى فأن انت سألتنى عن نفسى فأن ما تسمعه منى ليس ألا ما استطيع ان أقوله فهل تستطيع ان تسمع ما لا اقوله لك ؟

Comments