في أصول إسم مصر |
بقلم: د. طه عبد العليم ![]() |
![]() |
في كتابه المكثف والأصيل' حضارة مصر القديمة' قدم لنا عالم المصريات الكبير عبدالعزيز صالح مسحا بحثيا رصينا في أصول اسم مصر. |
![]() |
ونعرف منه أن أجدادنا الأوائل قد أطلقوا علي أرض مصر اسم كيمة, بمعني السوداء والسمراء والخمرية, رمزا منهم إلي لون تربتها ودسامة غرينها وكثافة زرعها. وكان منهم من يفخر في نصوصه بأنه' من ثمرات كيمة', كما كان من أدبائهم من يفخر في مقدمة كتابه بأنه' ثمرة كاتب من كيمة'. وتعددت أسماء مصر إلي جانب اسم كيمة, ومن أقدمها وأكثرها شيوعا في ألقاب الفراعنة ومتونهم الرسمية اسم' تاوي' بمعني الأرضين, أرض الوجه القبلي وأرض الوجه البحري. وكلمات مجر, وجرو, ومجري, وإمجر, ومجد, يمكن الاستعاضة فيها عن حرف' ج' بحرف' ص', وتحويلها إلي مصر, وصرو, ومصري, وإمصر, ومصد, دون تردد كبير. فقد أدي حرف في الكتابة المصرية القديمة أغراض حروف الجيم المعطشة والجيم المهملة والزاي والصاد في اللغة العربية واللغة الدارجة الحالية. ولعل اسم مصر ذا صلة بكلمة سامية كنعانية تتفق معه في حروفه الأصيلة, مثل كلمات' مصر' و'مصرا' و'ما صور', التي كانت تعني معاني الحصن والمكان المسور والحامية, وتشبهها في ذلك الكلمات الأرامية مصر ومصرو ومصرا بمعني الحد والناحية, وربما الكلمة الآشورية' موصور' بمعني أرض الحدود أيضا. وقد يكون اسم مصر' عبري' الاشتقاق من كلمات تشبهه في اللفظ, مثل صر, وصور, ومصورا, ومصوروت, وهي كلمات تعبر في مجملها عن معاني الحدود والمواضع المحصنة والمحصورة وذلك مع ملاحظة تشابه كلمة' صر' فيها مع الكلمة المصرية صرو لفظا ومعني, وملاحظة إضافة حرف الميم إليها دون أن يتغير معناها. وتحتمل' مصرايم' التوراة ثلاثة تفسيرات: تفسيرا شائعا اعتبرها صيغة ثنائية ترمز إلي الوجه القبلي والوجه البحري معا. وثمة تفسير آخر اعتبرها صيغة ثنائية كذلك, ولكنه رآها تعبر عن معني' السورين', وترمز إلي ازدواج أسوار الحدود المصرية الشمالية الشرقية. ثم تفسير ثالث اعتبرها كلمة مفردة تضمنت نهاية مكانية تماثل ميم المكان في اللغة العربية وهو تفسير مقبول لأن التوراة ذكرت كلمتي مصر ومصرايم في عرض الحديث عن الوجه البحري أكثر مما ذكرتهما في عرض الحديث عن مصر كلها. وقد يكون اسم مصر ذا صلة بمفهوم العرب لكلمة مصر, وهو مفهوم لا يختلف كثيرا عن مفهوم المصريين والفلسطينيين له, حين رووا أن المصر يعني الحاجز بين الشيئين والحد بين الأرضيين, وجمعه مصور. وحين قالوا: مصروا الموضع جعلوه مصرا, وتمصر الموضع فصار مصرا أي تمدين. ورووا أن أهل مصر في صدر الإسلام كانوا يكتبون في عقودهم اشتري فلان الدار بمصورها أي بحدودها. وهكذا فقد اشتركت الآراء الأربعة السابقة, علي الرغم من تشعب مباحثها, في ترجيح أصل سامي قديم استخدمه المصريون وجيرانهم الشرقيون, مع اختلاف لهجاتهم, في التعبير عن معاني الحاجز والحد والسور, ورتبوا عليه ما شاءوا من صفات تتصل به مثل صفات الحصانة والحماية والتمدين وما إليها. ولم تتضمن الكتابة القبطية كلمة مصر ولكنها تضمنت كلمة مرس بمعني الصعيد أو الجنوب, وذكر المسعودي المريس بمعني أرض الصعيد حتي النوبة. وقد أطلق الإغريق اسم آيجوبتوس علي النيل وأرض النيل في آن واحد منذ عصر شاعرهم هوميروس علي أقل تقدير, ثم قصروه علي مصر نفسها. وأطلقوه في صيغة المذكر علي النيل وفي صيغة المؤنث علي مصر, وكتبه الرومان بعدهم آيجيبتوس, وشاع بعد ذلك في اللغات المعاصرة بمترادفاته المألوفة, علي الرغم من عدم استخدامنا له إطلاقا, وعلي الرغم من أن أجدادنا لم يستخدموا مرادفه القديم المحتمل في غير القليل النادر. ولعل أقرب المسميات المصرية المحتملة إلي اسم آيجوبتوس ومشتقاته هو اسم آجبي الذي خمنه ومترادفاته آجب وآجبة, وإجب وإكب, وكانت كلها مترادفات رمزت المتون المصرية بها إلي الماء الأزلي الذي برزت الأرض منه, وإلي النيل والفيضان ورب الفيضان, وربما إلي الأرض المغمورة بالفيضان أيضا, وذلك علي نحو ما عبر الإغريق باسم آيجوبتوس في العصور المتأخرة عن النيل وأرض النيل معا, بعد أن حوروا كتابته إلي ما يتفق مع نطقهم له وبعد أن أضافوا في نهايته حرفي الواو والسين اللذين اعتادوا علي إضافتهما إلي نهاية أغلب مسمياتهم. |
Comments