القائمة الرئيسية

الصفحات

ماليزيا في خطوات واسعة نحو العالم الأول

ماليزيا في خطوات واسعة نحو العالم الأول
أكتب اليوم مقالي من غرفة تطل على شارع السلطان إسماعيل من أحد الفنادق في العاصمة الماليزية كوالالمبور، بعد أن أمضيت أياما بمدينة بينانق، في زيارتي الثانية لجامعة ماليزيا سينس.
يشهد الشارع حركة كثيفة للسيارات لكن في نظام وانسيابية، ولا يعاني من الاختناقات المرورية. الكل في مساره الصحيح يحترم تعليمات وأنظمة المرور ويلتزم آداب القيادة. المشاة على ناصية الطريق في انتظار إشارتهم تضيء وتنقل أحقية الطريق إليهم. لا أحد على الناصية، ولا سيارات تعترض الطريق أو تقف عكس اتجاه السير، ولا ترى أحدا في أقصى "اليسار"، (القيادة على اليمين في ماليزيا)، يحاول الدوران أو الالتفاف إلى اليمين.
مشهد جميل تخدشه الأعداد الكبيرة للدراجات الهوائية التي لا يبدو أنها في انسجام مع الخلفية المتناسقة، والتي لا يراعي أصحابها النظام بالقدر الذي تتقيد به السيارات. تذكرتُ، وأنا أراقب الشارع سلوكيات الناس على الشوارع والطرقات في مدينتنا جدة، وما آلت إليه الحركة المرورية في شوارعها.
لن أقف كثيرا على المشهد المروري، فذكرى جدة أعادت لي صورا بانورامية من زيارتي لجامعة ماليزيا سينس.. الأولى بين الجامعات الماليزية كما هو مذكور على منشوراتها. التقيت في هذه الجامعة بعلماء وباحثين في الهندسة والفيزياء والكيمياء والعلوم الإنسانية، منهم من يعمل على مشاريع محلية، وآخرون بين مستشار لمشاريع يابانية أو في شركة أسترالية، وهناك من يعمل على تطوير برامج محلية. ثم التقيت أخيرا بمساعد وكيل الجامعة في مكتبه الأنيق الذي لا يبدو عليه التبذير والبذخ، ويعكس الصورة الحقيقية لأهداف المؤسسة: العلم والبحث العلمي والتعليم.
وفي زيارتي الأولى للجامعة تجولت بين مبانيها، وزرت كثيرا من معاملها ومختبراتها، ورأيت العزم والحزم فيها، وفجأة تملكني الخوف لما تراءت لي في اللحظة، التي عدت فيها بذاكرتي إلى جامعة الملك عبدالعزيز وغيرها من الجامعات السعودية – صور من الإسراف الذي نشهده على المباني الضخمة والأثاثات الفخمة والتي نعتبرها ميدانا للتنافس، ومنا من يقصر اهتمامه عليها.
فأول ما يلفت النظر في ماليزيا سينس هو التواضع والبساطة في البنيان والتأثيث المكتبي، لكن تقابله مبالغة، إن صح قول ذلك، في تجهيز المعامل، وإمكانات البحث العلمي.
لقد فطن الماليزيون مبكرا إلى أهمية البحث العلمي وتطوير العلوم في حركة التقدم إلى الأمام واللحاق بركب الأوائل، وأسسوا على بصيرة لذلك. وانصرف الجميع لبناء المستقبل، وانخرطت الجامعات ومراكز البحث في الدراسات وتمهيد الطريق إلى العالم الأول. بنوا ذلك بأيديهم لبنة لبنة، واعتمدوا بالدرجة الأولى على الكوادر الوطنية في أعمالهم، ولم يمنعهم ذلك من الاستعانة بالخبرات الأجنبية.
وخلال أحاديثي مع الأساتذة والباحثين أطلعوني على مشاريع يعملون بها ودراسات يقومون عليها، ورأيت في زيارتي الطلاب المنتسبين للدراسات العليا وطلاب المرحلة الجامعية في المعامل وكأنها خلية نحل مستعرة. أعجبت بجديتهم وحرفية أساتذتهم، ولن أقارن، لكن أول ما بدرإلى الذهن حينها، السؤال الذي يطرح نفسه عندي بقوة... أين التعاون والشراكات مع هؤلاء؟ وعندما طرحت السؤال عليهم، فاجأتني الإجابة!
لقد امتدت أيديهم إلينا مرارا ولم تجد من يصافحها، إلا على خجل. تكلموا عن زياراتهم لمراكز التعليم عندنا ولجامعاتنا وتحدثوا عن وفود رسمية وغير رسمية على أعلى المستويات، زارتنا ولم تجد أكثر من الوعود وأقل القليل من الشراكات الحقيقية.
ومن بين المحاولات ما يحكيه أستاذ من قسم الفيزياء وباحث في تقنية النانو عن تجربته مع إحدى الجامعات السعودية. جاء للتفرغ العلمي عندنا، ورغم الجهد الذي بذلته الجامعة السعودية إلا أنه تعذر الحصول على تأشيرات لكل أفراد عائلته التي تضم بينها عشرينيا! قبل بالعرض الذي لم يكن يغري ماديا، لكن ما كان له أن يترك واحدا من أبنائه متخلفا، وألغيت الصفقة.
ومن حرصهم على التعاون معنا أنشؤوا في الجامعة مجمعا لدراسات الحج، في بادرة للتعاون مع معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج بجامعة أم القرى. وتمخضت عنه بعض الدراسات والمشاريع المشتركة، ويأملون في المزيد. واحد من هذه المشاريع يُعنى بنمذجة شعائر الحج وسلوكيات الحجاج، ويعكف عليه بروفيسور في النمذجة والدراسات البيئية وأستاذ آخر من كلية العلوم الإنسانية.
ومن مشاريع المجمع المشتركة دراسات في إدارة المخلفات البلدية الصلبة في مكة المكرمة ومشعر منى، يعكف عليها فريق من الباحثين من كلية الهندسة المدنية وقسم الفيزياء والجيوفيزياء من كلية العلوم.
لا يمكن أن نحصر الدافع في الإحسان وتحصيل الأجر والثواب، وإن لمست، في كثير من حديثهم، الدافع الديني للشراكة والتعاون مع الجامعات في بلاد الحرمين، وهم إضافة إلى ذلك يعتبرون نشاطاتهم خارج حدود ماليزيا أحد أهم ركائز سعيهم في الوصول إلى العالمية، ومن متطلباتها الرئيسية.
وفي الطريق إلى الفندق سرنا على جسر طويل، قال محدثي بفخر إنه من تصميمه. لقد وضعت مؤسسات الدولة والأهلية ثقتها في الكوادر الوطنية، فجاهد هؤلاء وأنجزوا. ونحن... كم من الدراسات والتصاميم الهندسية الجيدة بقيت عندنا على الأرفف تجمع الغبار ويأكلها الدهر؟
متى يفخر الواحد منا بما يقدمه لبلاده ويتركه أثرا طيبا من بعده؟ متى! ونحن نلجأ في كل صغيرة وكبيرة إلى غيرنا نستعين بهم ونستنجدهم، وليس ذلك من جهل أو عجز فينا، فبيننا من الكفاءات العلمية والبحثية من ينجز بعشر التكلفة، وبنفس الجودة إن لم تكن أفضل. نحن فقط بحاجة إلى ثقة المعني!
author-img
ماذا اقول عن نفسى غير ما اريد الا يعلمه احد عنى فأن انت سألتنى عن نفسى فأن ما تسمعه منى ليس ألا ما استطيع ان أقوله فهل تستطيع ان تسمع ما لا اقوله لك ؟

Comments