سر اختصاص الله تعالى الصيام بأنه له :-
1 - معنى قوله ((كُلُّ عَمَلِ ابنِ آدَمَ لَهُ إلا الصِّيَامَ ، فَإِنَّهُ لِي ، وَأَنَا أَجْزِي بِه )) .
جاء في رواية عند البخاري : (( يَتْرُكُ طَعَامـَهُ وَشَرَابـَهُ وَشَهْوَتـَهُ مِنْ أَجْلِي ، الصِّيَامُ لِي ، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا )) .
وفي رواية عند أحمد وابن ماجه : ((كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي ، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ، يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي )) .
وفي رواية عند ابن خزيمة (1897) : (( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ ، الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ ، قَالَ اللَّهُ : إِلا الصِّيَامَ ، فَهُوَ لِي ، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ، يَدَعُ الطَّعَامَ مِنْ أَجْلِي ، وَيَدَعُ الشَّرَابَ مِنْ أَجْلِي ، وَيَدَعُ لَذَّتَهُ مِنْ أَجْلِي ، وَيَدَعُ زَوْجَتَهُ مِنْ أَجْلِي )) .
وفي رواية عند أحمد : (( قَالَ : قَالَ رَبُّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ : عَبْدِي تَرَكَ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ، ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ، وَالصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ )) .
توقفت عند هذا القول القدسي الكريم ، وتأملتُ سرَّ اختصاص المولى عز وجل عبادةَ الصوم بأنها له ، وأنه يجزي بها ، مع أنَّ المعلوم أنَّ سائرَ أعمال المسلم إنما هي لله عز وجل ، وجزاءَها منه سبحانه ؟ ووجدتُ أنَّ العلماء من سلفنا الصالح رحمهم الله قد شغلهم نفسُ هذا الخاطر ، وتساءلوا نفسَ التساؤل ، وأخذوا يستنبطون الحكمةَ من وراء ذلك ، فخرجوا بدررٍ من التوجيهات والأجوبة ، أنـثرها بين يدي إخواني ، عسى أن تكون فيها الفائدة :
1- قال بعضـهم : السبب هو أنَّ الصومَ بعيدٌ عن الرياء ؛ لخفائه ، بخلاف الصلاة والغزو والصدقة وغيرها من العبادات الظاهرة ؛ إذ لا يعلم الناسُ حقيقةَ كون فلان صائماً أو غيرَ صائم ؛ لاحتمال أن يُظهر أمامهم الصيام ، فإذا غاب عنهم تناول المفطرات ، وعلى هذا فالعالم بحقيقة الصوم هو الله عز وجل وحده ؛ لأنه المحيط بحركات العبد وسكناته .
وإليه مال أبو عبيد رحمه الله في غريبه ، حيث رأى أنه خص الصيام لأنه ليس مما يظهر من ابن آدم بفعله ، وإنما هو شيء في القلب (1).
ويؤيد ذلك : ما رواه ابن شهاب عن النبيr مرسلا : ((لَيْسَ فِي الصَّوْمِ رِيَاءٌ))([2]).
ورواه ابن شهابٍ أيضاً عن أبي سلمة عن أبي هريرةt عن النبي r موصولاً، ولفظه : ((الصِّيَامُ لا رِيَاءَ فِيهِ ، قَالَ اللَّهُ : هُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ، يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي))(2).
ومما يؤيد هذا التوجيه أيضا : ما جاء في الروايات المختلفة المذكورة أعلاه من تعليل ذلك بأن الصائم يَدَع طعامَه وشرابَه وشهوتَه ولذتَه وزوجتَه وسرورَه من أجل الله وابتغاء مرضاته .
وممن مال إلى هذا التوجيه : أبو العباس القرطبيُّ ، وابنُ الجوزي ، والمازريُّ ، وقوَّاه ابنُ حجر ، والسيوطي (3).
قال ابن حجر : (( معنى النفي في قوله (لا رياء في الصوم) : أنه لا يدخله الرياء بفعله ، وإن كان قد يدخله الرياء بالقول ، كمن يصوم ثم يخبر بأنه صائم ، فقد يدخله الرياء من هذه الحيثية ، فدخول الرياء في الصوم إنما يقع من جهة الإخبار ، بخلاف بقية الأعمال ، فإن الرياء قد يدخلها بمجرد فعلها )) (4).
2- قال بعضـهم : معنى قوله سبحانه : ((الصِّيَامُ لِي ، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ)) : أنا المنفرد بعلم مقدار ثوابه ، أو تضعيف حسناته ، ، أما غيره من العبادات فقد أظهر سبحانه بعض مخلوقاته على مقدار ثوابها ، وأنها تضاعف من عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله ، إلا الصيام فإنه يثيب عليه من غير تقدير .
ومما يؤيد هذا التوجيه : ما جاء في رواية ابن ماجه ((كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ ، يَقُولُ اللَّهُ : إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ)) أي أجازي عليه جزاءً كثيراً من غير تعيينٍ لمقداره ، وهذا كقوله تعالى )إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ( والصابرون : الصائمون ، في أكثر الأقوال.
قال ابن عبد البر في التمهيــد : (( والصوم في لسان العرب أيضا : الصبر ؛ لأنه حبس النفس عن المطاعم والمشارب والمناكح والشهوات .
ومن الدليل على أن الصوم يُسَمَّى صبراً : قولُ رسول الله r : (( مَنْ صَامَ شَهْرَ الصَّبْرِ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَكَأَنَّهُ صَامَ الدَّهْرَ ))(1) يعني بشهر الصبر شهر رمضان))(2).
كما يؤيد هذا التوجيهَ : العرفُ المستفادُ من قوله (أنا أجزي به) ؛ لأن الكريم إذا قال : أنا أتولى الإعطاء بنفسي ، كان في ذلك إشارة إلى تعظيم ذلك العطاء وتفخيمه .
3- وقال بعضهم : المعنى أنه أحب العبادات إليَّ والمقدَّم عندي . قال ابن عبد البر : (( كفى بقوله (الصوم لي) فضلاً للصيام على سائر العبادات )) . ولكن جمهور العلماء على تقديم الصلاة على الصيام ، وهو ما تشهد له النصوص الصحيحة الكثيرة .
4- وقال بعضهم : الإضافة هنا إضافة تشريف وتعظيم ، كما في قوله تعالى )نَاقَةَ اللهِ( وكما يقال : بيت الله ، ونحو ذلك ، مع أن العالم كله لله سبحانه ، وذلك لأن التخصيص في موضع التعميم في مثل هذا السياق لا يفهم منه إلا التعظيم والتشريف .
5- وقال بعضهم : إن الاستغناءَ عن الطعام والشراب من صفات الله تعالى ، فهو الصَّمَد ، فالصائم يشابه الحق سبحانه في شيءٍ من هذه الصفة ، وإن كانت صفاتُ الله لا يشبهها شيءٌ من صفات المخلوقين ، فلما تقرَّب الصائمُ إليه سبحانه بما يوافق صفاتِه أضافه إليه .
قال الشيخ عبد الرؤوف المناوي : (( واعلم أن الصوم من أخص أوصاف الربوبية ، إذْ لا يتصف به على الكمال إلا الله ، فإنه يُطْعِم ولا يُطْعَم ، فإضافته إلى نفسه بقوله (وأنا أجزي به) لكونه لا يتَّصف به أحدٌ على الحقيقة إلا هو ، لأنه الغني عن الأكل أبد الآبدين ومَنْ سواه لا بدَّ له منه ، حتى الملائكة فإن طعامَهم التسبيحُ والأذكارُ ، وشرابَهم المحبةُ الخالصةُ والمعارفُ والعلومُ الصافيةُ من الأكدار ، ومَنْ عداهم طعامُهم وشرابُهم ما يليق بهم في دار الدنيا وكل دار ، وقد دعا الباري إلى الاتصاف بأوصافه ، وتعبَّدهم بها بقدر الطاقة ، والصومُ من أخصها وأصعبِ الأشياء على النفوس ؛ لكونه خلافَ ما جُبِلوا عليه، لِما أنَّ وجودَهم لا يقوم إلا بمادةٍ ، بخلاف الصوم ، فلهذا اختلف عن كل شيء))(1).
6- وقال بعضهم : المعنى أن الصوم خالصٌ لله ، وليس للعبد فيه حظٌّ ، بخلاف غوهذا التوجيه من جنس التوجيه الأول .
7 - وقال بعضهم : معناه أن الصوم لي لا لك ، أي أنا الذي ينبغي لي أن لا أَطْعَمَ ولا أشربَ ، وإذا كان كذلك وكان دخولك فيه لأني شرعتُه لك فأنا أجزي به . كأنه يقول : أنا جزاؤه ؛ لأن صفة التنـزُّه عن الطعام والشراب والشهوة تطلبني وقد تلبستَ بها ، وليست لك ، لكنك اتصفتَ بها حال صومك فهي تدخلك عليَّ ، فإن الصبر حبس النفس ، وقد حبستَها بأمري عما تقتضيه حقيقتُها من الطعام والشراب والشهوة طاعةً (3). وهذا التوجيه قريب من التوجيه الخامس .
8 - وقال بعضهم : سبب إضافة الصوم بالذات إلى الله سبحانه وتعالى : أنه لم يُعبَد أحدٌ غيرُ الله تعالى بالصوم ، فلم يُعظِّم الكفارُ في عصرٍ من العصور معبوداً لهم بالصيام ، و إن كانوا يعظِّمونه بصورة الصلاة والسجود والصدقة والذكر وغير ذلك .
9- أما ألطف ما قيل في معنى هذا الحديث القدسي الكريم : فهو ما رواه أيوب بن حسان الواسطي ، أنه سمع رجلاً يسأل الإمامَ الجليلَ سفيانَ بنَ عُيَيْنة رحمه الله عن هذا الحديث ، فقال رحمه الله : (( هذا من أجود الأحاديث وأحكمها ، إذا كان يوم القيامة يُحاسِبُ اللهُ عزَّ و جل عبدَه ، ويُؤَدِّي ما عليه من المظالم من سائر عمله ، حتى لا يبقى إلا الصومُ ، فيتحمَّل اللهُ ما بقي عليه من المظالم ، ويدخله بالصوم الجنة ))(1).
أي أن الحق سبحانه لا يجعل للعباد حقاً في الحسنات التي اكتسبها العبدُ بالصيام ، وذلك يوم القصاص بين يديه ، حين يُؤخَذ من حسنات الظالم و يُعطَى المظلوم ، ويُؤخَذ من سيئات المظلوم ويُحمَل على الظالم .
ويؤيد ذلك : ما جاء في رواية مُحَمَّدِ بْنُ زِيَادٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ t عَنْ النَّبِيِّ r يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّكُمْ ، قَالَ : (( لِكُلِّ عَمَلٍ كَفَّارَةٌ ، وَالصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ )) الحديث .
وفي لفظ : ((يَقُولُ رَبُّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : كُلُّ الْعَمَلِ كَفَّارَةٌ إِلا الصَّوْمَ ، هُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ))(2).
وإذا كانت بعض الأحاديث قد ذكرت أن الصيام يكفِّـر بعضَ المعاصي ، فقد جمع الحافظ ابنُ حجر بينها وبين هذا الحديث باحتمال أن يكون المراد بقوله ((كُلُّ الْعَمَلِ كَفَّارَةٌ إِلا الصَّوْمَ )) أن الصومَ كفارة وزيادة ثواب على الكفارة (3).
فما أعظمَ فضلَ الله تعالى ! وما أجزلَ ثوابَه للصائمين ! .
10- وقال بعضهم : معناه والله أعلم : أن الصومَ لا يظهرُ من ابن آدم في قولٍ ولا عملٍ ، وإنما هو نيةٌ ينطوي عليها صاحبُها ، ولا يعلمُها إلا اللهُ ، وليست مما تظهرُ فتكتبُها الحَفَظَةُ ، كما تكتبُ الذكرَ والصلاةَ والصدقةَ وسائرَ الأعمال ، لأنَّ الصومَ في الشريعة ليس بالإمساك عن الطعام والشراب ، لأنَّ كلَّ مُمسكٍ عن الطعام والشراب إذا لم يَنْـوِ بذلك وجهَ الله ، ولم يُرِدْ أداءَ فرضه أو التطوعَ لله به ، فليس بصائمٍ في الشريعة ، فلهذا ما قلنا : إنه لا تطَّلِعُ عليه الحفَظَةُ ولا تكتبُـه ، ولكنَّ اللهَ يعلمُه ويجازي به على ما شاء من التضعيف(1).
قال الحكيم الترمذي: (( إنما صار - يعني الصوم - مختصاً من بين الأعمال بأن نسبه إلى نفسه الكريمة ، وإن كانت الأعمالُ كلُّها لله تعالى ؛ لأنَّ الصومَ ليس بعمل الأركان ، ويقع سراً فيما بينه وبين ربه سبحانه وتعالى ، والحفَظَةُ لا تعلمُ ذلك ، ولا تطَّلِعُ عليه ، وخفي عليه جزاؤه ومقدارُ ثوابه ، فولي الله تعالى ذلك لعبده ؛ لأنه كلما تردَّدَتْ شهوةٌ تجدَّدَتْ للعبد عَزْمةٌ على الثبات ، فله بكل عَزْمَةٍ ثوابٌ جديد )) (2).
وقال أيضا : (( فإذا صام رمضان إيماناً بما كتبه الله عليه ، وبأنه يطلع عليه في عَزْمِه وردِّ شهواته في ساعات يومه ، فذاك كلُّه إيمانٌ يتجدَّد عليه في كلِّ ساعةٍ ، وهو سرٌّ بينه وبين ربه ، لا يطلعُ عليه ملَكٌ مُقَرَّبٌ ، ولا نـبيٌّ مُرْسَل ، ولذلك قال : الصوم لي وأنا أجزي به )) (3).
وقد ذكر ابنُ حجر أنَّ أقربَ التوجيهات إلى الصواب : الأولُ و الثاني ، ويقربُ منهما الثامنُ والتاسع (4).
قلت : لكلِّ توجيهٍ مما سبق وجهٌ مقبولٌ بفضل الله(1) ، وعطاءُ الله أوسعُ وأعظمُ من كل تصور ، وإن كان ما قدموه من الأقوال أقوى من غيره .
ثم أختم هذه التوجيهات بما قاله بعض العلماء : معنى الحديث : أن الحق سبحانه هو الذي يتولى مكافأة الصائم على صيامه ، وهذا دليل على عِظَم فضل الصوم وكثرة ثوابه؛ لأن الكريم إذا أخبر بأنه يتولى بنفسه الجزاء اقتضى ذلك عِظَم قدر الجزاء وسعة العطاء(2).
قال القاضي عياض : ثوابُ الصوم لا يُقْدَر قدرُه ، ولا يَقْدِر على إحصائه إلا اللهُ ، فلذلك يتولى جزاءَه بنفسه ، ولا يَكِلُـه إلى ملائكته .
والموجبُ لاختصاص الصوم بهذا الفضل أمران : أحدهما : أن جميع العبادة مما يطلع عليه العباد ، والصوم سرٌّ بين الصائم وبين الله تعالى ، يفعله العبدُ خالصاً لوجه الله ، ويعاملُـه به طالباً لرضاه .
الثاني : أن جميع الحسنات راجعةٌ إلى صرف المال أو استعمال البدن فيما فيه رضاه ، والصومُ يتضمن كسرَ النفس وتعريضَ البدن للنقص والتحول ، مع ما فيه من الصبر على مَضَض الجوع و العطش ، فهو يمنع من ملاذِّ النفس و شهواتها ما لا تمنع منه سائر العبادات (3).
وقد اتفق العلماء على أن الصوم المراد في الحديث هو ما سلم من المعاصي قولاً وفعلاً ، ووقع خالصاً سالماً من الرياء والشوائب .
2 – هل هذا الحديث قدسي أو نبوي ، وما الفرق بينهما ؟
هذا الحديث الجليل بعضه قدسي وبعضه نبوي ، فالقدسي منه قوله (( قَالَ اللهُ : كُلُّ عَمَلِ ابنِ آدَمَ لَهُ إلا الصِّيَامَ ، فَإِنَّهُ لِي ، وَأَنَا أَجْزِي بِه)) .
وباقي الحديث نبوي . والحديث قد يكون قدسيا خالصا ، وقد يكون نبويا خالصاً ، وقد يكون بعضه نبويا وبعضه قدسيا .
والحديث القُدُسي في اللغة : منسوب إلى القُدُس ، وهو اسم ومصدر بمعنى الطُّهْر، ومن أسماء الله (القُدُّوس) .
وفي الاصطلاح : هو الحديث الذي يرويه أوثقُ الكائنات وأكملُ المخلوقات محمد r عن ربه تبارك وتعالى ، غير القرآن الكريم ، سواء رواه عن ربه مباشرة ، أو عن جبريل عليه السلام ، عن رب العزة والجلال .
وتسميته حديثاً لكونه من إخبار الرسول r ، ولهذا فهو داخل ضمن الحديث النبوي من هذه الناحية .
وسُمِّي قُدُسِيّاً لكونه مسنَداً إلى الرب تبارك وتعالى وتقدس .
وفرَّق العلماء بين الحديث القدسي والحديث النبوي بعدة أمور :
1 - الحديث القدسي لا يكون إلا بوحي ، جليّاً كان (بواسطة جبريل) أو غير جلي (إلهاماً أو مناماً) ، أما الحديث النبوي فمنه ما كان وحياً ، ومنه ما كان اجتهاداً واستنباطاً من رسول الله r ، مع العلم بأن هذا الاجتهاد في معنى الوحي ؛ إذ لو كان اجتهاداً غير موافق لمراد الله عز وجل ما أقرَّه الله عليه ، ولا سكت عنه أبداً ، بل كان يصحح له ويُصوِّبه .
2 - الحديث القدسي يضيفه النبيُّ r إلى الله تعالى ، بخلاف الحديث النبوي فإنه r ينطق به مباشرة من غير أن يضيفَه إلى أحد .
3 - غالباً ما تتعلق الأحاديث القُدُسية بتنـزيه ذات الحق سبحانه وتعالى ، وبيان صفات جلاله وكماله وعظمته وقدرته ، والتنبيه على عدله ورحمته ، والحديث عن سعة عطائه وعفوه ومغفرته لعباده ، ونحو ذلك من أسباب ترقيق القلوب وتهذيب الضمائر والنفوس ، والحث على فعل الطاعات والخيرات وترك المعاصي والمنكرات .
Comments