القائمة الرئيسية

الصفحات

(المقال التالي كتبه مالكولم اكس رحمه الله في صحيفة "الايجيبشن جازيت" اثناء رحلته إلى افريقيا التي زار فيها مصر وعددا من البلدان الأفريقية، والتقى بعدد من الزعماء الأفارقة منهم الرئيس جمال عبد الناصر، وقد كتب هذا المقال يعرض فيه رؤيته للصهيونية، وأنها أداة جديدة زرعها الاستعمار البائد للتفرقة والتقسيم، والسيطرة على الدول الأخرى اقتصاديا وسياسيا، ونزع الريادة من العالم العربي المستقل حديثا الذي كان يبشر بنهضة عربية في غير صالح الاستعمار الغربي)
المنطق الصهيوني – بقلم مالكولم اكس

نشر بجريدة (ايجيبشيان جازيت) 17 سبتمبر 1964

الجيوش الصهيونية التي تحتل فلسطين الآن تدعي أن رسلهم القدامى تنبأوا بأنه " في آخر أيام الأرض" سيبعث الله لهم مسيحا سوف يقودهم إلى أرض الميعاد، وسوف يقيمون حكومتهم "المقدسة" في هذه الأرض الجديدة، هذه الحكومة "المقدسة" سوف تمكنهم من "قيادة الأمم الأخرى بعصا من حديد"
إذا كان الصهاينة في اسرائيل يؤمنون أن احتلالهم لفسطين العربية هو تحقيق لنبوءات رسلهم، فهم أيضا يؤمنون أن اسرائيل يجب أن تستكمل مهمتها "المقدسة" في السيطرة على الأمم الأخرى بعصا من حديد، التي هي صورة أخرى من الحكم الحديدي، بل وأكثر ترسخا من الاستعمار الأوروبي في الماضي.
هؤلاء الصهاينة يعتقدون أن إلههم اختارهم ليكونوا بديلا عن المستعمرات الأوروبية التي عفا عليها الزمن، ويكونوا مستعمرات أخرى بشكل جديد، يسمح لهم بأن يخدعوا الجماهير في أفريقيا ليخضعوا بإرادتهم لسلطة الصهاينة "المقدسة" وتوجيههم، بدون أن تدرك هذه الجماهير أنها مازالت محتلة ومستعمرة.
التمويه
الصهاينة مقتنعين أنهم قد قاموا بالتغطية والتمويه على هذا النوع الجديد من الاستعمار، هذا الاستعمار الذي يبدو كأنه أكثر خيرية وإنسانية، هو عبارة عن نظام يتحكمون فيه عن طريق جعل ضحاياهم المرتقبين يقبلون عروضهم الصديقة بالمساعدات الاقتصادية، وبعض الهدايا المغرية الأخرى، التي تشكل اغراء للأمم الأفريقية حديثة العهد بالاستقلال، والتي يواجه اقتصادها مصاعب كبيرة.
ففي القرن التاسع عشر، عندما كانت الشعوب الأفريقية غير متعلمة على نطاق واسع، كان من السهل على الإمبريالية الأوروبية أن تحكمهم "بالقوة والخوف"، ولكن في الوقت الحاضر عندما أفاقت هذه الشعوب وتنورت، صار من المستحبل أن تستمر السيطرة عليهم بالطرق القديمة.
ولهذا فقد اضطرت القوى الامبريالية أن تستخدم طرقا جديدة، نظرا لأنهم لم يعد باستطاعتهم السيطرة على الشعوب بالقوة والخوف لإخضاعهم، هذه الطرق الجديدة تتيح لهم اخضاع الشعوب.
السلاح الجديد للامبريالية الجديدة في القرن العشرين هو "الدولاريزم". وقد اتقن الصهاينة علم "الدولاريزم"، الذي هو أن تكون ليك القدرة على تقديم نفسك في صورة الصديق المحسن ، الذي يقدم الهبات والمساعدات الاقتصادية والتقنية. وبذلك تصبح قوة تأثير اسرائيل الصهيونية على الكثير من الأمم الإفريقية "المستقلة" لا تتزعزع، وكاثر استقرارا من الاستعمار الأوروبي، وهذا النوع من الصهيونية الاستعمارية، يختلف فقط في الشكل والأسلوب، ولكنه لا يختلف في الدافع أو في الهدف.
في القرن التاسع عشر، عندما توقعت الامبريالية الأوروبية بحكمة أن الشعوب الافريقية في صحوتها لن تخضع لأساليب سيطرتها القديمة بالقوة والخوف، هذه الامبريالية الصانعة للمكائد كان عليها أن تصنع "سلاحا جديدا"، وأن تجد "قاعدة جديدة" لهذا السلاح.
الدولاريزم
وكان السلاح الأول لامبريالية القرن العشرين هو الصهيونية، وكانت القاعدة الأساسية لهذا السلاح هي اسرائيل، الامبريالية الاوربية الصانعة للمكائد قد وضعت اسرائيل بحكمة في مكنا تستطيع منه تقسيم العالم العربي، لتتسلل وتزرع بذور الشقاق بين الزعماء الافارقة، وكذلك تفصل بين الأفارقة والآسيويين



هذا الاحتلال الصهيوني قد دفع العرب لاهدار مليارات الدولارات الثمينة على التسلح، جاعلا من تركيز هذه الأمة العربية المستقلة على تقوية اقتصادها ورفع مستوى المعيشة لأفرادها أمرا مستحيلا.



وقد استغلت البروباجاندا الصهيونية بمهارة استمرار انخفاض مستوى المعيشة في العالم العربي، لإظهار الأمر أمام الأفارقة أن القيادات العربية الجديدة غير مؤهلة فكريا أو فنيا لرفع مستوى المعيشة، وبذلك وبطريقة غير مباشرة يتم دفع الافارقة للابتعاد عن العرب والتوجه نحو اسرائيل للتعلم والمساعدات التقنية.



فهم بذلك أشبه بمن يشلون جناح الطائر ثم يدينونه لأنه لا يستطيع اللحاق بهم

والامبرياليون دائما ما يظهرون بمظهر الأخيار، وذلك فقط لأنهم يسارعون نحو مساعدة الأمم العاجزة اقتصاديا، والتي قد قام الصهاينة في الواقع بشل اقتصادها في مؤامرة استعمارية صهيونية، وهم لا يستطيعون الصمود أمام المنافسة العادلة، لذلك فهم يشعرون بالقلق تجاه دعوة عبد الناصر للتقارب العربي الافريقي تحت شعار الاشتراكية.



المسيح؟



اذا كانت الدعوة الدينية للصهاينة بأن المسيح سيقودهم لأرض الميعاد صحيحة، وأن الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين العربية هو تحقيق لهذه النبوءة، فأين هو ذلك المسيح الذي قال رسلهم بأنه سوف يحظى بشرف قيادتهم؟ لقد كان "رالف بنش" (ديبلوماسي أمريكي وبروفيسور بجامعة هارفارد عمل وسيطا في فلسطين عام 1948. ولد 1904 وتوفي 1971. حصل على جائزة نوبل للسلام سنة 1950 لعمله كوسيط الأمم المتحدة في فلسطين أثناء فترة الصراع في سنة 1948 بين العرب واليهود) هو من تفاوض مع الصهاينة حول احتلال فلسطين، فهل كان رالف بنش هو مسيح الصهيونية؟ وإذا لم يكن هو مسيحهم وإذا كان المسيح لم يأت بعد فماذا يفعلون في فلسطين الآن؟
هل لدى الصهاينة الحق القانوني أو الأخلاقي في احتلال فلسطين العربية وتهجير مواطنيها العرب من منازلهم والاستيلاء على كل ممتلكاتهم بناء على داعاءاتهم "الدينية" أن أسلافهم عاشوا هناك من آلاف السنين؟ فقط منذ ألف عام عاش العرب في اسبانيا. فهل هذا يعطي لهم الحق القانوني والأخلاقي لاحتلال شبه جزية أيبريا وطرد مواطنيها الاسبان وانشاء أمة جديدة، مثلما فعل الصهاينة في اخواننا واخواتنا العرب في فلسطين؟
باختصار، الدعوى الصهيونية لتبرير الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ليس لها أساس عقلي أو قانوني في التاريخ، ولا حتى في دينهم، فأين هو المسيح؟
author-img
ماذا اقول عن نفسى غير ما اريد الا يعلمه احد عنى فأن انت سألتنى عن نفسى فأن ما تسمعه منى ليس ألا ما استطيع ان أقوله فهل تستطيع ان تسمع ما لا اقوله لك ؟

Comments