القائمة الرئيسية

الصفحات

مصر الرثة الرائعة ام مصر البراقة الجائعة

يبدو للناس احيانا ان مصر و خلال اربعين سنة قد حققت تقدما كبيرا في مجالات كثيرة بما يجعل شكل الحياة الان اروع كثيرا من مصر سبعينات القرن العشرين و من عاشوا هذه الاربعين سنة يستطيعوا ان يقدموا لك كشف حساب كامل عما كانت عليه مصر في سبعينات السادات و بين ايامنا هذه يستطيع البعض ان يعدد لك مجالات التقدم الكثيرة ابتداء من شكل التلفزيون ايامها و عدد القنوات المتاحة و ساعات الارسال انذاك او صعوبة اجراء المكالمات الهاتفية ايامها و تأخر تركيب التليفون لسنوات طوال ، يستطيع البعض ان يبرز لك قلة المواد التموينية و ندرة الاختيارات في انواع المربات مثلا او ان يشرح لك ان الناس كانت تقف طوابير طويلة امام المجمعات للحصول على كيلو سكر او كيف كانت مصر كلها تلبس ملابس متشابهة خشنة و ليست موديلات عالمية او كيف فرح المصريين بمشروع كساء العاملين حين قررت الدولة اتاحة بطاقة تشترى بها بعض الملابس الصينية من محلات القطاع العام يستطيع من يريد ان يرثى لحال الطلبة و هم يرتدون مرايل صفراء خشنة و يحملون حقائب قماشية من نفس قماش مرايل الطلبة و كيف كانت الكراريس خشنة و من لون واحد بعيدة عن البهجة او الالوان الزاهية و التى كانت توصف اوراقها بأنها ورق لحمة اى من ذات الورق المخصص لاكياس الفاكهة ، و يستطيع من يريد ان يقول لك كيف ان مصر كانت تنام من المغرب لأنعدام وسائل الترفيه او السنيمات الكافية و إن مصر لم يكن بها دور ملاهى نسهر فيها و نمرح ، يستطيع من يريد ان يقول لك ان مصر كانت محبوسة في المصايف بين جدران الاسكندرية او جمصة و كيف كانت الاختيارات محدودة ، يستطيع ان يقولوا لك ان الحياة كانت كئيبة ، و الاطعمة كئيبة ، و الالوان كئيبة ، و الاضاءة قليلة ، و يستطيع ان يتهم مصر بانها كانت في حالة رثة . يستطيع ان يقول ان مصر كانت فقيرة و كان الناس يعانون من شظف العيش ، و قلة الملاهى ، و محدودية المعيشة ، و يستطيع ان يقول و يزبد في حق السبعينات و كيف كانت الشقق تدهن بالجير ، و كيف ان علية القوم من كانوا يدهنون بالزيت و كيف كان القيشانى املة للكبراء في حين ان غالبية الشعب كانت تسكن في شقق " و لا حول و لا قوة إلا بالله " مدهونة بالجير ، و كيف كنا نستحم بدون سخانات او بصابونة وش من شركة النيل للزيوت و الصابون ، يستطيع البعض ان يرثى مصر و يمصمص شفتاه على حالها انذاك بأعتبار ان هذه الحالة الرثة قد نجدنا الله منها الان و اصبحنا نعيش في ظروف مغايرة فالناس لديها بدل القناتين الف قناة ، و التلفزيونات ملونة و وصلت الى عشرات البوصات ، و المصايف امتدت من الغردقة الى الساحل الشمالى ، و انواع الجبنة تعدت المائة ، و الصابون اصبح ذو رائحات متعددة و الوان متباينة ، و التليفونات اصبحت في متناول الاطفال في الشارع وووووو الى اخره لكن من قال ان هذه المقارنة تحمل الخير لمن كتب الله عليه ان يعيش في العشر الاوائل من القرن الواحد و العشرين ؛ من قال ان من عاش تلك الايام " الكالحة " لا يحن لها الان و يتمنى ان تعود بكل تفاصيلها و كل كأبتها ، و من قال لك ان الشعب غايته رائحة صابونة او نوع من الجبنة او عدد الملاهى المتاحة ، من قال لك ان هذه الالوان البراقة التى تصبغ بها مصر شيبتها و تدارى بها سؤاتها هى من يجعل ايامنا احلى و ليالينا ابهى ان مصر التى عاشت كآبة السبعينات الماضية لم تصبها مصيبة صفر المونديال ، مصر السبعينات لم تكن اسيرة فتاوى بول الابل و ارضاع الكبير ، و الفتن الدامية بين مسلميها و مسيحييها ، مصر السبعينات لم تكن لتشهد احد يتناول طعامه من صناديق القمامة ، مصر الفقيرة الرثة لم تعانى من الجوع يوما و خرجت المظاهرات الى الشوارع يوم ان ارتفعت اسعار اللحوم الى ثلاثة جنيهات ، مصر الفقيرة لم تكن اسيرة قانون الايجارات الذى يجعل الشباب كل خمس سنوات يحمل عفشه يبحث عن سكن بديل ، مصر السبعينات كانت الشقة فيها في متناول الكافة ، مصر السبعينات لم تشهد اغتصاب اطفال في مدارسهم ؛ و لا انهيار في مستوى التعليم و لا تحرش جماعى في الشوارع في الاعياد ، مصر السبعينات لم تكن تعرف من شرب سيجارة بنى و لا كاتش كادر في القالولو كماننا ، مصر السبعينات لم تعرف النصب الجماعى و الاحتيال على البنوك ، مصر في السبعينات لم تشهد غرق عبارة فيها الف و خمسمائة شخص ، مصر السبعينات كانت تقف طوابير في المجمعات من اجل كيلو سكر في دولة تعترف بمسئوليتها عن مواطينها ؛ و لم تقف ايامها فى طوابير الخبز كما نحن الان ، مصر السبعينات كانت رثة الثياب لكنها كانت ترتدى كلها نفس الثياب ؛ اما الان فالجميع يعرف مدى التفاوت بين الناس مصر السبعينات كانت قليلة القنوات لكنها غنية بالزيارات العائلية التى انقطعت الان ، مصر السبعينات كانت بلا تليفونات لكن الناس كانت بينها مودة و محبة و ليس كما يحدث الان من تنافر و تجاهل و غياب لكل العلاقات الاجتماعية ، مصر السبعينات كانت فقيرة لكنها كانت متقاربة اما الان فالتنافر بين الجميع و الحرب بين الجميع و الاستفزاز بين الجميع ، مصر السبعينات كانت بلا ملاهى لكن كانت بلا جرائم غريبة مثل التى نراها الان ، مصر السبعينات كانت ترى طريقها بعكس ما يحدث الان من تخبط و عشوائية ، مصر السبعينات كانت فقيرة لكنها كانت محترمة و لا يجرؤ احد على التطاول عليها و ليس كما يحدث الان من تطاول دول صغيرة و تبجحها علي مصر ، مصر السبعينات لم تكن تعرف الفيجيتار و لا مكسبات الطعم و لا المطاعم الحديثة لكنها لم تكن تعانى من السرطان كما نعانى الان ، مصر تخلصت من البلهارسيا لكنها اصيبت بكل امراض الدنيا الاخرى فيروسات الكبد فشل كلوى سرطانات بين الاطفال بأعداد مخيفة ، مصر السبعينات لم يكن لديها مستشفيات للسرطان لأننا ببساطة لم نكن نعانى من السرطان ، مصر لم يكن لديها جميعات لحقوق المرأة لإن الجميع كان يعرف حقوقه و وواجباته ، مصر الان بها عشرات الصحف لكننا افتقدنا اهرام السبعينات ، مصر الفقيرة كان لديها اهرام لا تشبع من صفحاته و كتابها احمد بهاء الدين توفيق الحكيم يحيي حقى هيكل ، مصر السبعينات كانت فقيرة لكن جامعاتها كانت قوية و تعليمها كان قويا ، اما الان فلا تعلم ان كان التعليم مجانيا ام مدفوع و في ذات الوقت الذى تدفع فيه الان اضعاف ما كنت تدفعه في السبعينات فلا انت متأكد من تحصيل ابنائك علميا و لا انت امن عليهم في مدارسهم ، مصر السبعينات لم تكن تعرف كل هذه الاعداد المهولة من السيارات و لكنها لم تكن تعانى من كل هذه المشاكل المرورية التى نعانى منها الان ، مصر الفقيرة كانت لا تعرف من المخدرات الا الحشيش اما الان فالانواع لا تحصى و المواد لا تنتهى من بانجو و برشام و بودرة و خلافه ، مصر السبعينات كانت فقيرة لكنها كانت واثقة من نفسها اما الان فإن مصر مهزوزة مضطربة متوترة قلقة ، مصر السبعينات لم تكن الكهرباء فيها متوفرة اما الان فالمصريين يبكوا من فواتير الكهرباء العالية ؛ و فواتير المياه الغارقة ؛ و فواتير التليفون الملتهبة ، و مع ذلك فالخدمات لا ينصلح حالها اسبوع كامل ، مصر السبعينات كانت متكفلة بأبنائها أما الان فإنك لا تعلم لمن تلجأ فقوانين السكن و العمل و المرتبات تجعل المصرى وحده مع مشاكله بينما الدولة غارقة في اودية اخرى لا علاقة لها الا بالمستثمر و الثرى تعطيه من اراضيها و تعفيه من واجباته بينما الفقير لا يعلم له من سند فالزمان تغير و مصر الرثة لبست احلى حللها و ازينت لرجال اعمالها و يكفينا ان نراهم الان في الشاشات الملونة . هذه هى مصر السبعينات و مصر العشر الاول من القرن الحالى حال يإن فيه الجميع يضحكون قليلا حتى تذهب السكرة و تأتى الفكرة فإذا هم الى السبعينات يحنون كما احن انا الان ...
-----------------------------
تعديل واجب في 10 يونيو 2021 بعد 11 سنة من كتابة المقال 
تعالوا شوفوا اللى بقينا فيه في زمن محمد رمضان و حمو بيكا و مدينة نور و هشام طلعت مصطفي و سد النهضة و عشرات الاحزان الجديدة 
author-img
ماذا اقول عن نفسى غير ما اريد الا يعلمه احد عنى فأن انت سألتنى عن نفسى فأن ما تسمعه منى ليس ألا ما استطيع ان أقوله فهل تستطيع ان تسمع ما لا اقوله لك ؟

Comments