القائمة الرئيسية

الصفحات

المراصد الفلكية في مصر الفاطمية الإسلامية

المراصد الفلكية في مصر الفاطمية الإسلامية :
إن المرصد وهو أكثر المؤسسات التي يمكن اعتبارها قريبة إلى العلوم غير الدينية كان يواجه مشكلات كبيرة إلى أن أصبح جزءا متكاملاً من الحضارة الإسلامية، لذلك نجد أنه خلال التاريخ الإسلامي وفي بقاع مختلفة من الامبراطورية الإسلامية هدمت مراصد كثيرة بعد بناؤها وأعدم الوزراء الذين كانوا قائمين عليها وأعدم الفلكيون العاملين بها، إذ تسرب للحاكم أن هذه المراصد تمارس التنجيم، حيث أن العقيدة الإسلامية ضد التنجيم وإدعاء معرفة الغيب. وكان أول مرصد بني في العصر الفاطمي هو ذلك المرصد الذي شيده الفاطميون على جيل المقطم قرب الفسطاط لابن يونس المصري في أواخر القرن العاشر الميلادي. ومع قرب نهاية القرن الخامس الهجري وبداية القرن الثاني عشر الميلادي أراد الوزير الأفضل أبا القاسم شاهنشاه بن أمير الجيوش (الجيوشي) بدر الجمالي الاحتفال بالذكرى الخمسمائة للهجرة حيث أحضر من بلاد الشام تقاويم لما يستأنف من السنين لاستقبال سنة خمسمائة من سنى الهجرة وقيل مائة تقويم أو نحوها، وكانوا منجموا الحضرة يومئذ: ابن الحلبي وابن الهيثم وسهلون وغيرهم كما ورد في ذكر المراصد في كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزية تأليف تقي الدين أبي العباس أحمد بن علي المقريزي المتوفي سنة 845هـ.
وكان أول مسجد بناه الأفضل أبا القاسم شاهنشاه الجيوشي بدر الجمالي لاستخدام سطحه كمرصد هو مسجد فيله في جبل الجرف الواقع إلى الشمال من بركة الحبش بالقاهرة وكان الآلة المستخدمة للرصد هي ذات الحلق وكان قطرها خمسة أمتار. وذات الحلق كانت هي أرفع وأرقى أدوات الرصد الفلكي في العصر الإسلامي في كل البقاع وكان الوزير الأفضل أبا القاسم الجيوشي بدر الجمالي يشرف على تصنيع هذه الحلقة بنفسه وبأموال طائلة من خزائن الدولة.

ذات الحلق :
Armillar آلة من خمس حلقات ودوائر من نحاس، ويمثل أولها دائرة نصف النهار وهو مركز على الأرض ودائرة منطقة البروج ودائرة العرض ودائرة الميل وكذلك الدائرة الشمسية التي يعرف بها سمت الكواكب.
لقد طور المسلمون من صناعة هذه الآلة حتى بلغ قطر حلقاتها النحاسية 3 أمتار ونصف المتر حتى أنه في عام 515هـ في القاهرة صنع ابن قرقه حلقة ذات 5 أمتار وعبر عن ذلك بقوله للأفضل: (وحق نعمتك لو أمكنني أن أعمل حلقة تكون رجلها الواحدة على الأهرام والأخرى على مسجد التنور عبر النيل فعلت فكلما كبرت الآلة صح التحرير، وأين هذا في العالم العلوي). بمعنى كلما كبر حجم الآلة ازدادت دقتها وبالصغر آلاتنا بالنسبة إلى رحابة الكون العظيم، وبذلك نجد أن المسلمين لم يطورو الآلة فقط وإنما زادوا عليها في حلقات مكنتهم من عمل قياسات أفقية.
الجيب المجيب Sennero Quadrant   يتكون من ربع دائرة يطلق عليه الربع المقطوع والربع المقنطر ويعمل من الخشب الجيد أو من البرونز أو الذهب أو الفضة ومعرفة البروج وعلم المزولة .. وغيرها.
بعد اكتمال الحلقة وتركيبها فوق سطح فيله وجدوا أن جبل المقطم يحول رصد الشمس عند شروقها وبالتالي قرروا نقل ذات الحلق إلى سطح مسجد الجيوشي فوق جبل المقطم والذي كان الوزير الأفضل أبا القاسم الجيوشي قد بناه أيضاً. ثم تم سبك حلقة جديدة قطرها 3.5 أمتار تحت إشراف الوزير الأفضل بأموال أقل من خزانة الدولة وتم بها رصد الشمس من فوق سطح مسجد الجيوشي وتم عمل تقاويم عام 513هـ .
وطبقاً للخطط المقريزية (وفي ليلة عيد الفطر عام 515هـ تم اغتيال وقتل الوزير الأفضل الجيوشي. حيث تولى الوزارة بعده القائد أبو عبد الله ودعي بالمأمون بن البطائحي الذي أمر بنقل ذات الحلق إلى باب النصر ورفعها إلى أعلى السطح حيث تمكنوا من رصد الشمس عند شروقها ثم تم سبك حلقة ثالثة قطرها 2.5 أمتار وقد سمى الوزير المرصد الجديد بباب النصر بأسمه فسماه مرصد المأمون ... مما أثار حفيظة الخليفة الآمر بأحكام الله ... لذلك قبض على الوزير المأمون ليلة السبت ثالث شهر رمضان سنة تسع عشر وخمسمائة هجرية (519هـ) وكان من جملة ما عدد ذنوبه عمل المرصد المذكور والاجتهاد فيه وقيل أطمعته نفسه في الخلافة بكونه سماه المرصد المأموني ونسبه إلى نفسه ولم ينسبه إلى الخليفة الآمر بأحكام الله، وأما العامة والغوغاء فكانوا يقولون أرادوا أن يخاطبوا زحل وأرادوا أن يعلموا الغيب وقال آخرون منهم عمل هذا للسحر ونحو ذلك من الشناعات، فلما قبض على المأمون بطل وأنكر الخليفة على عمله فلم يجسر أحد أن يذكره وأمر فكسر وحمل إلى المناخات وهرب المستخدمون ومن كان فيه من الخاص وكان فيه من المهندسين رسم خدمته وملازمته في كل يوم بحيث لا يتأخر منه أحد الشيخ أبو جعفر بن حسنداي والقاضي بن ابن العيش والخطيب أبو الحسن علي بن سليمان بن أيوب والشيخ أبو النجا بن سند الساعاتي الإسكندراني المهندس وأبو محمد عبد الكريم الصقلي المهندس وغيرهم من الحساب والمنجمين كابن الحلبي وابن الهيثم وابن نصر تلميذ سهلون وابن دياب وجماعة يحضرون كل يوم إلى ضحوه النهار).
وهكذا أعدم الوزير المأمون .. وهدم مرصد باب النصر ـ وفر العاملين به 
من بحث بعنوان
الفلك والمراصد الفلكية في مصر الفاطمية الإسلامية
أ.د. مسلم شلتوت

ابن يونس المصري.. أعظم فلكي سبق «جاليليو»

وصفه مؤرخون بأنه أعظم فلكي مسلم، وكان من أوائل العلماء الفلكيين الذين رصدوا كسوف الشمس والقمر، وينسب إليه العديد من الاختراعات والاكتشافات. 
اسمه أبو الحسن علي بن أبي سعيد بن يونس الصدفي المصري، ولد في مصر سنة 342 هجرية الموافقة لسنة 950 ميلادية ، نشأ وسط أسرة اشتهرت بالعلم، حيث كان والده من كبار المؤرخين، وجده من العلماء المتخصصين في علم النجوم، وقد حرص على تحصيل مختلف العلوم حتى أصبح من كبار العلماء في عهد الدولة الفاطمية.
حظي ابن يونس بمكانة كبيرة لدى الخلفاء الفاطميين، فحظى برعاية الخليفة العزيز بالله، و رفع مقامه ، وبنى له مرصدا في المقطم ، وجهزه بكل ما يلزم من الآلات والأدوات، 
و بعد وفاة الخليفة العزيز بالله ، واصل ابن يونس العمل في عهد الحاكم بأمر الله ابن العزيز بالله الذي أسس «دار الحكمة» لتكون مناره للعلم ولأهله.
ومن الإنجازات الفلكية التي تنسب إلى ابن يونس قيامه برصد كسوفين للشمس في العامين 977 و978 بدقة عالية، كما أنه رصد خسوفاً للقمر في نفس الفترة وسجله في جداوله الفلكية، والتي استخدمها الفلكيون الغربيون في العصور الحديثة، فضلاً عن أنه استطاع أن يحسب ميل دائرة البروج بدقة عالية.
واخترع ابن يونس رقاص الساعة «البندول»، وبذلك يكون قد سبق العالم الإيطالي جاليليو في هذا الشأن بأكثر من 600 سنة، وكان رقاص الساعة يستخدم في الرصد الفلكي لدقته العالية، ومن منظور هذا الابتكار تطورت آلات حساب الوقت، كما أصبح للبندول الدور الكبير لدراسة الذبذبات والاهتزازات، وتقديراً لجهوده الفلكية تم إطلاق اسمه على إحدى مناطق السطح غير المرئي من القمر.
وكان لابن يونس العديد من المؤلفات، أهمها كتاب «الزيج الحاكمي»، وهو الكتاب الذي بدأ تأليفه بأمر من العزيز بالله سنة 380 هجرية - 990 ميلادية، وأتمه سنة 1007 ميلادية في عهد الحاكم بأمر الله، وكلمة زيج فارسية، ومعناها الجداول الفلكية الرياضية،
 وكان له كتاب آخر أسمه «زيج ابن يونس»، والأرقام التي أوردها في كتابيه الزيجين صحيحة حتى الرقم السابع العشري، مما يدل على دقة حسابية لا مثيل لها في الحساب، وعنه نقل الكثير من العلماء الفلكيين، وكان المصريون يعّولون على تقاويمهم على زيج ابن يونس لفترة طويلة من الزمن، واشتمل «الزيج الحاكمي» على 81 فصلاً، وقد ترجمت بعض فصول هذا الزيج إلى العديد من اللغات الأجنبية ، وتوجد أجزاء من هذا الكتاب في عدد من المكتبات العالمية مثل اكسفورد، وباريس، والاسكريال، وبرلين، والقاهرة، وقد قام العالم الغربي «كوسان» بنشر وترجمة أجزاء هذا الزيج التي فيها أرصاد الفلكيين القدماء وأرصاد ابن يونس نفسه عن الخسوف والكسوف، واقتران الكواكب.
وضع ابن يونس بعض المؤلفات الأخرى مثل كتب «الميل» و«الظل»، و«تاريخ أعيان مصر»، والذي جمع فيه عدداً كبيراً من المشاهدات الفلكية المعروفة من قبله وما اكتشفه من رصده.
وبرع ابن يونس في حساب المثلثات، وكان أول من توصل إلى حل بعض المعادلات التي تستخدم في علم الفلك، وله فيها بحوث قيمة ساعدت في تقدم علم المثلثات، وهو أول من وضع قانونا في حساب المثلثات الكروية، وكانت له أهمية كبرى عند علماء الفلك، قبل اكتشاف اللوغاريتمات، إذ يمكن بوساطة ذلك القانون تحويل عمليات الضرب في حساب المثلثات إلى عمليات جمع، فسهل حل كثير من المسائل الطويلة المعقدة.
توفي ابن يونس المصري في عام 399 هـجرية 1009 ميلادية 
من صحيفة الاتحاد بقلم احمد مراد
author-img
ماذا اقول عن نفسى غير ما اريد الا يعلمه احد عنى فأن انت سألتنى عن نفسى فأن ما تسمعه منى ليس ألا ما استطيع ان أقوله فهل تستطيع ان تسمع ما لا اقوله لك ؟

Comments