المقدمة
تعتبر العلاقة بين جماعة الاخوان المسلمين و الجماعات السلفية من ناحية و الظهير الفكرى للسلفيين من الخارج متمثلا في المملكة العربية السعودية من اكثر العلاقات غموضا و ارتباكا فمن ناحية يدعى كل من الاخوان و السعودية انهم يمثلان على نحو ما المشروع الاسلامى تقدم الاخوان نفسها على انها ممثل الاسلام بمفهوم حداثي منفتح اذا ما تحدث التيار الهضيبي كما تقدم نفسها على انها حامية الدين اذا ما تحدث التيار القطبى متسلحا بفكر سيد قطب و من خلال امتدادات الاخوان الخارجية من تركيا الى تونس شكلت الاخوان جبهة عابرة للحدود لها علاقات سياسية تستغلها لمصلحة توطيد ارضية للجماعة تخدم مشروعها لتكوين كيان اسلامى الشكل على رقعة من الارض منفتحة بدون عوائق جغرافية .
اما المملكة السعودية فتقدم نفسها على اساس انها وريثة الاسلام التقليدى في صورته الكلاسيكية البدوية المحافظة و هى بحكم المحافظة الفكرية لم تكن تستطيع عبور الفجوة الجغرافية و الاحتكاك بالعالم الخارجى لما في ذلك من خطر علب الافكار الداخلية التى تميل الى المحافظة
و هكذا كنا امام خريطة فكرية فحواها ان الاخوان ظهيرهم الفكرى منفتح المجال في حين ان السعودية كيان يتعاظم حول نفسه و بالتالي لم يكن هناك ثمة تعارض بين سعى الطرفين للادعاء بتمثيل الاسلام فالاخوان يمثلون الاسلام من منطلق حركى متحرك و ممتد بينما السعودية تميل الى ادعاء تمثيل الاسلام بشكل مركزى من خلال تصوير المملكة انها دار الاسلام و ان اهانة المملكة هى اهانة الاسلام نفسه
هكذا قلمت علاقة بين الطرفين فحواها ان الطرفين لا تتعارض مصالحهما فلكل منهما مجال .
مقارنة بين الاخوان و المملكة العربية السعودية من حيث الاطار الشرعي و الفقهى
فقهيا لم يكن لدى الاخوان فقه او نظرة شرعية محددة تقدمها الى كتابات في الاغلب تصب في مربع الخطابة و البعد عن تأطير احكام الشرع طبعا الا اذا ما اعتبرنا في ظلال القرآن يقدم رؤية شرعية حقيقية و هو ما عارضه كبار السلفيين و كبار العلماء من كل التيارات و كانوا يكتفون مؤخرا بشعار ان الاسلام هو الحل دون ان يقدموا اراء محددة في مشاكل المجتمع ، في حين كانت السعودية و لفترة طويلة صريحة مع نفسها من تبنى اشد الاحكام الفقهية تشددا فالنظام الحاكم هناك حنابلة ... تيمية ... وهابية فهم في كل طريق يختاروا اكثره تزمتا ليقدموه انه رأيهم و مذهبهم
العلاقات السياسية بين الطرفين
حسن البنا يقبل يد الملك عبد العزيز |
كانت البداية من المؤسسين حسن البنا و الملك عبد العزيز لمح البنا للملك برغبته في الدعوة لجماعته في المملكة و لأن الملك فطن ان البنا كجماعة دينية قد تضرب الصورة التى ترسمها المملكة انها هى الممثل الشرعى للاسلام فقد كان رد الملك مبهما " كلنا اخوان "و هو رد و ان كان يحمل معنى ايجابي الى ان حقيقته انه لا داع لذلك .
الطرفين ضد عبد الناصر
ثم كانت الفترة الذهبية لتلاقي المصالح هي اواخر الخمسينات و الستينات حينما تصاعد العداء بين نظام عبد الناصر في مصر و النظام السعودى اذ اجتمع ال سعود و الاخوان على العداء لعبد الناصر و كان طبيعيا ان ترحب السعودية بالاخوان على ارضها محاولة منها لضرب عبد النلصر بايادى مصرية و لم يكن احتواء الاخوان في السعودية الا من باب ان الاخوان يخدمون الاسلام ... كان هذا موقف السعودية من بوابة السياسة اما رجال الدين في السعودية فكانت لهم مآخذ عديدة على افكار الاخوان و قضاياهم التى يسوقوها و مواقفهم من كثير من القضايا كمالملابس و شكل الحجاب الشرعي و صراحة الموقف م نعمل المراة و الموسيقي و غير ذلك مما كان تساهل الاخوان فيه يضرب المشروع الشرعي لعلماء ال سعود .
رحب الملك "فيصل"بالإخوان المسلمين وشارك الاخوان في العملية التعليمية في المملكة بما في ذلك محمد قطب كأحد المشاركين في العملية التعليمية و ظهرت كتب سيد قطب مطبوعة من وزارة التعليم السعودى موجهة للطلاب .
اسم سيد قطب على كتب وزارة المعارف السعودية |
و اذا كان موقف السعودية من الاخوان في الخمسينات و الستينات هو العمل المشترك ضد عبد الناصر خاصة بعد اصطدام الحركة بالنظام في مصر و موضوع المنشية في أكتوبر 1954 وحملة المحاكمات و اعدام عبد القادر عودة.
مع منح الجنسية السعودية لعدد كبير من الاخوان الذين هربوا الى المملكة مثل الشيخ مناع القطان ومصطفى العالم.. وعبد العظيم لقمة الذي انخرط في عالم الاعمال حتى بات من أثرياء الإخوان الكبار .
و خلال الستينات و اثناء المناوشات السياسية بين مصر عبد الناصر و المملكة اعترضت السعودية على الأحكام التي التى صدرت ضد قيادات الاخوان بإعدام خمسة منهم على رأسهم سيد قطب، و حاولت السعودية وقف تنفيذ الحكم دون جدوى و تم أعدام قطب واثنان اخرين
الطرفين مع السادات
كانت السبعينات مرحلة مفصلية للاخوان في العمل السياسي و التنظيمى اذ انطلقت بفضل السادات الى العمل العلنى في مشروع تمكين اليمين من مصر لمحاربة افكار عبد الناصر و قد سعى السادات الى التصالح مع السعودية و اتخاذ سياسات مشتركة استغلتها السعودية لنشر الفكر الوهابى في مصر و محاولة اختراق جماعة الاخوان مستغلة توافد الاف المصريين الى السعودية للعمل في السعودية في فترة ارتفاع اسعار النفط بعد حرب اكتوبر ، اذ سعت السعودية و نظام السادات الى ان يكون معظم المسافرين ممن لهم انتماءات دينية و لو بسيطة بحيث يتم اعادة تهيئتهم مع الوقت ليصبحوا اوائل اصحاب الفكر السلفي او القطبى .
كانت فترة السبعينات هى الفترة التى شهدت تغييرات اجتماعية عنيفة في مصر نجمت عن فتح ابواب السعودية للإخوان حيث حصلوا على العديد من فرص العمل في وظائف عديدة كما نشطوا في الجامعات السعودية و المؤسسات التعليمية و المؤسسات المالية و المصرفية و على الجانب الاخر فقد تركت السعودية بفكرها الوهابي اثره على جناح داخل الاخوان مال اكثر الى التشدد الفكرى حاملا فكر سيدقطب باعتباره المعادل للنسخة الوهابية السعودية من الاسلام ما جعلهم عند عودتهم عبارة عن حصان طروادة الذي حمل معه سموم اجتماعية ما زال المجتمع يعانى من تداعياتها حتى الان
ادركت الجماعة حساسية المملكة من الانشطة ذات المضمون السياسي فامتنعت عن الانشطة السياسية هناك كما هو موجود في دول أخرى كالاردن و سوريا خاصة ان لب الفكر الاخوانى يضرب الفكر الوهابى المنغلق و المتحفظ .
في نهاية حكم السادات حدث التدخل السوفيتى في افغانستان و كان من الطبيعى ان تتوافق الاطراف الثلاثة ( السعودية - مصر - الاخوان ) في الاشتراك معا في مشروع امريكا لمحاربة السوفييت في افغانستان .
و كان من الطبيعي ايضا ان تستغل المملكة وجود الاخوان و الجماعات الإسلامية الأخرى بين الناس و في النقابات المهنية في تعبئة وحشد الشباب في الدول التى ينشط فيها الاخوان تنظيميا لتجنيد الشباب و استغلالهم في قتال السوفييت في افغانستان و تكفلت المملكة بالانفاق ببذخ على الشباب المسافر للقتال نيابة عن الولايات المتحدة القسم طوال الثمانينات .
اقرأ ايضا : الصين و تطور الأحداث في أفغانستان
مبارك : السعودية و الاخوان و الجماعة " المحظورة ورقيا "
اما فترة حكم حسنى مبارك فتميزت بالمراوغة و التلاعب بعقول الشعب فورقيا و قانونا كانت جماعة الاخوان جماعة محظورة ممنوعة من ممارسة السياسة و واقعيا كانت الجماعة موجودة في كل مكان ... المدارس و الجامعات و النقابات
كانت الجماعة نعقد اجتمعاتها بمقرها المعلن بمنطقة الملك الصالح دون ان يتعرض لهم احد و دخلوا الانتخابات البرلمانية وفق تفاهمات مع الدولة ما يعنى ان الدولة قررت احتواء حركة الجماعة و استخدامها سياسيا لاحتواء المعارضة حتى وصلت الى ان يكون لها 85 مقعد في برلمان مصر فلم يكن هناك من داعى لافتعال المشاكل بين جميع الاطراف فقد جرى تقديم كل التيارات الاسلامية في الشارع سواء حداثية او سلفية في محاولات حثيثة لتغير شكل مصر بما يرضي الاطراف الخارجية .
ربما كان اول بوادر الصدع في اعقاب موقف الاخوان من الثورة الايرانية اذ ان الاخوان حسبما يقدمون انفسهم كانوا في موقف حسبوا انهم يستطيعون التعبير عن انفسهم عالميا من خلال اظهار تأييدهم للثورة " الاسلامية " في حين كان هذا مزعجا للسعوديو من ناحيتين الاولى انها خسرت حليف مهم هو شاه ايران و ثانيا انها بصفتها ممثل للاسلام السنى استدعت الصراع القديم بين السنة و الشيعة للتذكير بانها ممثل المسلمين في العالم حتى و لو كان بالغمز و اللمز في عقيدة ملايين المسلمين الشيعة .
الا ان الإخوان حاولوا تدارك تسرعهم في موقفهم من دعم الثورة الايرانية و شكلوا لجنة عرفت باسم (لجنة فتح إيران) بأشراف سعيد حوى تهدف الى تحويل شيعة إيران إلى المذهب السني!.
ثورة ٢٥ يناير و تصاعد العداء
و تعتبر ثورة 25 يناير هى الوجه الكاشف بين سياسة دولة تفترض الثبات و بين جماعة سياسية برمجاتية الى حد الانتهازية فالذي حدث انه بينما وقفت السعودية ضد تيار الربيع العربى حتى لا تصل صيحات التغيير الى الجزيرة العربية فإن الاخوان المسلمين حوالت الظهور بمظهر القوى الثورية في اخرايام الثورة طبعا نعلم ان فكرة الثورة و التغيير امر غير مستحب في الفكر السلفي فكان دخول الاخوان ساحة الثورات العربية لحظة التباين بين الطرفين و نزع غطاء الود المصطنع بين الفريقين ....
لقد كان موقف السعودية من ثورة 25 واضحا انها لا تستطيع اعلان رفضها صراحة و لكنها لا تستطيع تقبل نتائجها و بالتالي وجدت نفسها مضطرة الى تقبل تغيير راس النظام و العمل على محاولة حمايته و العمل بجنون على محاولة منع محاكمته و محاولة توفير حماية سياسية و اعلامية لمبارك و " للاستقرار المزعوم " في فترة حكمه .و مثل هذا عقبة امام الاخوان التى كانت نظريا في فريق الثوار و عمليا في جبهة السعودية في منع فكرة المحاكمات الثورية لرموز النظام السابق
اما داخل مصر فكان السلفيين و الاخوان يقفان في خندق واحد امام تيار الشباب الثورى و لكن لم يكن هذا الا لحظة عابرة حتمية لا تعنى التقاء الافكار بقدر ما كان حتمية التقاء المصالح .
فكان ضروريا ان تتنصل السعودية من علاقتها بالاخوان ليس لأسباب شرعية و لكن لأن النقطة التى تقف عندها الاخوان تهدد الفكر السياسي ( الدينى شكليا ) ان السعودية هى الممثل السياسي و الشرعى للسنة في العالم .
فكانت تصريحات محمد بن سلمان مع "داوود شريان" ان الإخوان المسلمين سبب للشرخ في العلاقة المصرية السعودية، و انهم وراء اغتيال الملك فيصل ليس هذا فقط بل ان أسامة بن لادن كان من الإخوان المسلمين. و البغدادي كان من الإخوان و ان الاخوان يعملون على جعل أوروبا قارة إخوانية بعد 30 عاما، وهم يريدون أن يتحكموا بالمسلمين في أوروبا". و هو ما ردت عليه الاخوان بان صعود الامير محمد بن سلمان لم يكن عن جدارةٍ بل بما قدمه من تنازلات .
فالواضح ان الإخوان ليس لهم مكان في برنامج بن سلمان الحداثى حاليا مما يعنى ضرورة الانخلاع من اى رابط يجمعهما ( حاليا ) فلا احد يعلم ما تخبئه السياسة من مصالح
في كل هذه المراحل كانت السلفية هي ممثل المملكة في تقديم غطاء للاخوان او نزعه عنها و ربما كانت في فترة ما بعد يناير 2011 هي قمة التحالف الشائك للسيطرة على الشارع كموجة واحدة بينما في داخل هذه الموجة كان كل تيار يحاول تعظيم مكاسبه على حساب الاخر .
Comments