القائمة الرئيسية

الصفحات

تاريخ مصر من خلال شركة

تعالوا نقرأ كيف كانت نظرة بعض الرجال لمصر و لمصالحها من خلال تاريخ واحدة من اهم شركات مصر شركة كانت شريك اساسى في بناء و المحافظة على مصالح مصر و علاقاتها شركة وضعت لمصر اسس قوية تبنى عليها لكننا ضيعنا الشركة و شبكة علاقاتها انها شركة النصر للتصدير و الاستيراد

مصالحنا في أفريقيا لا تقتصر على المياه فقط
نشوي الحوفي المصور: تحسين بكر
محمد غانم رئيس شركة النصر للاستيراد والتصدير في...
المزيد
المصور: تحسين بكر
محمد غانم رئيس شركة النصر للاستيراد والتصدير في...
المزيد
المصور: تحسين بكر
محمد غانم رئيس شركة النصر للاستيراد والتصدير في...
المزيد


في مكتب عتيق بمبنى تراثى فى شارع عبدالخالق ثروت، تستشعر فيه رائحة الستينيات المصرية، يستقبلنا ببشاشة، يرد على تعبيرى عن سعادتى للقائه بجملة: «بلاش بكش».. أؤكد له صدق العبارة فيتساءل: «وماذا تعرفين عنى؟»، لأجيب أن السعى للقائه لم يكن لما قام به من أعمال تتعلق بالأمن القومى وحسب فيما مضى من سنوات، ولكن لما بذله من جهود عبر تأسيس شركة النصر للتصدير والاستيراد لدعم أمن مصر فى أفريقيا.. عندها هدأت أساريره وخاطبنى قائلاً: «برافو عليكى» .

هكذا بدأ الحديث مع محمد غانم، ضابط المدفعية فى الجيش المصرى منذ عام 1944، الرجل الذى ساهم فى رسم وتنفيذ السياسة المصرية فى العالم العربى وأفريقيا، ومؤسس ورئيس شركة النصر للتصدير والاستيراد التى اخترقت 25 دولة أفريقية بإنشاء فروع بها لتأمين مصالح مصر.

يتذكر «غانم» بتركيز شديد تفاصيل كفاحه مع رجاله العاملين فى فروع الشركة التى أنشئت لربط مصالح دول أفريقيا واقتصادها مع مصر. يحكى أنه طالب الحكومة وقتها بمنحه 250 ألف دولار عن كل فرع يسعى لإنشائه فى أفريقيا، لكن خواء الخزانة والتزامات الدعم العسكرى خفض المبلغ فى نهاية المطاف إلى 10 آلاف دولار فقط لكل فرع.

يحكى كيف أصر على بناء أعلى مبان فى الدول الـ25 لتكون مقار لأفرع الشركة وتحمل على قمتها اسم مصر. تسأله: «كل هذا بـ10 آلاف دولار؟»، فيجيبك بقوة تتنافى وسنوات عمره التى جاوزت الثمانين: «لا، بل بعزيمة الرجال».

يقارن غانم بين ما فعله هو ورجاله فى الستينيات فى دول أفريقيا وبين ما هو حادث الآن مع دول حوض النيل فيقول: «لو فعلنا فى إثيوبيا ودول حوض النيل ما فعلناه فى غرب وجنوب أفريقيا ما وصلت الأمور لما وصلت له الآن»، فإلى نص الحوار.

■ ضابط بالجيش المصرى وخريج الكلية الحربية.. ما علاقتك بالاقتصاد وتأسيس الشركات؟

- دعينى أُعدْ صياغة الجملة لتكون: مواطن ودارس لفنون القتال والدفاع وضابط فى الجيش المصرى ومحب لكل ذرة تراب فى هذا الوطن.

وعندما يطلب منى الوطن أن أكون ضابطاً فأنا كذلك، وحينما يحتاجنى كرجل اقتصاد فأنا هو، وفى الوقت الذى يطلبنى فيه كرجل مخابرات فمرحباً بالمهام. لقد تخرجت فى الكلية الحربية عام 1944 والتحقت بسلاح المدفعية وشاركت فى حرب فلسطين ومُنحت عن دورى فيها نجمة فؤاد العسكرية، كما تطوعت فى ديسمبر عام 1948 كضابط ملاحظة مدسوس وسط قوات العدو الإسرائيلى الذى حاول اختراق الحدود المصرية فيما بين رفح وغزة، وبفضل الله نجحت فى مهامى وصرت مسؤولا عن 10 متطوعين لا تعرف قلوبهم الخوف، فسببنا الألم للعدو الإسرائيلى وقتها.

وفى عام 1954 حصلت على النجمة العسكرية لأننى كنت رأس حربة للفدائيين فى منطقة القنال لإزعاج القوات البريطانية وإشعارها أن مصر لم تعد البلد الآمن لوجودها، وكان اسمى الحركى محمد صلاح. وفى عام 1954 وقع الاختيار على لمحاربة تشكيل حلف بغداد الذى سعت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية لتكوينه لعمل حزام أمنى يحمى مصالحها فى المنطقة ضد التهديد الروسى لمناطق البترول، فسافرت لبيروت تحت اسم محمد عزت، مدير فرع شركة النيل للإعلان هناك، لتنجح مصر عبر دعم موجات القومية العربية فى شعوب المنطقة فى حث الدول العربية على التراجع عن المشاركة فى الحلف ماعدا العراق التى عرف عن رئيسها فى ذلك الوقت «سعيد النورى» ولاؤه للإنجليز. وفى عام 1958 كان إنشاء شركة النصر للتصدير والاستيراد التى لعبت دورا بارزا فى أفريقيا.

■ الحديث عن شركة النصر للتصدير والاستيراد يطول.. ولكن ما صحة ما يُقال من أنها أنشئت أصلاً لتحقيق أهداف الأمن القومى فى أفريقيا؟

- كان هناك وعى بأهمية دور مصر فى أفريقيا وأهمية دول القارة فى دعم المحور الاستراتيجى المصرى، فلا خلاف حول أهمية السودان ومنطقة الحزام الاستوائى وغرب وجنوب أفريقيا لمصر. وكانت شركة النصر إحدى وسائل السياسة المصرية فى تحقيق هذا الهدف عبر دعم التعاون الاقتصادى والتجارى مع تلك الدول، وبخاصة بعد انتهاء العدوان الثلاثى حين سعت مصر لدعم وجودها فى أفريقيا لمواجهة الاختراق الإسرائيلى الذى كان بمثابة يد الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق مصالحها فى القارة السمراء بعد الانسحاب الصورى للاستعمار من دول القارة سواء كان بريطانياً أو فرنسياً. فحتى وقوع العدوان الثلاثى على مصر لم يكن يُسمح بوجود أى سفارة فى الدول الأفريقية لغير بريطانيا وفرنسا وأمريكا وإسرائيل. ولكن بعد العدوان نجحنا فى إقناع الدول الأفريقية بقطع علاقاتها مع إسرائيل، وهو ما حدث على الأقل ظاهرياً، لأنه كانت هناك أنظمة على علاقات خاصة مع الحكومة الإسرائيلية وترتبط معها بمصالح، لكن على الأقل نجحنا فى حثها على اتخاذ موقف معلن يسمح لنا بالتواجد وبقوة فى أفريقيا. وهكذا أدركت مصر فى تلك الفترة أهمية العمل على عمقها الإستراتيجى فى أفريقيا.

■ كيف جاء إنشاء شركة النصر فى نهاية الخمسينيات؟

- أسست الشركة فى عام 1958 باسم محمد غانم وشركاه، وكان هدفنا توطيد العلاقات الاقتصادية مع كل دول القارة كما قلت. كان رأسمال الشركة يومها 25 ألف جنيه. ولكن عندما صدرت قوانين التأميم فى عام 1961 رفعت الحكومة رأسمالها إلى مليون جنيه. وعملنا على تصدير كل شىء ممكن لأفريقيا واستيراد كل ما يمكن منهم. وفى أحد الأيام كنت أتحدث مع وزير الاقتصاد حسن عباس زكى وطلبت منه أن يساعدنى فى فتح أفرع للشركة فى أفريقيا فرحب، وسألنى عن التكلفة، فقلت نحتاج 250 ألف دولار لكل فرع. ففزع وقال لى الميزانية لا تسمح ولكن سأمنحك 50 ألف دولار. ورضيت وذهبت إلى عبد الحفيظ فودة مدير النقد لأتسلم المال ففوجئت به يقول لى: «من أين لى؟ لن أمنحك سوى 10 آلاف دولار فقط مصر بحاجة للعملة الصعبة لشراء السلاح».

وكان هذا هو التحدى، أن أفتتح أفرعاً للشركة بتلك الميزانية الضئيلة ولكن كان هناك 120 رجلاً من العاملين فى تلك الفروع امتلكوا العزيمة والوطنية لتحقيق المستحيل وتوطيد أقدام مصر فى أفريقيا، وطلبت منهم أن يتصرفوا ويتاجروا بمنطق الفلاح عندما يبيع المحصول ويكون لديه التزامات، فيوزع ما لديه عليها بحكمة. وطلبت من كل منهم أن يكون مقر الشركة فى دولة كل منهم فى أعلى مبنى وفى أفضل منطقة وأن يُبنى على أحدث الطرز. فقالوا لى من أين؟ فاتفقت مع حسن عباس زكى على فتح حساب بنكى للشركة فى البنك الأهلى فرع بيروت نحول له كل ما تكسبه الشركة استعداداً لبناء تلك المبانى وليكون معنا عملة صعبة فى أى وقت تحتاج لها مصر.

كان الرجال يعملون 48 ساعة فى اليوم ليرفعوا رصيد الشركة، مصر كانت فوق رؤوسهم. لم يكن الواحد منهم يحصل على راتبه ولكن كان هناك هدف يعرفون قيمته. عمارة أبيدجان كان مساحتها 4600 متر مربع ومكونة من 4 أدوار فوقها برج مكون من 17 دوراً، على الطابق الأخير لافتة الشركة يراها أهل البلد والوافدون لها. فى النيجر لم يكن هناك مبان أعلى من طابقين ولذا كان بناء مقر الشركة هناك حدثاً حضر افتتاحه رئيس الجمهورية الذى استأذننى فى أن أسمح له بأن يصعد ويرى البناء ويجرب المصاعد والحمامات فرحبت. وكذلك كان الأمر فى ساحل العاج.

هنا يتوقف المحارب القديم عن الحديث ويبكى من الانفعال. ثم يضيف: «عندما كان عاطف عبيد وزيراً لقطاع الأعمال الذى تتبعه الشركة، فوجئت بهم يعلنون عن نيتهم بيع مبنى الشركة فى ساحل العاج لسداد 60 مليون جنيه خسرها فرع الشركة هناك فى عمليات غير مدروسة. فذهبت له وأنا أبكى على مجهود رجال فرطنا فيه بلا سبب، وقلت له إن العمارة رمز لوجود مصر ولا يجب أن نفرط فيها مهما حدث، فلم أستشعر اهتماماً.

ذهبت إلى مجلس الشعب وعرضت الأمر عليهم وأوضحت ما بذل من مجهود فيها وأهميتها لمصر. يومها أصدر المجلس قراراً بعدم بيع أى مبنى من مبانى الشركة فى الخارج. المبنى رمز لجهود رجال أفنوا حياتهم لرفع اسم مصر وتأمين عمقها الاستراتيجى فكيف نتركه بتلك السهولة؟

■ ماذا تعنى بتعبير العمل على عمقها الاستراتيجى فى أفريقيا فى ظل تراجع للدور المصرى اليوم فى القارة؟

- أعنى الوفاء بالالتزامات وتقدير حجم المسؤولية المنوط بدولة كمصر القيام بها. مصر احتضنت جميع الحركات الثورية فى أفريقيا وكانت ملجأ للكثير من القادة السياسيين، جزء كبير منهم عاش هنا ودعمتهم سياسيا ومعنويا وبالسلاح، وفتحت بابها لعشرات الآلاف من الطلاب الأفارقة للدراسة والتعلم هنا لخلق كوادر قادرة على قيادة بلدانها، فالاستعمار لم يسمح لأى بلد فى أفريقيا بتنمية كوادره، مئات الألوف من الأفارقة درسوا فى الأزهر وجامعة القاهرة وعندما عادوا لبلادهم ظل ولاؤهم لنا. ليس هذا فحسب بل قامت مصر بتزويد جميع الدول الأفريقية بما تحتاجه من كوادر فى جميع المجالات لحين توافر الكوادر الوطنية، وعندما أقول كوادر أعنى بها مجالات التمريض والتدريس والطب والإنشاءات والاقتصاد.

فى أحد الأيام كنت أتناول طعام الغداء مع رئيس النيجر «أحمد أهيجو» فى قصر الرئاسة الذى كان مقر الحاكم الفرنسى قبل الاستقلال، وقال لى «أهيجو»: «نحتاج لمساعدة مصر فى مدنا بالكوادر، فرنسا لم تترك لى مهندساً زراعياً أو طبيباً واحداً، أحتاج لمصريين أطمئن إليهم» وهو ما تم تحقيقه لدولة النيجر وغيرها من الدول الأفريقية. وهذا نوع من التوغل الإستراتيجى لمصر فى أفريقيا قائم على أساسين، أولهما تقدير أهمية النظام للعمق الإستراتيجى فى القارة، وثانيهما إدراك حجم المسؤولية التى علينا القيام بها.

■ تتحدث عن خطوط عامة أدت لنجاح مصر فى مواجهة الاختراق الإسرائيلى فى القارة فى ستينيات القرن الماضي. ولكن كيف تم ذلك على أرض الواقع؟

- سأضرب لك مثلاً، عندما استقلت زامبيا وأصبح «كينيس كاوندا» رئيسا لها، سارعت مصر بالاعتراف بزامبيا وسافر وفد مصرى برئاسة حسين الشافعى وضمنى والسيد محمد فائق وكنت أرأس الوفد التجارى. وقتها كانت هناك شركتان إنجليزيتان تسيطران على عملية استخراج النحاس وتصديره للخارج، مقابل منح زامبيا 38 مليون جنيه إسترلينى فى السنة. كان الإنجليز يدعون أن تكلفة طن النحاس 600 جنيه إسترلينى، وكانوا يبيعونه فى بورصة لندن بمبلغ 800 جنيه إسترليني. جلست مع رئيس الوفد الزيمبابوى وكان إنجليزياً وبوطنية تحدثت معه عن استعداد مصر لشراء طن النحاس بمبلغ 700 جنيه إسترلينى، وهكذا تكون مصر وزيمبابوى قد استفادتا من فارق السعر. إلا أنه غضب وأنهى الاجتماع وبالطبع أخبر رئيس الجمهورية الذى دعانا لاجتماع عام بحضور وزراء حكومته بعد ساعات قليلة، وأكد لنا فيه أنه ليس فى شجاعة عبد الناصر الذى أمم القناة وأنه يخشى لو فعل ذلك أن تكف بريطانيا عن دفع الـ38 مليون جنيه فى الوقت الذى تبلغ فيه ميزانية دولته 42 مليون جنيه إسترلينى. ولكنه قال لو استطعت لفعلت، وهو ما حدث فى غضون عامين من ذلك الموقف وبتنا نستورد النحاس من هناك بـ700 جنيه إسترلينى للطن.

مثال آخر فى نيجيريا التى كانت تعتمد على تصدير الزيوت وتحتكره بريطانيا، وذهب مدير الفرع الخاص بالشركة للمسؤول النيجيرى عن الأمر، وسأله لم لا يصدروا هم بأنفسهم محصول الزيت، فتعجب الرجل وقال له أنهم لن يستطيعوا فعل ذلك لأنهم لا يعرفون وإن فعلوا خسروا كل شىء. ظل مدير الفرع فى نيجيريا يلح فى طلبه حتى نجح فى إقناع الرجل بمنحه جزءاً من المحصول لتصديره وبسعر أعلى وبالفعل نجح فى ذلك بسرية تامة وصدر المحصول لفرنسا، وكان حدثاً شديد الأهمية وخرجت الصحف النيجيرية كلها بعنوان واحد «We Can Do It» أى نستطيع فعلها.

■ يقال إن موازين القوى فى المنطقة باتت تحدد مبادئ اللعب فى أفريقيا والمنطقة وهذا هو السبب فى تراجع دورنا وتأثيره فى أفريقيا.. ماذا ترى؟

- أى موازين قوى تلك التى تغيرت؟ أفريقيا كانت خاضعة للاستعمار من قبل القوى العظمى فى العالم فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى، وعندما حدث الاستقلال لها كانت للاستعمار اليد الطولى اقتصاديا هناك إلى جانب اللاعب الإسرائيلى الذى كان يسعى للسيطرة على الكثير من الأمور فى الدول الأفريقية عبر علاقات مباشرة مع كثير من الزعماء الأفارقة، ورغم ذلك نجحنا فى أن نكون موجودين، لأننا كنا نمتلك الرؤية والعزيمة الصادقة لفعل ذلك رغم حالة اقتصادنا الذى كنا نعانى منه.

الرئيس عبدالناصر كان يعرف ذلك، ولذا كان هناك فى رئاسة الجمهورية مكتب للشؤون الأفريقية خاص بكل ما يتعلق بالقارة، كنا نعرف أن الاستعمار تركهم بلا أى وسيلة للحياة، ولذا كانت مصر سباقة فى مد يد العون لا من باب التعالى ولكن من باب الإيمان كما قلت بالعمق الاستراتيجى لها فى القارة.

■ ما تفسيرك إذن لابتعادنا عن دول القارة الآن؟

- من أيام الملك مينا ومصر تُحكم حكم الفرد، عبدالناصر كانت له رؤية تحررية ومغالية فى الوطنية وله 3 دوائر لسياسته عربية وإسلامية وأفريقية. الرئيس السادات كانت لديه رؤية مختلفة آمن فيها بأن 99% من حل مشاكل مصر فى يد الولايات المتحدة، فكان قرار التواصل معها على حساب علاقاتنا بالعرب وأفريقيا. فقل الاهتمام بهذين البعدين وهو ما استمر لحد كبير حتى يومنا هذا.

■ هل كان لشركة النصر أى فروع فى منطقة منابع النيل والقرن الأفريقى؟

- لا للأسف أو لسوء الحظ لم يسعفنا الوقت لعمل ذلك، ولكن دعينى أذكر لك أنه على الرغم من عدم وجود أفرع للشركة هناك، فإن التواجد المصرى كان فعالاً لأعلى درجة، كانت دول حوض النيل تعرف مدى أهمية مصر لها، وبالمناسبة أطماع إسرائيل فى منابع النيل ليست بالجديدة، ولكن مصر كانت موجودة هناك.. أذكر أنه فى قرية تسمى «جينيما» وهى إحدى قرى أوغندا عند منبع النيل كان لمصر مكتب لقياس مياه النيل ومنسوب الأمطار به عدد من مهندسى الرى المصريين، وكان يرأس المكتب مهندس مصرى، لا أذكر اسمه الآن، وثق علاقاته مع سكان القرية كلها عبر التغلغل فى حياتهم ومساعدتهم على حل مشكلاتهم والتواصل مع كل شخصيات القرية المؤثرة، كانوا يقولون له إنه لو رشح نفسه رئيسا للجمهورية لاختاروه، هذا ما نحتاجه الآن للأسف، ولكنه غير موجود.. هم يحتاجون أن نمد أيدينا لهم لا أن نتعالى عليهم. كيف نتجاهلهم ونطلب منهم وقت الأزمة الوقوف بجانبنا؟ التواجد المصرى فى أفريقيا كان تواجد الروح والجسد والثقة فيما نفعله من جانبنا وجانبهم.

■ لماذا تركت الشركة فى عام 1971 وتقدمت باستقالتك منها؟

- لم أتقدم باستقالتى ولكن الرئيس السادات أعلن قبول استقالة لم أتقدم بها، رغم أن الشركة كانت تحقق مكاسب كبيرة وتُدخل العملة الصعبة لمصر، وأذكر أنه فى منتصف الستينيات أرسلت لى جامعة «إلينوى» الأمريكية خطاباً قالت فيه إنهم اختارونى ضمن أهم 600 رئيس شركة فى العالم على اعتبار أن شركة النصر باتت أهم شركة فى مصر والشرق الأوسط وأفريقيا، وطلبوا منى المساهمة فى معهد اقتصادى أنشأوه لتبادل الخبرات، والحقيقة أن عملنا لم يقتصر على أفريقيا بل كانت لنا فروع فى الكويت وباريس وموسكو وروتردام ودمشق وبيروت، وعلاقات مع كل دول العالم، كنا نصدر كل شىء ونفكر فى الخامات التى لا تكلفنا وتعود لنا بالعملة الصعبة، وبخاصة أن التصدير من قبل فى مصر كان يقتصر على القطن والغزل.

لا أنسى أننى عندما زرت اليابان وجدتهم يأكلون الأعشاب البحرية، واكتشفت أننا نعانى منها على شواطئ الإسكندرية وبورسعيد كل عام وندفع أموالاً لإزالتها، فعدت واتفقت مع محافظى المدينتين على رفعها بلا مقابل، وفرزت ما تم جمعه وأعددته للتصدير، مرة أخرى علمت أن شعر الجاموس تُصنع منه فرش الشعر فى العالم، فذهبت للسلخانة واتفقت معهم على حلق شعور الجاموس قبل ذبحها ونظفته وعبأته وصدرته.

■ فى رأيك هل تقتصر مصالح مصر فى أفريقيا على مياه النيل وحسب؟

- بالطبع لا ألم يكن استيراد النحاس بسعر أقل من السوق العالمية مصلحة؟ ألم يكن إقناع دول أفريقيا بإعلان مقاطعتها لإسرائيل مصلحة؟ ألم يكن تواجدنا فى قلب تلك الدول والقرب من زعمائها مصلحة؟ ألم يكن انتماء أهل تلك البلاد لنا وتبجيلهم لكل ما هو مصرى مصلحة؟ ألم يكن تصدير الخبرات والكوادر المصرية لكل دول القارة مصلحة؟ مخطئ من يظن أن مصلحة مصر فى أفريقيا تقتصر على المياه فقط، ومخطئ من يظن أن الوقت قد فات لإصلاح ما أخطأنا فيه، ولكننا نحتاج الرؤية الصحيحة والعزيمة الصادقة.
author-img
ماذا اقول عن نفسى غير ما اريد الا يعلمه احد عنى فأن انت سألتنى عن نفسى فأن ما تسمعه منى ليس ألا ما استطيع ان أقوله فهل تستطيع ان تسمع ما لا اقوله لك ؟

Comments