وقد أمر الله عز وجل بالجهاد وحث عليه، ورغب فيه حتى وصف من يبذل نفسه في سبيله بمن يبيع نفسه لله ، ونعم البيع ذلك البيع ، قال عز وجل : { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقْتُلون ويُقْتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم } ( التوبة:111)، وسمى سبحانه الجهاد تجارة ولكنها تجارة مع الله، وليس المثمن دراهم ودنانير، ولكنه النصر في الدنيا والجنة في الآخرة، قال تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم . تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون } ( الصف:11) .
وقد وردت في فضل الجهاد الأحاديث المتكاثرة، من ذلك ما جاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي العمل أفضل ؟ قال : ( الإيمان بالله والجهاد في سبيله ) متفق عليه ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ) متفق عليه ، وقال : ( إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ،ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض .... الحديث ) رواه البخاري .
وليس الغاية من الجهاد هو قتل النفوس وتدمير الأموال، وترميل النساء، ولكن غايته نشر دين الله في الأرض، بإزاحة المعوقات المادية عن طريق الدعوة ، حتى يقبل الناس على الإسلام لا يعوقهم عنه جور جائر ولا إعلام مزور يشوه حقائقه ويطمس معالمه .
وشهر رمضان المبارك هو شهر الجهاد، فقد وقعت فيه أعظم معركتين في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، الأولى معركة بدر الكبرى التي كانت فرقاناً فرق الله به بين الحق والباطل، وأصبح المسلمون قوة لا يستهان بها .
والثانية فتح مكة ، وبها زالت غربة الإسلام الأولى ، وسقطت رايات الوثنية بمكة ، وأصبح الإسلام عزيزاً في أرجاء الجزيرة العربية .
وكذلك كان هذا الشهر عند سلف الأمة ، فكثير من الأحداث والفتوحات التي كان لها أعظم الأثر في حياة المسلمين وقعت في هذا الشهر الكريم .
ومما يؤسف له أن هذه المفاهيم قد انعكست في نفوس كثير من المسلمين اليوم ، فبعد أن كان رمضان شهر الجهاد والعمل والتضحية ، أصبح شهراً للكسل والبطالة وفضول النوم والطعام، وهو انتكاس خطير في المفاهيم، يجب تصحيحه ، حتى تعيش الأمة رمضان كما عاشه نبينا صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة من بعده جهادا وعبادة وبذلا ، وصدق نبينا صلى الله عليه وسلم حين قال : ( إذا تبايعتم بالعينة ، وأخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد ، سلط الله عليكم ذلاًّ لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ) رواه أبو داود .
نسأل المولى عز وجل أن يردنا إلى ديننا ردا جميلا ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين .
Comments