مجموعة حلقات المصرى اليوم عن حقوق مصر في مياه النيل ماخوذة من وثائق فريدة جمعتها ايدى مصرية من شخصيات تعطى مصرو ليسوا مثل اباطرة الاحتكار و البيزنس انتبهوا معى لصوت التاريخ و الارشفة
رغبة جارفة فى خدمة هذا البلد، قادتنا لنشر هذا الملف الشائك والمتشعب، والذى نكشف فيه عن وثائق وخرائط وحقائق تاريخية غاية فى الأهمية والخطورة. ولأن ما لدى «المصرى اليوم» من وثائق، يكشف حق مصر التاريخى فى مياه النيل، فإننا نقدمه للمسؤولين والقراء جميعا، عله يكون عوناً لهم فى حرب الاتفاقات الجديدة التى تشنها دول المنبع، ضدنا والسودان الشقيق. الخرائط والوثائق- التى حصلنا عليها من «هايدى فاروق عبدالحميد»، الباحث بالأرشيفين البريطانى والأمريكى، عضو الجمعيتين «المصرية للقانون الدولى» و«الجغرافية المصرية»- تؤكد قانونية حق مصر الحالى فى مياه النيل، بل تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن مساعى دول المنبع لتعديل الاتفاقيات التاريخية الخاصة بحصة مصر من مياه النهر، لا تستند إلى شرعية قانونية ولا تصمد أمام دليل سياسى قاطع. هذا الملف تنشره «المصرى اليوم» فى خمس حلقات، تحت مسمى «منحة الأرض ومحنة المياه»، تكشف خلاله تفاصيل وحقائق تاريخية لم يتطرق إليها كثيرون من قبل، أبرزها الخلفيات التاريخية للنزاعات المائية بين مصر والحبشة (إثيوبيا) والكونغو، وما انتهت عليه من وثائق واتفاقات من شأنها إثبات الحق الحالى لمصر فى مياه النيل، أبرزها على الإطلاق اتفاقية 1902 الخاصة بتقسيم المجرى المائى لنهر النيل تقسيماً «حدودياً» لا يقبل التعديل. كثيراً ما تحدث الخبراء والساسة حول حق مصر «التاريخى» فى مياه النيل، تأسيساً على ما تواتر لديهم من وجود ما سُمى باتفاقى عامى 1929، و1959، ولأن للتاريخ فى أعناقنا ذمماً لابد أن نؤديها، وإذا كان الاعتدال ميزة السياسى، فهو من باب أولى نهج للمؤرخ، لأن روح التاريخ والأسلوب العلمى والموضوعى يجب أن يهيمنا على أقلام المؤرخين وأفواههم، لكى يستطيع المؤرخ أن يسيطر على ما يسرده بموضوعيته وتوثيقه. «المصرى اليوم» تنفرد بنشر أصول وثائق عامى 1929 و1959 التى توصلت المستشارة «هايدى فاروق»، الباحثة فى الأرشيفين البريطاني والأمريكي، إلى أصولها عام 2006، بالإضافة إلى أصول وثيقة اتفاقات الحدود السياسية التى عقدتها الدولة المصرية منذ كان اسمها مملكة مصر والسودان، مع دول حوض النيل برعاية المستعمر البريطانى وإيطاليا آنذاك، وهى اتفاق 15 مايو 1902، واتفاق 1900، واتفاق 21 مارس 1899 التى بموجبها تحددت حصة مصر والسودان من مياه نهر النيل، بنحو 100 مليار متر مكعب من المياه فى هذا التوقيت، وليست 55 ملياراً كما الوقت الحالى، مقابل ما تنازلت عنه مصر من أراضٍ كانت تملكها لدول المنبع. هايدى فاروق تقول: «وفق مبدأ احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار، وهو المبدأ الذى تأسس عليه الاتحاد الأفريقى، وقامت عليه دول القارة السمراء، فإن أزلية الحدود السياسية ترد على اتفاق عنتيبى، وهزلية الخروج عن هذا الإطار تقضى بألا حجية لكل ما يصدر عن دول المنبع التى منحتها مصر الأرض نظير الماء، وهذه الاتفاقات الحدودية ترد على المزايدين على حق دول المصب فى مياه النهر». المستندات التى حصلت عليها «المصرى اليوم» تشير إلى أن مصر منحت أرضاً كانت تمتلكها داخل دول المنبع، لهذه الدول مقابل حصتها فى النيل، واشترطت ألا يتم المساس بحصتها فى المياه. فى تفنيدها للوثائق تقول هايدى: «بداية الحصول على اتفاق الحدود الذى حدد حصة مصر فى المياه، جاءت عندما وجدت منذ ما يقرب من 5 أعوام، أطلساً يحمل اسم «أطلساً خرط الدنيا»، وهو الأطلس الذى كان مقرراً على المرحلة الثانوية فى المدارس المصرية عام 1913، والصادر عن مصلحة عموم المساحة المصرية عام 1911، إذ ورد فى صفحته الخامسة فى خارطة السودان الحد المصرى الإنجليزى، عند حد السودان الشرقى مع الحبشة جملة تقول إن هذا الحد السياسى الذى انبنى عليه اتفاق المياه تحدد بموجب اتفاق 15مايو عام 1902، وبالرجوع الى الوثائق الخاصة بالأرشيف البريطانى، وجدت مقتنيات تحدثت عن ظهور دولة كبرى فى وادى النيل فى العشرينيات من القرن التاسع عشر، تضم مصر والسودان، وتمتد بحدودها من البحر الأبيض المتوسط شمالا، إلى أعالى النيل جنوبا، لتحد هذه الدولة الكبرى الحبشة فى حدود مشتركة. وتضيف هايدى: «هذه الدولة نظر إليها أهالى الحبشة بعين القلق، خوفاً من تنامى النفوذ والقوة المصرية، بعد عودة جزء من رقعة الأرض، وبالأخص فى عهد الخديو إسماعيل، حينما اتسعت الدولة المصرية حتى أحاطت بالممتلكات الحبشية الوليدة، كما لم تنظر الحبشة بعين الارتياح لما تقوم به مصر من تأمين لحدودها وتعزيز لقواتها، تدعيماً لحركة الإصلاح والعمران التى بدأت فى حقبة محمد على باشا، وتمكيناً لمصر من إدارة شؤونها على أسس إدارية سليمة، وعوداً لما وثقت له المصادر التاريخية من حجم الرقعة المصرية والسودانية أيضاً». وتؤكد الباحثة فى الأرشيف البريطاني أن هذه المخاوف تزايدت بعد أن أشاعت الصحف الأوروبية آنذاك عزم محمد على باشا حاكم مصر فى هذا التوقيت، ضم الحبشة لممتلكاته، وهى المخاوف التى استمرت إلى ما بعد توقيع معاهدة لندن سنة 1840 م، وصدور فرمان سنة 1841م». وتقول هايدى: "وفق الوثائق حاولت الحكومة المصرية فى عهد محمد على التوصل إلى اتفاق مع الحبشة بشأن الحدود، وفى عهد إسماعيل حاولت أن تؤمن حدودها الجنوبية من ناحية الحبشة بوسيلتين، الأولى عن طريق تحصين الحدود وإيجاد عدد كاف من الجنود بها، بحيث تصبح مهاجمة الحدود المصرية من الأمور الصعبة التى تكبد المعتدى ثمناً باهظاً، أما الوسيلة الثانية فإنها تتمثل فى استمالة أكبر عدد من القبائل على حدود الحبشة وتشجيعها على اللجوء إلى الممتلكات المصرية، والتمتع بالحماية، مع منحها الامتيازات التى تُرّغبها فى البقاء تحت طاعة الحكومة المصرية". وتضيف: "رغم الأخذ بهاتين الطريقتين، فقد أخفقت مصر فى تحقيق ما تصبو إليه، لأن تحصين الحدود المصرية- الحبشية كان يستلزم استخدام عدد كبير من الضباط والجنود" وتتابع هايدى: "استمر الوضع هكذا إلى أن أبدى ملك الحبشة الملك ثيودورس Theodorus رغبة فى إقامة سفارتين ببلاده إحداهما إنجليزية، والأخرى فرنسية، وقتها رفضت الدولتان تلبية رغبته مما أثار غضبه، وقام بالقبض على الرعايا الأوربيين المقيمين فى الحبشة وأودعهم السجن، وكان من بينهم القنصل الإنجليزى كاميرونD.Cameron، ونتيجة لذلك لجأت إنجلترا إلى والى مصر الخديو إسماعيل لاستخدام نفوذه فى التوسط لإقناع الملك الحبشى بالعدول عن موقفه، فأرسل الخديو كتاباً بتاريخ أكتوبر 1867م (المحفوظات التاريخية بالقصر الجمهورى دفتر عابدين 24 من الجناب العالى إلى إمبراطور الحبشة، وثيقة رقم 464 فى 2 جماد آخر سنة 1284 هجرياً، أكتوبر 1867 م)، ينصحه فيه بإطلاق سراح الرعايا الأوربيين حقنا للدماء، ويحذره فى نهايته مما قام به، ويهدده بأنه إذا لم يطلق سراح المعتقلين بالحسنى فستسلط عليه الحكومة الإنجليزية جنوداً لا طاقة له بهم، وفق الخطاب، وسيمر هؤلاء الجنود من الأراضى المصرية، وأنه (أى إسماعيل) لن يستطيع الوقوف فى طريقها".
وتزيد: "رغم أن الخديو لم يكن يريد التورط فى مساعدة الحملة الإنجليزية، إلا أنه كان مضطرا إلى ذلك لعدة عوامل تتلخص فى الاستجابة لأمر الباب العالى (المحفوظات التاريخية بالقصر الجمهورى دفتر 24 عابدين من الجناب العالى إلى الباب العالى، وثيقة رقم 444 فى 2 جماد آخر سنة 1284 هجرياً) وإرضاء للحكومة الإنجليزية، إضافة إلى العمل على هزيمة الحبشة انتقاماً منها لكثرة إغاراتها على حدود مصر الجنوبية حتى إن موسى حمدى باشا، حكمدار السودان آنذاك، اقترح على الخديو إسماعيل إخلاء القرى الواقعة على الحدود المصرية - الحبشية حتى تبقى الحدود بعيدة عن بعضها مسافة تقرب من السبعة أيام للوصول إليها، وتصبح هذه المنطقة مجردة من العمران وخالية من المؤن (المحفوظات التاريخية بالقصر الجمهورى محفظة 59، معية تركى، من موسى حمدى حكمدار السودان إلى صاحب السعادة المهردار، وثيقة رقم 355 فى 28 رجب سنة 1279 هجري، يناير سنة 1863م)، وعندما أيقنت الحكومة الإنجليزية أن تلك الأزمة لن تحل إلا باستخدام القوة، ويئست من الوصول إلى حل ودى، كلفت حكومة الهند بتجهيز جيش كبير تحت قيادة الجنرال روبرت نابيير Robert napier فى نوفمبر 1867م، كان قوامه 14 ألفاً 683 جنديا، يتبعه 28 ألفاً 160 من الخدمة، بالإضافة إلى 36 ألفاً 930 من حيوانات النقل والخيل، و44 فيلاً، ونزلت تلك الحملة بميناء زولا، على ساحل البحر الأحمر". وتقول هايدى: "وقتها أصدر الخديو إسماعيل أمره إلى عبد القادر باشا، محافظ مصوع، بإمداد الجيش الإنجليزى بكل ما يحتاج إليه وعلى الرغم من انتهاء الحملة لصالح إنجلترا، إلا أنها أضرت بمصالح مصر ضررا بالغاً، حيث حركت عوامل العداوة والبغضاء التى يكنها ملك الحبشة الجديد يوحنا تجاه مصر، فى حين لم تعترف إنجلترا بما أسدته مصر لها، ولهذه الاعتبارات أرسلت بعثة السير صامويل بيكر إلى أعالى النيل أوائل عام 1869م، وتمت حركة التوسع فى شرق أفريقيا وعلى طول ساحلى البحر الأحمر وأفريقيا الشرقى، وأسندت لغوردون باشا حكمدارية مديرية خط الاستواء ثم حكمدارية عموم السودان". ورغم «الضجة الكبيرة» التى أثارتها بعثة بيكر– وفق هايدى- فإنها لم تنجح فى مهمتها سوى فى إقامة بعض «النقاط العسكرية» على طول الطريق الذى سلكته نحو الجنوب، منها محطة «التوفيقية» عند ملتقى نهر السوباط بالنيل الأبيض، ومحطة «غوندكورو»، ومحطة «الإبراهيمية»، ومحطة «فويرا»، ومحطة «ماسنجى»، إلا أن هذه الحملة زادت من التوتر بين مصر والحبشة. وتقول هايدى: "الوثائق تؤكد أن مصر استغلت فرصة انشغال الملك يوحنا فى قتال بعض قبائل القالا، وحشدت قوة حربية قوامها 1500 رجل سنة 1874م تحت قيادة منسنجر لاسترداد إقليم سنهت أو بوغوص، الذى كان تابعاً لها من قبل، تنفيذاً لمشروع ربط ميناء مصوع بخط حديدى مع كسلا على النيل، وقام منسنجر ببناء قلعة حصينة فى بلدة قرن عاصمة الإقليم، وفى نفس الوقت اشترى مقاطعة آيلت التى تقع بين منطقة الحماسين ومصوع من حاكمها، مما أثار الملك يوحنا الذى هاجم الحدود المصرية مرات متكررة". وفق الوثائق، رأت مصر فى ذلك الوقت الدخول فى مفاوضات مع «يوحنا» لفض نزاعها معه بـ«الطرق الودية»، فأرسلت الأميرالاى يوسف مسرور «لهذا الغرض» إلا أن الضابط «كركمان» المستشار الخاص للملك «يوحنا» عمل على «إحباط» توصل الطرفين إلى اتفاق بالطرق السلمية. وعلى الرغم من ميول الملك يوحنا إلى الصلح مع مصر أثناء غياب «كركمان» فى رحلته إلى أوروبا، إلا أنه قطع محادثاته «فجأة» بسبب الأنباء التى وردت إليه من «كركمان» حول تأييد الدول الأوروبية للحبشة فى نزاعها ضد مصر، ما أدى إلى فشل المفاوضات وبدأ الملك فى شن «الغارات المتعاقبة» على حدود مصر لنهب القرى وقتل الرجال وسبى النساء والأطفال. وتواصل هايدى تفنيدها للوثائق قائلة: "لم تجد الحكومة المصرية بداً من اللجوء للقوة لصد غارات الأحباش، وأصر الخديو إسماعيل على تسيير حملة حربية قوامها 4 آلاف جندى إلى الحبشة، فى حين كان الجيش الحبشى قوامه 14 ألفا و683 جنديا، وذلك بإيعاز من منسنجر الذى ذكر المؤرخ فون تورنيزن Von Thurneysse، أنه كان متزوجاً من سيدة حبشية من إقليم بوغوص، وكان لوالديها دخل كبير فى السياسة التى اتبعها منسنجر عقب ضم تلك البلاد إلى الممتلكات المصرية» (المحفوظات التاريخية بالقصر الجمهورى دفتر 2225 عابدين مذكرة خاصة من الجناب الخديو إلى الصدر الأعظم رشدى باشا، وثيقة رقم 420 فى 12 محرم سنة 1290 هجرية 12 مارس سنة 1873 م).
وتضيف: "تعددت المعارك بين الطرفين، ومنها أرندروب Arendrupp، ثم معركة جندت، وكان الفشل من نصيب المصريين وأصبح مركز الخديو إسماعيل حرجاً، وكان لزاماً عليه إعداد حملة جديدة لمحو عار الهزيمة، فكانت حملة أوسا التى تعتبر الطرف الثانى للكماشة، التى كان طرفها الأول حملة أرندروب، حيث تم إعداد الحملتين فى وقت واحد على أن تهاجم حملة أرندروب الحبشة من الشمال، متخذة من مصوع نقطة ارتكاز لها، أما الأخرى فتزحف عليها من الجنوب عن طريق ميناء تاجورة على خليج عدن" الوثائق تؤكد أن الهدف الرئيسى من هذه الحملة كان عقد اتفاق بشأن الحدود والمياه مع الملك منليك الثانى، ملك شوا آنذاك، استجابة للرغبة التى أبداها من قبل (جريدة الوقائع المصرية، العدد رقم 637 فى 18 ذى القعدة سنة 1292– 26 ديسمبر سنة 1875م)، لكن باءت هذه الحملة هى الأخرى بالفشل، لجهل القائمين على تدبير شؤونها بطبيعة تلك البلاد، وعدم الاعتماد على الخرائط التفصيلية التى كان يجب أن تتوافر لديهم قبل قيامهم بالحملة». هنا تقول هايدى فاروق: "الحكومة المصرية تداركت هذا الخطأ فقامت برسم خارطة تفصيلية لأهم الطرق المؤدية إلى هذا الإقليم وطولها وما بها من آبار، وهذه الخريطة تعد اليوم أهم مستند يوثق حقيقة الحدود الحبشية قبل المنحة المصرية للأحباش التى سنعرضها لاحقاً (المحفوظات التاريخية بالقصر الجمهورى، دفتر 11معية صادر وثيقة رقم 23 ص62 فى 20 ذى الحجة سنة 1292هجرية، يناير سنة 1876م)، وبعدها قامت حملة راتب باشا، ومعركة قرع التى منى فيها الأحباش بالهزيمة، وإن كانت الحملة قد فشلت فيما بعد". الوثائق– التى حصلت «المصرى اليوم» على نسخة منها تقول: "فى 7 سبتمبر سنة 1877م وقعت الحكومتان الإنجليزية والمصرية اتفاقاً بشأن الحدود المصرية، حيث اعترفت الأولى بسيادة مصر على الساحل الصومالى حتى رأس حافون، كما اشترطت تلك المعاهدة عدم جواز منح الخديو إسماعيل أو من يخلفه من أبنائه أى أرض مملوكة لمصر للغير، ونتيجة ازدياد نفوذ إنجلترا فى ممتلكات مصر المجاورة للحبشة، ما أدى إلى عدم تسوية مشكلة الحدود بين البلدين، وظلت هذه المسألة مثار مفاوضات طويلة إلى أن احتلت إنجلترا مصر فأمكنها بذلك أن تسوى نزاع الحدود على حساب مصر ولصالح الحبشة". الوثائق تشير إلى أن ملك الحبشة يوحنا بدأ يميل إلى حل النزاع بينه وبين مصر عن طريق المفاوضات، وذلك بعد الخسائر الفادحة التى منيت بها قواته فى محاولتها الثانية لاقتحام قلعة قرع، ولم يكن الخديو إسماعيل أقل رغبة منه فى ذلك، خاصة أن حالة مصر المالية لم تكن لتمكنه بأى حال من الأحوال من الدخول فى مغامرة أخرى مع الحبشة، أو مجرد الأحتفاظ بعدد كبير من قواته داخل حدود الحبشة، فاستغل الخديو فرصة الطلب الذى تقدم به يوحنا للدخول فى مفاوضات، ورحب بذلك لتبدأ المفاوضات برسالة من ملك الحبشة إلى السردار راتب باشا، يطلب فيها حل ما بينهما من خلاف عن طريق التفاوض، ووافق السردار على وجهة نظر الملك وطلب منه أن يرسل مندوباً لوضع شروط الصلح (المحفوظات التاريخية بالقصر الجمهورى، دفتر عابدين وارد تلغرافات شفرة عربى، وثيقة رقم 458 ص94 فى 15 صفر 1293 هجرية). وتوضح الوثائق أن مصر طالبت فى ذلك الوقت الملك يوحنا بأن تتسلم جرحاها حتى تتمكن من معالجتهم بمستشفياتها، وأبدت استعدادها لعلاج الأحباش أيضا، وهو ما أصاب يوحنا بالغرور، فبدأ يضع قيوداً وشروطاً لقبول الصلح، ورفض بدء المفاوضات ما لم تنسحب القوات المصرية من أراضيه، ولم يكن فى وسع مصر آنذاك أن تنسحب من الأراضى الحبشية قبل أن تصل إلى اتفاق بشأن المنطقة المتنازع عليها، كى تضع حدا لمناوشات الحبشة فى المستقبل (المحفوظات التاريخية بالقصر الجمهورى، دفتر 37 عابدين وارد تلغرافات من السردار راتب باشا إلى ناظر الجهادية، شفرة عربى ص 9 فى 17 صفر سنة 1293هجرية)، وكان سردار الجيش المصرى أخطر بأن المكان الذى يعسكر فيه الجنود المصريون هو «قورع»، وهو المكان الذى أصبح مجمعاً للسيول ولا يناسب إقامتهم، فاختار موقع فياخور البعيد عن مكان السيول، وهو ما اعتبره الملك يوحنا نزوحا للقوات المصرية عن مواقعها الأمامية وسحباً لبعضها من الأراضى الحبشية، وكان ذلك بمثابة رضوخ جزئى لمطالب يوحنا، وكلما سلمت مصر ببعض المطالب للجانب الحبشى قل اهتمام الأخير بعقد الصلح.
ظل الوضع على هذا الحد إلى أن انتهز الخديو إسماعيل فرصة نشوب الثورة فى صربيا ضد الدولة العثمانية، وطلب الباب العالى معونة مصر الحربية، ليستدعى قواته من الأراضى الحبشية فيما عدا أربعة آلاف جندى مصرى ظلوا باستحكاماتهم فى «قياخور» إلى أن تسلم جميع الأسرى المصريين، وفى شهر أغسطس سنة 1876م تم الانسحاب المصرى والعودة إلى مصوع، ولكن الجنود المصريين حينما عادوا عقب ذلك إلى مصر فرضت عليهم رقابة شديدة حتى لا يبوحوا بشىء من أخبار تلك الحملة إلى أصدقائهم أو ذوى أقربائهم. وبعد أن تم جلاء القوات المصرية عن الأراضى الحبشية بعث يوحنا بخطاب شخصى إلى الملكة فيكتوريا يعرب فيه عن شكره وتقديره على ما أبدته نحوه من تعاطف ضد الجانب المصرى، ثم تطرق فى خطابه إلى الحديث عن الأعمال العدوانية التى قام بها الخديو إسماعيل ضد بلاده، وأنه يأمل من جلالة الملكة أن تعمل على فصل ممتلكات كل من مصر والحبشة عن الأخرى. هنا تقول «هايدى»: "بعد عزل الخديو إسماعيل وتولى الخديو توفيق الذى عرف عنه ضعف فترة حكمه ما أثر بالسلب على مصر داخليا وامتد الى ممتلكات الدولة فى الخارج، بدأ الأحباش يتحرشون بالمصريين المقيمين عند خط الحدود مع الحبشة، وبدأ ملك الحبشة يرسل قوات عسكرية إلى الحدود ويطالب العربان والأهالى التابعين للحكومة المصرية بالضرائب ويعاقب من لا يقوم بأدائها إليه، إلا ان الخديو توفيق رفض مقابلة القوة بالقوة وحرص على فض النزاع بالطرق السلمية الودية، حيث أوفد الجنرال غوردون باشا حاكم عام السودان، ليعمل على وقف الاعتداءات ويعقد صلحا نهائيا مع الملك يوحنا، لكن الأخير أصر على ضم ميناء مصوع وإقليم باغوص إلى الحبشة، إلا أن الحكومتين الإنجليزية والفرنسية نصحتاه بالاعتدال وعدم التمسك بميناء مصوع المصرى، فى مقابل تأييد موقفه حول ضم إقليم باغوص". وتضيف: "رغم ذلك طالب يوحنا أثناء المفاوضات مع غوردون، بأن تتنازل مصر عن منطقتى القلابات والقاش، وأن تدفع تعويضاً مالياً لا يقل عن مليون جنيه ثمناً لميناء مصوع، وقام بشن هجمات متكررة على حدود مصر للضغط عليها وإرغامها على التسليم، إلا أن الجانب المصرى رفض الرضوخ لتهديدات يوحنا، وساعدها على ذلك عدم استقرار حالة الجيش الحبشى، وعدم قدرته على اختراق الحدود المصرية والاستيلاء عليها".
وتتابع هايدى: "نتيجة مغالاة يوحنا فشلت المفاوضات، حيث اقترح غوردون على الحكومة المصرية كحل جزئى لهذا النزاع، ولتخفيف الضغط الواقع على حدود مصر، أن تقوم بمنح إيطاليا قطعة أرض بالقرب من مصوع، كى تواجه الحبشة عدواً جديداً تجد فيه ما يشغلها عن مناوءة مصر» (المحفوظات التاريخية بالقصر الجمهورى دفتر 55 عابدين، وارد تلغرافات، تلغراف عربى الشفرة رقم 930 من غوردون إلى خيرى باشا فى 14 ديسمبر سنة 1879م). وانتهت حكمدارية «غوردون» باشا دون التوصل إلى اتفاق مع الحبشة، وحرصت مصر على أن تزود «رؤوف» باشا الذى خلف غوردون على حكمدارية السودان فى مارس 1880 بتعليمات صريحة بما يجب أن تكون عليه العلاقة مع الحبشة، ولكن كانت الظروف المحيطة بالحكمدار الجديد سيئة للغاية، فالأحوال فى السودان كانت تنذر بشر مستطير، وكان الاحتلال الإنجليزى لمصر فى عام 1882م، فلم تبد السلطات المحتلة أى اهتمامات بالشأن المصرى– الحبشى، حتى جاء الإخلاء المصرى «المؤقت» للسودان وهو موضوع حلقتنا الثانية
ملك «الحبشة» تعهد بعدم إقامة أى مشاريع تؤثر على «سريان النيل» دون موافقة مصر انتهت الحلقة الماضية عند سوء أحوال الوضع فى السودان، ودخول الاحتلال الإنجليزى مصر عام ١٨٨٢، مما أدى لفتور الاهتمام البريطانى بالملف المصرى- الحبشى، حتى جاء الإخلاء المصرى «المؤقت» للسودان، عقب الثورة المهدية فى ٨ يناير سنة ١٨٨٤، ودخلت قوات «المهدى» حاميات «كسلا» و«أميدبت» و«سنهيت»، وقطعت عنها الاتصال بالخرطوم. ووجدت الحكومة الإنجليزية وقتها أفضل السبل لإنقاذ القوات المصرية فى شرق السودان، وهو الاتفاق مع «يوحنا» إمبراطور الحبشة على تقديم العون العسكرى لانسحاب تلك القوات عن طريق الحبشة، مقابل الاعتراف له بكل المطالب الإقليمية التى كانت مثار نزاع بينه وبين خديو مصر، أى أن بريطانيا «ضغطت» على مصر لقبول التنازل عن بعض ممتلكاتها للحبشة نظير مساعدتها للقوات المصرية، التى كانت مرابضة شرق السودان، ومثلما نجحت بريطانيا فى إرغام مصر على قبول الجلاء عن السودان، تمكنت أيضا من اقتطاع أجزاء من ممتلكات مصر فى السودان الشرقى ومنحها للحبشة. المستشارة هايدى فاروق، الباحثة فى الأرشيفين الأمريكى والبريطانى، قالت: «الوثائق توضح أنه فى ٣ يونيو سنة ١٨٨٤ تمكنت الأطراف الثلاثة مصر وإنجلترا والحبشة (إثيوبيا) من عقد معاهدة عدوة، التى وقعها عن الجانب الإنجليزى الأدميرال ويليام هيوت قائد الجيش الإنجليزى فى الشرق الأوسط والهند، وعن الجانب المصرى مازون باشا محافظ مصوع، وعن الجانب الإثيوبى الملك يوحنا نفسه، وهى المعاهدة التى نصت فى مادتها الأولى على السماح للحبشة، بعد توقيع الاتفاق، بمباشرة أعمالها التجارية عن طريق ميناء مصوع عبر الأراضى المصرية، بما فى ذلك الاتجار بالأسلحة والذخائر». وأضافت «هايدى»: «ونصت المادة الثانية على أنه بدءًا من الأول من سبتمبر عام ١٨٨٤ ترد مصر إلى الحبشة بلاد بوغوص، وعند جلاء القوات المصرية عن كسلا وإميديب وسنهيت تؤول ملكيتها بما فيها من منشآت ومبان مصرية، وبما تشتمل عليه من مهمات وذخائر إلى ملك الحبشة، فيما تعهد ملك الحبشة فى المادة الثالثة بتقديم جميع التسهيلات الممكنة للقوات المصرية فى انسحابها من كسلا وإميديب وسنهيت عبر الحدود الحبشية لتعود إلى مصوع المصرية، فى حين نصت المادة الرابعة على أن يتعهد خديو مصر بأن يمنح ملك الحبشة جميع التسهيلات اللازمة فيما يختص بتعيين رجال الدين القساوسة فى الحبشة. وتنص المادة الخامسة من الاتفاقية على أن يتعهد الطرفان، المصرى والحبشى، بتبادل تسليم المجرمين الفارين من العدالة، فى حين أوصت المادة السادسة بأنه فى حال حدوث خلاف بين خديو مصر وملك الحبشة بعد التصديق على هذه المعاهدة، يقبل الطرفان بتحكيم ملكة إنجلترا». وتابعت «هايدى»: «بنهاية القرن التاسع عشر بدأت إنجلترا تنظر بعين الارتياب لمحاولة بعض الدول الأوروبية التسلل إلى شرق أفريقيا والتقدم صوب أعالى النيل، على حساب الممتلكات المصرية السابقة فى السودان، وما جاوره، ولتهديد أمن مصر المائى، خاصة أن إنجلترا كانت تعتبر إخلاء مصر للسودان عملاً مؤقتاً لتستطيع الأولى تكوين جيش قوى لاستعادة السودان من جديد، وفى نفس الوقت فإن التمسك بهذا المنظور يفيد إنجلترا فى وضع يدها على السودان باسم مصر». وأضافت: «فى المقابل كانت منطقة أعالى النيل على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة لمشروعات إنجلترا التوسعية فى أفريقيا التى كانت تحلم بخلق إمبراطورية تمتد من سواحل البحر المتوسط شمالاً وصولاً إلى مدينة الكاب جنوباً، لتشطر القارة الأفريقية إلى شطرين، إلا أن هذه الأحلام اصطدمت بالمعارضة الفرنسية للاحتلال البريطانى لمصر، وكانت إنجلترا تخشى أن تؤدى معارضة فرنسا إلى مهاجمتها لمنطقة أعالى النيل وتهديد مصر، ولهذا حرصت إنجلترا على الإسراع بمنع الوصول الفرنسى إلى تلك المنطقة، وفى نفس الوقت كان لزاماً على إنجلترا أن تحول بين إيطاليا والحبشة وألمانيا وبين الوصول إلى أعالى النيل بعد وضوح رغبة هذه الدول فى السيطرة عليه للتحكم فى مخصصات مصر المائية». ووفق الوثائق حاولت إنجلترا استرضاء إيطاليا التى عارضت هى الأخرى الاحتلال البريطانى لمصر دون أن يكون لها نصيب فى تلك «الغنيمة»، وعندما أبدت إيطاليا اهتماما كبيرا بميناء عصب بعد أن اشترته من الشركة الإيطالية عام ١٨٨٢، وأرادت أن تتخذ منه منفذا لها على مياه البحر الأحمر، وجدت إنجلترا أنه من الحكمة تشجيع إيطاليا على فتح مجال لتوسعاتها فى المنطقة، فوقعت اتفاقاً معها عام ١٨٨٥ أعطت بموجبه الأخيرة ميناء مصوع المصرى، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل إنه باحتلال إيطاليا للميناء المصرى، أوقفت مرور السلاح إلى «يوحنا» ملك الحبشة، وسمحت بإرساله لعدوه «منليك» ملك شوا. وتابعت الباحثة: «بهذا الإجراء خيبت إنجلترا آمال إثيوبيا ونقضت معاهدة عدوة، فاحتلت إيطاليا عدوة، ورآها ملك الحبشة فرصة مناسبة حيث نازل القوات الإيطالية فى موقعة عدوة فى الأول من مايو ١٨٩٦، وأرغمها على توقيع معاهدة أديس أبابا مع الملك منليك فى ٢٦ أكتوبر من نفس العام، التى اعترفت فيها إيطاليا باستقلال الحبشة وتحديد الحدود بينها وبين إريتريا». وأضافت: «فى المقابل نجحت فرنسا فى تشجيع الحبشة على إرسال ٤ حملات إلى أعالى النيل لاحتلاله، ورغم أنها لم تحرز نجاحا، إلا أنها أظهرت أطماع الحبشة فى الضفة اليمنى من نهر النيل، فوجدت إنجلترا نفسها مضطرة لأن تبذل نشاطاً مضاداً لنشاط فرنسا فى أديس أبابا، خاصة أن العلاقات بينها وبين الحبشة لم تكن مرضية، نظراً لمساعدة إنجلترا إيطاليا فى حربها ضد الحبشة سنة ١٨٩٦». وقالت «هايدى»: «فى هذه الأثناء بدأت القوات المصرية تتقدم تحت قيادة كتشنر صوب السودان لاستعادته، وفى يوليو سنة ١٨٩٨ وصل القائد الفرنسى مارشان إلى قرية فاشودة ورفع العلم الفرنسى فوق القرية، فتقدمت القوات المصرية صوب الجنوب، ووصلت فاشودة فى ١٩ سبتمبر سنة ١٨٩٨، ووجه كتشنر إنذاراً إلى «مارشان» بإخلاء القرية ورفع العلم المصرى فوقها ثانية، واضطرت فرنسا للرضوخ، وتم عقد اتفاقية ٣١ مارس ١٨٩٩ بين فرنسا وإنجلترا، التى أسدل بها الستار على مطامع فرنسا فى نهر النيل وواديه». ورغم هذه الأحداث، ظلت مشكلة الحدود بين ممتلكات مصر والحبشة التى عجزت مصر عن حلها فى عهد الخديو إسماعيل قائمة دون حل، ورأت إنجلترا فى ذلك فرصة عام ١٩٠٢ نتيجة خطأ وقعت فيه فرنسا، واستغلته إنجلترا لصالحها، بعد أن منح إمبراطور الحبشة أحد السويسريين عام ١٨٩٤ حق امتياز مد خط سكة حديد الحبشة، وتكونت لهذا الغرض شركة فرنسية، أخذت على عاتقها تنفيذ هذا الخط، وعجزت الشركة الفرنسية عن القيام بالتزاماتها واحتاجت زيادة رأس المال، فوجدت الشركات الإنجليزية الفرصة سانحة للاشتراك فى زيادة رأس المال، لتحصل بذلك على فرصة لفرض نفوذها فى الحبشة بجوار النفوذ الفرنسى. وتدخلت الحكومة الفرنسية لدى الشركة المنفذة للخط ومنحتها إعانة سنوية تقدر بنصف مليون فرنك لمدة ٥٠ عاماً، لزيادة رأس المال واستطاعت أن تسيطر على الشركة دون استشارة ملك الحبشة، بصفته صاحب الحق الأول فى منح ذلك الامتياز. واستغلت إنجلترا هذا الخطأ، حسب الوثائق، عندما أكد مبعوثها السير «جون هارنجتون» لدى «منليك الثانى» ملك الحبشة أن هناك «سوء نوايا» من الجانب الفرنسى حيال بلاده، ولذلك منحت إنجلترا الملك «منليك الثانى» أرضا من «الممتلكات المصرية» مساحتها ٣٦٠٠ كم مربع، تقع على الجنوب الشرقى من السودان وتتصل بنهر السوباط (جزء من إريتريا، وآخر من الشمال إثيوبى)، فبسطت إثيوبيا حدودها لتشمل هذا النهر، وتم الاعتراف لها بسيادتها على أراضٍ احتلتها من مصر وتشمل المسافة الواقعة بين نهرى «بارو» و«الجب». وفى ١٥ مايو ١٩٠٢ تم توقيع معاهدة بشأن الحدود المصرية مع الحبشة (إثيوبيا) وهى الاتفاقية التى تم الحصول على صورتها الأصلية من الأرشيف البريطانى وتعهد فيها ملك الحبشة بعدم تشييد أو السماح بتشييد أى عمل على النيل الأزرق وبحيرة «تسانا» أو نهر «السوباط» من شأنه منع جريان المياه إلى النيل إلا بالاتفاق مع حكومة جلالة الملكة البريطانية وحكومة مصر بالسودان، وفق ترجمة نصوص المعاهدة. واتفق الطرفان خلال المعاهدة على أن خط الحدود بين السودان وإثيوبيا يسير من «أم حجر» إلى «القلابات»، فالنيل الأزرق فنهر «بارو» فنهر «بيبور» ثم نهر «أكوبو» حتى «مليلة»، ومنها إلى نقطة تقاطع خط عرض ٦ شمالا مع خط طول ٣٥ شرق جرينتش وتم رسم خط الحدود بالمداد الأحمر فى الخريطتين الملحقتين بالاتفاق. وفى المادة الثانية من الاتفاقية تعهد الإمبراطور منليك الثانى، قبل حكومة صاحبة الجلالة البريطانية، بعدم تشييد أو السماح بتشييد أى عمل على النيل الأزرق وبحيرة تسانا أو نهر السوباط يكون من شأنه منع جريان المياه إلى النيل إلا بالاتفاق مع حكومة جلالة الملكة البريطانية وحكومة مصر بالسودان. ووفق المادة الثالثة، يتعهد الإمبراطور «منليك»، ملك إثيوبيا، بأن يسمح لحكومة جلالة الملكة البريطانية فى السودان باختيار قطعة أرض بجوار «إيتانج» على نهر «بارو» لا يزيد طولها على ٢٠٠٠ متر ولا تزيد مساحتها على ٤٠ هكتاراً لاحتلالها وإدارتها كمحطة تجارية، طالما خضع السودان للحكم المصرى الإنجليزى، واتفق الطرفان المتعاقدان على أن الأرض المؤجرة لن تستخدم فى الأغراض السياسية أو الحربية. وبمقتضى المادة الرابعة، من الاتفاق منح الإمبراطور «منليك» حكومتى الملكة البريطانية والسودان حق إنشاء خط حديدى عبر الأراضى الحبشية لربط السودان بأوغندا. وفى البند الثانى ورد اتفاق الحدود المحدد للحق المصرى والسودانى فى مياه النيل، والذى أكد أن العدول عنه يقتضى من أطرافه العدول عن الأرض المصرية التى تتسيدها إثيوبيا، والتى تحددت لها فى عام ١٩٠٢ بموجب «المنحة المصرية»، وهى ذات الأرض ونفس الاتفاقية التى تمسكت بها إثيوبيا فى ترسيم الحدود بينها وبين إريتريا قبل أعوام، مما يعنى إقرارها قانونا باتفاق ١٩٠٢.
المصري اليوم» تنشر وثائق نادرةتؤكد حق مصر القانونى فى مياه النيل (الحلقة الثالثة) .. اتفاقية «١٩٠٢» وحروب «الحدود» المصرية – الحبشية كتب أشرف جمال ٥/ ٨/ ٢٠١٠ خريطة توضح حدود مصر حتى عام 1450 فى حقبة الحكم المملوكى رغبة جارفة فى خدمة هذا البلد، قادتنا لنشر هذا الملف الشائك والمتشعب، والذى نكشف فيه عن وثائق وخرائط وحقائق تاريخية غاية فى الأهمية والخطورة. ولأن ما لدى «المصرى اليوم» من وثائق، يكشف حق مصر التاريخى فى مياه النيل، فإننا نقدمه للمسؤولين والقراء جميعا، عله يكون عوناً لهم فى حرب الاتفاقات الجديدة التى تشنها دول المنبع، ضدنا والسودان الشقيق. الخرائط والوثائق- التى حصلنا عليها من هايدى فاروق عبدالحميد، الباحث بالأرشيفين البريطانى والأمريكى، عضو الجمعيتين «المصرية للقانون الدولى» و«الجغرافية المصرية»- تؤكد قانونية حق مصر الحالى فى مياه النيل، بل تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن مساعى دول المنبع لتعديل الاتفاقيات التاريخية الخاصة بحصة مصر من مياه النهر، لا تستند إلى شرعية قانونية ولا تصمد أمام دليل سياسى قاطع. هذا الملف تنشره «المصرى اليوم» فى خمس حلقات، تحت مسمى «منحة الأرض ومحنة المياه»، تكشف خلاله تفاصيل وحقائق تاريخية لم يتطرق إليها كثيرون من قبل، أبرزها الخلفيات التاريخية للنزاعات المائية بين مصر والحبشة (إثيوبيا) والكونغو، وما انتهت إليه من وثائق واتفاقات من شأنها إثبات الحق الحالى لمصر فى مياه النيل، أبرزها على الإطلاق اتفاقية ١٩٠٢ الخاصة بتقسيم المجرى المائى لنهر النيل تقسيماً «حدودياً» لا يقبل التعديل. اتفاقية ١٩٢٩ المنظمة لمياه النيل مجرد «خطابات متبادلة» والكونغو أقرت بحق مصر مقابل حصولها على منابع بحر الغزال المتعارف عليه بين الباحثين والمهتمين بملف المياه فى العالم وتحديداً قضية مياه النيل والاتفاقات المنظمة لتوزيع النهر على الدول المطلة عليه، أن إتفاقية عام ١٩٢٩ هى المنظم لتوزيع حصص المياه بين الدول، وهو ما رددته وسائل الإعلام فى الفترة الأخيرة، بعد أن تفاقمت المشكلة بمطالبة الدول المطلة على النهر بإعادة توزيع الحصص الخاصة بكل دولة والسعى لتقليل حصة مصر الحالية، والبالغة ٥٥.٥ مليار متر مكعب سنوياً. هايدى فاروق، الباحثة فى الأرشيفين الأمريكى والبريطانى، تقول: «فى الأيام الأخيرة أدلى رئيس وزراء إثيوبيا ميليس زيناوى بأحاديث لعدد من وسائل الإعلام المصرية أشار فيها بدهاء المُطلع والمُستطلع إلى نقطة مهمة، وهى أن اتفاق ١٩٢٩ لا يتعلق من بعيد أو من قريب بإثيوبيا، إلا أن الحقيقة «الموثقة» هى أن اتفاق ١٩٢٩ إن جاز اعتباره اتفاقاً لم يتناول سوى العلاقة التنظيمية بين دولتى المصب فى شأن المياه فقط وتناول أيضا الدول التى كانت تحت الإدارة البريطانية وليس من بينها بالفعل إثيوبيا، كما قال رئيس الوزراء». حول جذور اتفاق ١٩٢٩ تقول هايدى: «فى ٢٥ يناير عام ١٩٢٥ أرسل رئيس مجلس الوزراء المصرى خطاباً (معدة الموضوع لم تذكر اسم رئيس الوزراء وهو فى الغالب أحمد زيور باشا لأن هذه الفترة شهدت العديد من رؤساء الوزارات فى وقت محدود) إلى المندوب السامى البريطانى أعرب فيه عن قلقه مما جاء فى المذكرة البريطانية المؤرخة فى ٢٣ نوفمبر ١٩٢٤، والتى وجهت عقب مقتل السير لى ستاك بشأن تزايد مساحة الأطيان التى تروى الجزيرة بالسودان من ٣٠٠ ألف فدان إلى قدر غير محدود». وتضيف: «وقتها رد المندوب البريطانى السامى بخطاب مؤرخ فى ٢٦ يناير عام ١٩٢٥، جاء فيه أن الحكومة البريطانية مع اهتمامها بتقدم السودان لا تنوى الافتئات على حقوق مصر الطبيعية أو التاريخية فى مياه النيل، وهى الكلمة التى جعلت الخبراء المصريين، ونتيجة للتواتر المغلوط، يرددون أن اتفاق ١٩٢٩ ثبتت فيه حقوق مصر على النيل، وتجاهلوا أنها خطابات وليست اتفاقاً، وكانت تتناول قضية الرى بين دولتى المصب فقط، وأنها كانت تقصد أن تفسر تلك التعليمات بغير هذا المعنى». وتتابع هايدى: «تشكلت لجنة من رئيس كان إنجليزياً وعضوين أحدهما مصرى والآخر إنجليزى، وأتمت بحثها، ووضعت تقريرها فى ٢١ مارس ١٩٢٦، فيما أصدرت الحكومة المصرية فى سنة ١٩٤٨ كتابا بعنوان (Nile Waters Agreement) ضمنت فيه المراحل التى سبقت اتفاق مياه النيل بين السودان ومصر وتقارير لجنة مياه النيل، ثم أخذت وزارة الأشغال العمومية المصرية فى دراسة هذا التقرير، واستمرت المحادثات والمراسلات وانتهت بتبادل خطابين فى ٧ مايو ١٩٢٩، أطلق عليهما بطريق الخطأ اتفاق المياه». ووفقا للمستندات– التى حصلت «المصرى اليوم» على نسخة منها- كان نص خطاب رئيس مجلس الوزراء المصرى آنذاك على النحو التالى: «تأييدا لمحادثاتنا الأخيرة، أتشرف بأن أرسل لسيادتكم وجهة نظر الحكومة المصرية بشأن مسائل الرى التى كانت موضوع المناقشة بيننا، والحكومة المصرية توافق على أن البت فى هذه المسائل لا يمكن تأجيله، حتى يتيسر للحكومتين عقد اتفاق بشأن مركز السودان، غير أنها مع إقرار التسويات الحاضرة تحتفظ بحقها فيما يتعلق بالمفاوضات التى تسبق عقد مثل هذا الاتفاق، وبناء عليه تقبل الحكومة المصرية النتائج التى انتهت إليها لجنة مياه النيل فى سنة ١٩٢٥ المرفق تقريرها بهذه المذكرة، والذى يعتبر جزءاً لا يتجزأ من هذا الاتفاق». وذكر الخطاب أيضا أنه من المفهوم أن الترتيبات التالية، يجب مراعاتها بشأن أعمال الرى على النيل وهى، أولا: أن يكون لمفتش عام الرى المصرى فى السودان وموظفيه أو أى موظفين يعينهم وزير الأشغال العامة، الحرية فى التعاون مع المهندس المقيم فى «خزان سنار»، بخصوص إجراء المقاييس لتضمن الحكومة المصرية أن توزيع المياه وتنظيم الخزان، تم وفقا للاتفاق المعقود. ثانياً: ألا تقام أو تجرى أى أعمال للرى على النيل أو فروعه، أو على البحيرات التى تغذيه، سواء الموجودة فى السودان أو فى الأقاليم الخاضعة للإدارة البريطانية، والتى قد تضر بأى شكل بمصالح مصر، سواء بتقليل كمية المياه التى تصل إليها، أو بتعديل تاريخ وصولها أو تعديل منسوب المياه، إلا بالاتفاق مع الحكومة المصرية. ثالثا: تقدم للحكومة المصرية التسهيلات اللازمة، لتنفيذ الإجراءات الضرورية للقيام بدراسة كاملة للقوى على نهر النيل فى السودان. رابعا: فى حالة ما إذا قررت الحكومة المصرية بناء أى أعمال على النهر أو على فروعه فى السودان، أو اتخاذ أى إجراءات بقصد زيادة موارد المياه لمصلحة مصر، فإنه يتفق مع السلطات المحلية على اتخاذ الإجراءات التى تتخذ للمحافظة على المصالح المحلية». أما خطاب اللورد «لويد»، فكان نصه الآتى: «تشرفت باستلام المذكرة التى بعثتم بها سيادتكم إلينا اليوم، ومع تأييدى للقواعد التى تم الاتفاق عليها كما هى واردة فى مذكرة سيادتكم، فإنى أعبر لسيادتكم عن سرور حكومة صاحبة جلالة الملك بأن المباحثات أدت إلى حل سيؤدى إلى زيادة تقدم مصر والسودان ورخائهما، وأن حكومة جلالة الملك بالمملكة المتحدة لتشاطر سعادتكم الرأى فى أن مرمى هذا الاتفاق وجوهره هو تنظيم الرى على أساس تقرير لجنة مياه النيل، وأنه لا تأثير له فى الحالة الراهنة فى السودان، وفى الختام أذكر لسعادتكم أن حكومة جلالة الملك سبق لها الاعتراف بحق مصر الطبيعى والتاريخى فى مياه النيل، وأكرر أن حكومة جلالة الملك تعتبر المحافظة على هذه الحقوق مبدأ أساسيا من مبادئ السياسة البريطانية، كما تؤكد لسعادتكم بطريقة قاطعة أن هذا المبدأ أو تفصيلات هذا الاتفاق ستنفذ فى كل وقت أياً كانت الظروف التى قد تطرأ فيما بعد. وتعود «هايدى» بالذاكرة إلى الوراء قائلة: فى ٢٩ أبريل عام ١٨٨٧، تم توقيع اتفاق بين فرنسا وبلجيكا أصبح بمقتضاه خط الحدود (خط التباين بين منطقتى نفوذهما)، هو مجرى نهر «الأوبانجى»، ابتداء من مُلتقى الكونغو، وحتى نقطة التقاطع مع خط الموازاة الشمالى لدرجة ٤°، وعقب هذا الخط تعهدت الكونغو بألا تحاول بسط أى نفوذ سياسى لها على الضفة اليمنى «للأوبانجى»، وتعهدت حكومة فرنسا من جهتها بألا تتعرض للضفة اليسرى لهذا النهر تحت خط الموازاة المذكور. وكان هذ االخط – وفق «هايدى» - عند درجة ٤° هو أقصى خط مُوازاة أقره مؤتمر برلين عام ١٨٨٥ ليكون حد الكونغو الشمالى. ويقول الفرنسيون إن منابع ومجرى «الأوبانجى» لم تكن مكتشفة فى هذا التوقيت حتى يمكن تنفيذ الاتفاق وتعيين الحدود بدقة، وأن المكتشفين البلجيكيين فى عام ١٨٨٨ تمكنوا من إقامة الدليل على أن «الأوبانجى» بالقرب من خط الموازاة الشمالى لدرجة ٤° كان يتألف من اجتماع نهرين إحدهما «إمبومو» والآخر نهر «الأوله»، وكان وكلاء دولة الكونغو يدّعون أن مجرى النهر الرئيسى هو «إمبومو»، فى حين كان الفرنسيون يقولون إنه نهر «الأوله». وتقول الباحثة فى الأرشيفين البريطانى والأمريكى: «كانت أطماع بلجيكا ظاهرة فى هذا التوقيت، حيث امتدت طموحاتهم إلى أعالى نهر النيل فى مديرية خط الاستواء، ومديرية بحر الغزال وتجاوز الحدود التى رسمها لهم مؤتمر برلين عام ١٨٨٥ والمعاهدة الفرنسية- الكونغولية فى عام ١٨٨٧، حيث وصلت تجريدة «فان فركهوفن» فى أوائل عام ١٨٩٣ إلى النيل واحتلت دوفيلة». وتضيف «هايدى»: «فى نفس الوقت تقدمت تجريدات بلجيكية كثيرة إلى الشمال فاحتلت زونجو وبانزيفيل وبانجاسو وياكوما عام ١٨٩١، ورافاى عام ١٨٩٢، وليفى الواقعة بالقرب من ديم الزُبير عام١٨٩٣ فى بحر الغزال، وبلغت حدود دارفور فى عام ١٨٩٤، إضافة إلى حفرة النحاس، وبعد أن كانت حدودها المرسومة عند درجة ٤° من خط العرض الشمالى، أصبحت عند درجة ١٠°، أى على بعد أكثر من ٧٠٠ كيلو متر من شمال الأوله». وتتابع: «كان أكبر هَم لأنجلترا فى ذلك الوقت هو سد طريق التوسع فى وجه فرنسا، ومنعها من الوصول إلى أعالى النيل، وسرعان ما تم توقيع اتفاقية ١٢ مايو ١٨٩٤ بين إنجلترا والكونغو، وبمقتضاها تنازلت إنجلترا، لحكومة الكونغو لمدة معينة، عن القسم الأكبرمن منابع (بحر الغزال) وعن قطعة أرض صغيرة على ضفة النيل الغربية وسط الأراضى المصرية تُسمى (حاجز لادو) LADO ENCLAVE، وإن احتفظت بحقوق مصر فى حوض اعالى النيل، كما اعترفت إنجلترا للكونغو بمنطقة نفوذ فيها وفى مُلحق المُعاهدة نص الطرفان على أنه بمناسبة تأجير بعض الأراضى فى شرق أفريقيا فإنهما لا يجهلان ما لمصر من حقوق فى حوض النيل الأعلى». وتقول هايدى فاروق: «وفق الوثائق احتجت ألمانيا على هذه المعاهدة وأرغمت إنجلترا وبلجيكا على سحب الشرط الخاص بامتياز قطعة الأرض الملاصقة لتنجانيقا، ثم جرت مفاوضات بين فرنسا والكونغو انتهت بتعهد الأخيرة فى ١٤ أغسطس عام ١٨٩٤، بألا تحتل أرضاً فى شمال اللادو، وتقرر أيضاً أنه ابتداء من أندوروما (حيث ينبع نهر أمبومو) يكون للكونغو الحق فى بسط نفوذها حتى خط الموازاة لدرجة ٥.٤ °، وعلى النيل حتى اللادو». وتضيف: «لم يقم البلجيكيون بأى احتلال فعلى فى هذه المنطقة (اللادو)، ولكنهم بادروا إلى احتلالها حوالى عام ١٨٩٨، عقب حادثة فاشودة، فأذن الإنجليز لهم بالبقاء بشرط ألا يعتدوا على بحر الغزال، وكانت منطقة لادو تمتد فى هذا التوقيت إلى مسافة ١٥ ألف ميل مربع (٥٢ ألف كيلو متر مُربع تقريباً) وعدد سكانها ٢٥٠ ألف نسمة، وبذلك بلغت مساحة الكونغو بعد هذه المعاهدات التى اقتطعت جُزءاً غير قليل من الممتلكات المصرية نحو ٢ مليون و٢٠٠ ألف كيلو متر مربع». وبناء على اتفاق ٩ مايو ١٩٠٦ بين حكومة بريطانيا وملك الكونغو، كان لهذا الأخير الحق فى إدارة لادو مدى حياته، ولم تمض ستة أشهر على وفاته حتى أعيدت منطقة «اللادو» إلى مصر، وذلك فى ١٦ يونيو ١٩١٠. وهنا تشدد «هايدى» على أن هذا الاتفاق هو تحديداً ما يجب الارتكاز عليه، لأنه ينص على أن «لمصر حقاً فى مجرى النيل ثابتاً ثبوت الحدود»، بالإضافة إلى أن اتفاق ١٣ مايو عام ١٨٩٤، وهو اتفاق حدود، والذى تم تعديله بالاتفاق الموقع فى لندن فى ٩ مايو ١٩٠٦، هو الاتفاق الوحيد المنوط العمل فى إطاره فى مُجابهة أى خطوات قد تحذوها الكونغو تجاه التوقيع على «ورقة عنتيبى»، ومن ثم لا يجوز الاحتجاج بكونهما اتفاقات للمستعمر– حسب «هايدى» - فهما ليسا اتفاقى مياه، بل إنهما اتفاقا حدود. وتقول الباحثة فى الأرشيفين البريطانى والأمريكى: «وفق مبدأ احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار، وهو المبدأ الذى تأسست عليه منظمة الوحدة الأفريقية، ثُم الاتحاد الأفريقى، فإن عدم الأخذ باتفاق الحدود لعام ١٩٠٦ يقوض مبادئ المنظمة، ولأن الأخذ باتفاق عام ١٩٠٦ أصبح وجوبياً انطلاقاً من كونه اتفاقاً للحدود، فإن إلزامية بنوده أصبحت فرضاً لا يُمكن التنصل منه. ووفق نص المادة الثالثة فى الاتفاق– الذى حصلت «المصرى اليوم» على نسخة منه- فإنه «يُحرم» على الكونغو بناء أى سدود أو مُنشآت على نهرى «سمليكى» أو «ايسانجو»، أو فيما يجاورهما من شأنها التأثير على كمية المياه الداخلة فى بحيرة «ألبرت» ما لم يتم ذلك بالاتفاق مع الحكومة المصرية فيما نصت المادة الرابعة على منح امتياز لشركة «إنجليزية– بلجيكية» لمد واستغلال خط سكة حديد يبدأ من الكونغو حتى الجزء الصالح للملاحة من النيل بجوار «اللادو»، ونصت أيضاً على أنه عند انتهاء احتلال إقليم «اللادو» فإن السكة الحديد تخضع للحاكم المصرى العام فى السودان، أما اتجاه هذا الخط فإنه يعين باتفاق حكومتى مصر والكونغو، ولتأمين رأس المال اللازم لهذا الخط، فإن الحكومة المصرية التزمت بضمان مُعدل للفائدة، بواقع ٣% على مبلغ لا يتجاوز ٨٠٠ ألف جنيه. ونصت المادة السادسة بمعاملة السفن التجارية التى تحمل علم الكونغو أو بلجيكا فى الملاحة أو التجارة فى أعالى البحار نفس معاملة السفن المصرية بغير تمييز وتخضع لقوانين الحاكم المصرى العام فى السودان فيما حددت المادة الثامنة بأنه فى حالة حدوث أى خلاف حول الاتفاق (اتفاق ١٩٠٦) فإنه يُحال برمته ودون شرط تراضى أطرافه إلى محكمة لاهاى ويكون قرارها مُلزماً.
المصرى اليوم» تنشر وثائق نادرة تؤكد حق مصر القانونى فى مياه النيل(الحلقة الرابعة).. اتفاقية «١٩٠٢» وحروب «الحدود» المصرية – الحبشية كتب أشرف جمال ٨/ ٨/ ٢٠١٠ خريطة من أرشيف وزارة المعارف العمومية عام 1911 رغبة جارفة فى خدمة هذا البلد، قادتنا لنشر هذا الملف الشائك والمتشعب، والذى نكشف فيه عن وثائق وخرائط وحقائق تاريخية غاية فى الأهمية والخطورة. ولأن ما لدى «المصرى اليوم» من وثائق، يكشف حق مصر التاريخى فى مياه النيل، فإننا نقدمه للمسؤولين والقراء جميعا، عله يكون عوناً لهم فى حرب الاتفاقات الجديدة التى تشنها دول المنبع، ضدنا والسودان الشقيق. الخرائط والوثائق- التى حصلنا عليها من هايدى فاروق عبدالحميد، الباحث بالأرشيفين البريطانى والأمريكى، عضو الجمعيتين «المصرية للقانون الدولى» و«الجغرافية المصرية»- تؤكد قانونية حق مصر الحالى فى مياه النيل، بل تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن مساعى دول المنبع لتعديل الاتفاقيات التاريخية الخاصة بحصة مصر من مياه النهر، لا تستند إلى شرعية قانونية ولا تصمد أمام دليل سياسى قاطع. هذا الملف تنشره «المصرى اليوم» فى خمس حلقات، تحت مسمى «منحة الأرض ومحنة المياه»، تكشف خلاله تفاصيل وحقائق تاريخية لم يتطرق إليها كثيرون من قبل، أبرزها الخلفيات التاريخية للنزاعات المائية بين مصر والحبشة (إثيوبيا) والكونغو، وما انتهت إليه من وثائق واتفاقات من شأنها إثبات الحق الحالى لمصر فى مياه النيل، أبرزها على الإطلاق اتفاقية ١٩٠٢ الخاصة بتقسيم المجرى المائى لنهر النيل تقسيماً «حدودياً» لا يقبل التعديل. مصر تحصل على مياه النيل باتفاق قانونى غير قابل للتعديل انتهت الحلقة الماضية، بتوقيع اتفاق ٩ مايو ١٩٠٦، بين حكومة بريطانيا وملك الكونغو، والذى أعطى الأخير الحق فى إدارة منطقة «لادو» مدى حياته، إلا أن المنطقة عادت لمصر بعد ٦ أشهر، وهو الاتفاق الذى أكد أن «لمصر حق فى فى مجرى النيل ثابت ثبوت الحدود»، بالإضافة إلى أن اتفاق ١٣ مايو عام ١٨٩٤ وهو اتفاق «حدود» والذى تم تعديله بالاتفاق الموقع فى لندن فى ٩ مايو ١٩٠٦، هو الاتفاق الوحيد المنوط العمل فى إطاره فى مُجابهة أى خطوات قد تحذوها الكونغو تجاه التوقيع على «ورقة عنتيبى» ولا يجوز الاحتجاج بكونهما اتفاقات للمستعمر، لأنهما وفق ما كشفته «المصرى اليوم» فى الحلقات الماضية ليسا اتفاقى مياه، بل «حدود». فى الحلقة الرابعة من ملفات النيل تقول هايدى فاروق، الباحثة فى الأرشيفين البريطانى والأمريكى: «فى أول يناير عام ١٩١٤ اقتُطع من مصر القسم الجنوبى من السودان فى منطقة اللادو، والبالغة مساحته نحو ١٤ ألف كيلو متر مربع غرب بحر الجبل (النيل)، وانضم إلى أوغندا مُقابل إضافة مركزى غوندكورو ومنيوت إلى السودان، وبالإضافة إلى كون اتفاق المياه فى الأصل اتفاقاً للحدود، فإن حق مصر فى مجرى النيل حق ارتفاق دولى على مجراه، ووفق نص المادة الثالثة من اتفاق الحدود (إنجلترا- الكونغو ٩ مايو عام ١٩٠٦)، والذى ينص على أن (تتعهد حكومة الكونغو المستقلة بعدم القيام أو السماح بقيام مُنشآت أو أعمال على نهرى سمليكى أو أسانجو، أو فيما يجاورهما، من شأنها أن تُقلل كمية المياه التى تنساب إلى بحيرة ألبرت، إلا بالاتفاق مع حكومة مصر)، وهذا النص يُقرر حق ارتفاق سلبى على بعض فروع النيل، التى تمر بإقليم الكونغو، مؤداه عدم القيام بأى أعمال أو مُنشآت على نهرى سمليكى وأسانجو أو فى...إلخ». وحول تعريف حق الارتفاق تقول «هايدى»: «هو حق عينى، لا يجوز إلغاؤه أو تعديله بإرادة الدولة المرتفق بها المنفردة، وبإعمال قواعد حق الارتفاق الدولى على نهر النيل، نجد أن لمصر حق ارتفاق دولياً على مجراه دون المياه التى تنساب فيه، فالمياه منقول متحرك ومتجدد، لا يصح أن يكون موضع حق من حقوق الارتفاق لانعدام صفة الذاتية والثبات والاستقرار، التى هى من مستلزمات الأشياء القابلة لأن تكون محلاً لحقوق الارتفاق» . وتضيف: «نشأ هذا الحق بمضى المدة (طبقا للنظرية التقليدية بشأن هذا النوع من الحقوق)، وطبقا للنظرية الحديثة فإن مرور المياه مدة طويلة فى هذا المجرى يعد قرينة قاطعة على رضاء الدول المرتفقة بهذا الارتفاق، وبعبارة أخرى فإن ثمة اتفاقا ضمنيا على وجود الارتفاق بين مصر والدول المشتركة معها فى نهر النيل». توضح «هايدى»: «مصر لها حق ارتفاق على مجرى النيل، ويقضى هذا الحق بإلزام الدول المشتركة فى نهر النيل بإبقاء مجرى النهر صالحا لمرور المياه فيه، والتزامها بعدم المساس بالمجرى أو تحويله أو إقامة عوائق أو منشآت عليه». وتقول: «فى ذات الإطار لا تغنى نظرية حقوق الدول المشتركة فى نهر دولى عن حقوق الارتفاق الدولية، لأن الدول المشتركة فى نهر دولى لها أن تقيم منشآت لاستغلال مياه النهر، بشرط عدم المساس بالحقوق المكتسبة للدول الأخرى، وبعبارة أخرى يجب القول بأنه للدول أن تستغل المياه الزائدة التى تنصرف إلى البحر طالما أنها لا تمس فى ذلك حقوق الدول الاخرى المكتسبة، وبشرط عدم وجود اتفاق نهائى ملزم، ولكن فى حالتنا هذه لدينا هنا اتفاق ١٩٠٢ الحدودى مع إثيوبيا، واتفاق ١٩٠٦ مع الكونغو، وهو حدودى أيضا ويلزم بالحصول على موافقة دول المصب قبيل أى عمليات استغلال، بالإضافة إلى أن لمصر حق ارتفاق على مجرى النهر لا يجيز لأى دولة القيام بمنشآت لاستغلال المياه إلا بموافقة مصر، حتى ولو كان هذا الاستغلال ينصرف إلى مياه زائدة ولا يمس بحقوق مصر المكتسبة». وتضيف «هايدى»: «تم تسجيل حق الارتفاق المصرى فى معاهدتى ١٥ مايو ١٩٠٢ و٩ مايو ١٩٠٦، علاوة على أن مصر اكتسبت هذا الحق منذ زمن بعيد، والالتزامات الواردة فى هذه المعاهدات تعد أيضا فى رأى منازعى حق الارتفاق من فقهاء القانون الدولى قيودا اتفاقية مصدرها المعاهدات». الوثائق تشير إلى أنه فى عام ١٩١١ انعقدت الدورة العامة لمعهد القانون الدولى فى مدريد، وقررت أنه إذا كان مجرى النيل يفصل بين دولتين فلا يجوز لدولة بغير موافقة الدول الأخرى، ودون وجود سند قانونى خاص وصحيح، أن تقوم أو تترك للأفراد أو الشركات القيام بتغييرات خاصة تَضُر بضفة دولة أخرى، كما أنه لا يجوز لأى دولة أن تستغل أو تسمح باستغلال المياه فى إقليمها بطريقة تضر بالدول الأخرى». وأكدت أن قرارات اللجنة العامة نصت على أنه إذا كان مجرى النهر يخترق إقليم دولتين أو أكثر، فلا يجوز لدولة أن تغير النقطة سواء كانت طبيعية، أو ترجع إلى زمن بعيد عن النقطة التى كان يخترق فيها النهر حدودها، إلى إقليم دولة مجاورة الا بموافقة هذه الدولة، بالإضافة إلى أنه يحظر كل تغيير فى مياه النيل أو إلقاء مواد ضارة فيه كون مصدرها المصانع وغيرها. وأضافت أن اللجنة أشارت فى قراراتها إلى أنه لا يجوز سحب كميات من مياه النيل لاستغلالها فى توليد القوى الكهربائية، من شأنها التأثير على مجرى النهر عند وصوله إلى الأقاليم التى فى المصب. وذكرت اللجنة- وفق الوثائق- أنه لا يجوز لدولة المصب أن تقوم أو تسمح بإقامة منشآت على إقليمها تؤدى إلى إحداث فيضانات فى دول المنبع، وكذلك لا يجوز أن تقوم دولة بصرف أو حجز قدر من مياه النهر ينتج عنه هبوط المستوى الطبيعى لمجرى النهر فى الدول الأخرى. وتقول «هايدى»: «فى عام ١٩٥٥ افتتحت الملكة اليزابيث خزان جينجيا فى أوغندا مما أدى إلى توقف المياه فى المشروع لمدة ١٥ دقيقة، وانساب الماء بعد أن ضغطت الملكة على زر كهربائى، لكن ذلك أثر على منسوب الماء الوارد لمصر والسودان نتيجة هذا التوقف، وهو ما أكد خ طورة إقامة منشآت على مجرى نهر النيل». وأضافت: «فى عام ٢٠٠٩ وتحديداً شهر أغسطس، قالت وزيرة المياه والبيئة الأوغندية ماريا موتاجامبا، إن أوغندا مصممة على تعديل اتفاقية توزيع مياه نهر النيل التى تعطى مصر اليد العليا فى الاعتراض (الفيتو) على استخدامات مياه هذا النهر، وقالت الوزيرة إنها أخبرت دول المنابع الست أنه يجب الوصول إلى اتفاقية جديدة حول توزيع مياه نهر النيل خلال ستة أشهر، وطالبت بتعديل الاتفاق خاصة المادة ١٤ التى تعطى مصر والسودان هيمنة، على حد تعبيرها، على استخدامات النهر ومياهه، وكانت مصر أعلنت قبل عدة أسابيع فى اجتماع الإسكندرية رفضها التام لأى إخلال بحقوقها التاريخية فى مياه النيل». وتابعت «هايدى»: «قالت موتاجامبا إنه فى حالة الفشل فى التوصل إلى اتفاق جديد حول مياه النيل، فسوف يتم إضافة بند فى ملحق الاتفاقية الحالية خاص بالتصرفات الجديدة قبل التصديق عليه من جانب دول حوض النيل العشر، فيما ذكرت صحيفة كوست ويك الأسبوعية الإثيوبية، أن مصر بحلول ٢٠١٧ ستكون فى حاجة إلى ٤.٧١ مليار متر مكعب إضافية من المياه سنوياً، فى الوقت الذى لن تتعدى فيه مواردها ٢.٨٦ مليار متر مكعب، فيما وصلت الموارد المائية المتاحة لمصر عام ٢٠٠٦ إلى ٦٤ مليار متر مكعب وفر النيل منها ٥.٥٥ مليار متر مكعب أو ٧.٨٦% مليار». واستطردت: «تم توقيع إتفاق عنتيبى فى مايو ٢٠١٠، الذى رفضته مصر والسودان، فيما وقعت عليه خمس دول من بينها أوغندا، الدولة التى منحتها مصر جزءا من أرضها لتضمها إلى حدودها التى توسعت بما يعادل ستة أضعاف حقيقتها، نظير الحفاظ على حصة المياه المصرية». وقالت: ويبدو غريباً كيف منحت مصر أراضى مملوكة لها بالقرب من الحدود الأوغندية، وبالعودة إلى الوراء نجد أن هذه البلاد كان سماها قدماء المصريين بـ«الأراضى الجنوبية»، وتشمل جميع منطقة النفوذ المصرى، وهى غير محددة وتمتد إلى شطر أفريقيا الوسطى والشرقية، وتدل النقوش على أن أهل هذه البلاد كانوا من «الرجال الحمر» الذين يقطنون بلاد «بنط» الشهيرة الواقعة على ساحل الصومال، ونجح حكام مصر بداية من حكم محمد على عام ١٨٠٥م إلى آخر حكم إسماعيل فى رد الحدود القديمة إلى السودان المصرى، وانتشر فى عهدهم كما انتشر قديما النفوذ المصرى على «الأراضى الجنوبية» كما كان النيل والبحر الأحمر ناقل المدنية الفرعونية تارة، والمدنية العربية تارة أخرى. وقال المؤرخ جونستون- والكلام لـ«هايدى»- «أياً كان الأمر وسواء أكانت التجارة المصرية أو السيطرة المصرية قد اتصلت أو لم تتصل بطريق مباشر بتلك الأصقاع المحيطة بمنابع النيل، فإن نفوذ المدنية المصرية قد تغلغل فى أفريقيا السوداء، وإذا استثنينا بعض النباتات والحيوانات الأليفة التى جلبها البرتغاليون من البرازيل أو التجار الآسيويون من الهند، فإن بقية الحيوانات والنباتات قد أتت كلها عن طريق مصر، ومن مصر أتى أيضا التفكير فى صنع القوارب المركبة من الأخشاب، كالقوارب التى يستعملها سكان أوغندا، ورسم الآلات الموسيقية الراقية المجردة من تلك البساطة البدائية التى نجدها فى الطبول والأبواق المتخذة من قرون بقر الوحش, ولا شك أن أعواد أوغندا هى عين الأعواد التى تبدو صورتها على الآثار المصرية، ومما يدعو إلى الدهشة حين نطالع وجوه الباهيما (أرستقراطية حامية السحنة منتشرة فى غرب أوغندا، والأونيورو، وطورو، وفى الجنوب الشرقى من بحيرة فيكتوريا والشمال الشرقى من بحيرة تانجانيقا) أن نرى وجوها مصرية بحتة فى هيئتها وملامحها ولونها الذى لا يكاد يتميز بسمرته.» (هارى جونستون، حماية أوغندا، مجلدان باللغة الإنجليزية).
«المصرى اليوم» تنشر وثائق نادرة تؤكد حق مصر القانونى فى مياه النيل اتفاقية «١٩٠٢» وحروب «الحدود» المصرية – الحبشية(الحلقة الأخيرة) كتب أشرف جمال ٩/ ٨/ ٢٠١٠ رغبة جارفة فى خدمة هذا البلد، قادتنا لنشر هذا الملف الشائك والمتشعب، والذى نكشف فيه عن وثائق وخرائط وحقائق تاريخية غاية فى الأهمية والخطورة. ولأن ما لدى «المصرى اليوم» من وثائق، يكشف حق مصر التاريخى فى مياه النيل، فإننا نقدمه للمسؤولين والقراء جميعا، عله يكون عوناً لهم فى حرب الاتفاقات الجديدة التى تشنها دول المنبع، ضدنا والسودان الشقيق. الخرائط والوثائق- التى حصلنا عليها من هايدى فاروق عبدالحميد، الباحث بالأرشيفين البريطانى والأمريكى، عضو الجمعيتين «المصرية للقانون الدولى» و«الجغرافية المصرية»- تؤكد قانونية حق مصر الحالى فى مياه النيل، بل تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن مساعى دول المنبع لتعديل الاتفاقيات التاريخية الخاصة بحصة مصر من مياه النهر، لا تستند إلى شرعية قانونية ولا تصمد أمام دليل سياسى قاطع. هذا الملف تنشره «المصرى اليوم» فى خمس حلقات، تحت مسمى «منحة الأرض ومحنة المياه»، تكشف خلاله تفاصيل وحقائق تاريخية لم يتطرق إليها كثيرون من قبل، أبرزها الخلفيات التاريخية للنزاعات المائية بين مصر والحبشة (إثيوبيا) والكونغو، وما انتهت إليه من وثائق واتفاقات من شأنها إثبات الحق الحالى لمصر فى مياه النيل، أبرزها على الإطلاق اتفاقية ١٩٠٢ الخاصة بتقسيم المجرى المائى لنهر النيل تقسيماً «حدودياً» لا يقبل التعديل. انتهت الحلقة الماضية بتكليف الخديو إسماعيل للقائد العسكرى البريطانى صموئيل بيكر، فى فبراير ١٨٧٠ بقيادة حملة «أفريقيا الوسطى»، وكان بيكر اكتشف سنة ١٨٦٤ بحيرة «ألبرت نيانزا»، وهى أهم منابع النيل بعد فيكتوريا، حيث اهتمت إنجلترا منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر بتمهيد السبيل للاستعمار والمستكشفين، فكان المبشر الألمانى «كرايف» مندوبا لجمعية «المبشرين الإنجليزية»، وهو الذى اكتشف جبل كينيا عام ١٨٤٩، كما اكتشف الرحالة الإنجليزى «اسبيك» بحيرة فيكتوريا نيانزا (نيانزا تعنى بحيرة) نسبة إلى الملكة فيكتوريا، وهى كبرى بحيرات القارة، تقع فى شمالها أوغندا وفى جنوبها أفريقيا الشرقية الألمانية القديمة، وزار «اسبيك» فى رحلته أوغندا وملكها «أمتيزا». تقول هايدى فاروق، الباحثة فى الأرشيفين الأمريكى والبريطانى: «كانت رحلة بيكر هى الأولى لحساب الحكومة الإنجليزية، وكان طريقه فى الذهاب والعودة يمر بالقاهرة والخرطوم وجوندكورو، كما زار بيكر مملكة الأونيور المجاورة لأوغندا وقتها، والتقى ملكها، وكان هذا التاريخ موازياً لحكم إسماعيل، وفيه تبدو خطة قديمة لتحقيق أهداف بعيدة كل البعد عن الأهداف الجغرافية». وتضيف: «تنبه إسماعيل إلى تلك الأغراض البعيدة ففكر فى سنة ١٨٦٥ فى امتلاك الساحل الأفريقى للبحر الأحمر، وكان يعلم جيداً أن الارتكان للعنصر المصرى الوطنى هو وحده الكفيل بتحقيق أهداف مصر فى القارة، وعندما جاء إلى مصر سنة ١٨٦٩ ولى عهد إنجلترا ومعه الرحالة بيكر انتهز إسماعيل الفرصة وطلب تكليف الأخير بمهمة فى وسط أفريقيا لحساب مصر، تمثلت أهدافها فى إخضاع البلدان الواقعة فى جنوب جوندكورو لحكم مصر وحدها، وإلغاء تجارة الرقيق، وإحلال تجارة نظامية مشروعة محلها، وفتح بحيرات خط الاستواء الكبرى للملاحة، بالإضافة إلى تأسيس سلسلة محطات عسكرية ومستودعات تجارية فى أفريقيا الوسطى، على أن تكون جوندكورو قاعدة تمويل لها»، موضحة أن إسماعيل أسند بالاتفاق مع ولى عهد إنجلترا المهمة إلى بيكر، لقيادة الحملة لمدة «أربع سنوات» بدأت من أول أبريل عام ١٨٦٩. وتضيف «هايدى»: «كان من الواضح أن إسماعيل اعتقد أن فى مقدور بيكر استعادة جميع بلدان أعالى النيل لضمها إلى مصر، وربما كان ذلك ميسوراً لو أن بيكر كان من المنظمين، أو لو أن إلغاء تجارة الرقيق التى اعتادها الناس مئات الأعوام وأصبحت جزءا لا يتجزأ من معيشتهم، كان من طريق آخر غير طريق العنف». وحسب الوثائق زار بيكر الخرطوم عام ١٨٧٠، وبعد أن قضى فيها عدة أشهر غادرها فى ١١ ديسمبر من نفس العام، فبلغ «جوندكورو» فى ١٥ أبريل سنة ١٨٧١، وفى ٢٦ مايو أعلن ضمها رسميا إلى مصر وسماها «الإسماعيلية» نسبة إلى خديو مصر. وألف بيكر كتاباً خاصاً بهذه الرحلة حمل عنوان (الإسماعيلية أو تاريخ الحملة المرسلة فى أفريقيا الوسطى للقضاء على تجارة النخاسة). وفى يناير سنة ١٨٧٢ اتجه بيكر صوب الجنوب وأنشأ نقطة عسكرية فى فاتيكو، ولما بلغ مازندى عاصمة الأونيورو، كان فظاً فى معاملة ملكها كاباريجا الذى ذهب ليستميله إلى الحكم المصرى، فحاول أن يسيطر عليه بالخوف، وعامله باحتقار فانتهز خصومه هذه الفرصة للإيقاع به، فما كان منه إلا أن أعلن رسميا عزل كاباريجا من الملك، وضم مملكته فى ١٤ مايو سنة ١٨٧٢. وتقول الوثائق: «عاد بيكر إلى القاهرة تاركا القيادة إلى رؤوف بك (الذى أصبح رؤوف باشا، حكمدار هرر فيما بعد)، وكلّفت هذه الحملة مصر أكثر من مليون جنيه، ولم تكن نتائجها إيجابية إلى حد بعيد، ولا تتخطى إنشاء ثلاث نقاط عسكرية وخط حدود سياسى تتألف منه مديرية خط الاستواء، ولم يكن الطريق بين هذه النقاط جوندكورو، فاتيكو، فويرا– مأموناً». وتضيف: «عاد بيكر إلى القاهرة سنة ١٨٧٣، وفى العام التالى ١٨٧٤ خلفه جوردون باشا فى نفس الوظيفة، وكانت مهمته الرسمية مد الحدود المصرية إلى البحيرات، وبالأخص بحيرة فيكتوريا». وبمجىء الحملة المصرية الثانية بقيادة «جوردون» باشا أواخر عام ١٨٧٤- حسب الوثائق- بلغ جوردون الخرطوم فى ١٣ مارس سنة ١٨٧٤، ومعه الضابط الأمريكى «شاى لونج» والمهندس المصرى «إبراهيم فوزى» والضابط «حسن واصف» والمهندس الإيطالى «روميلوس جيسى» والمهندس الفرنسى «لينان»، وكان شغله الشاغل حل مشكلة المواصلات بين مديرية خط الاستواء ومصر، إما عن طريق الشمال «الخرطوم- النيل»، وإما عن طريق الشرق «أوغندا- ساحل أفريقيا الشرقية». وفى سنة ١٨٧٦ قرر إسماعيل فتح طريق بين «هرر» وبحيرة فيكتوريا للاتصال بقوات جوردون، وصدرت تعليمات إلى قائد «هرر» المصرى بأن يفتح بالتدريج طريقا حتى «كابتزا» على سواحل فيكتوريا. ولأجل فتح هذا الطريق، كان على مصر أن توطد أقدامها أولا على سواحل فيكتوريا فى أوغندا، ولكن إنجلترا كانت لها بـ«المرصاد»، خاصة أن الطريق من ناحية «هرر»، بفضل تقدم المدنية المصرية وانتشار الإسلام، كان يفتح أمام مصر شيئا فشيئا، خصوصا من ناحية «الجالا»، وهى القبائل التى كانت تحيط بالحبشة التى احتلت «هرر» سنة ١٨٨٧، بعد أن أرغمت إنجلترا مصر على إخلائها سنة ١٨٨٥. وكان «جوردون» يفكر جديا فى إيجاد مواصلات منتظمة بين النيل والبحيرات، وتسيير سفن بخارية فى بحيرة فيكتوريا (نيانزا)، وكان تدبير ذلك الأمر يقتضى عودة أحد أفراد الحملة المصرية، وهو الضابط الأمريكى «شاى لونج» إلى القاهرة، ليتولى بنفسه إعداد الحملة المتفق عليها بين الخديو وجوردون، وتمكن لونج قبل عودته من توقيع معاهدة مع «أمتيزا» ملك أوغندا بتاريخ ١٩ يوليو سنة ١٨٧٤ اعترف فيها الأخير بسيادة مصر. ولكن حرص «جوردون» على منع مصر من توطيد قدمها فى أوغندا وعلى ضفاف فيكتوريا- حسب الوثائق- بعد أن احتلت عاصمتها وفعل ذلك لتفادى غضب الحكومة الإنجليزية، فقد كانت إنجلترا آنذاك واقعة تحت كابوس التوسع المصرى صوب منابع النيل، وكانت العرائض تقدم لها للمطالبة بمنع الخديو من بسط سيادته على مناطق أفريقيا الوسطى حول البحيرات. وهذا ما حدا بجوردون فى عام ١٨٧٨ إلى إرجاع الحدود المصرية إلى منطقة خلفية بعيدة عن بحيرة «ألبرت نيانزا»، وأمر «الدكتور أمين» الذى خلفه فى أفريقيا الوسطى بإخلاء المحطات الجنوبية مع مازندى «عاصمة الأونيورو»، بحيث تصبح دوفيلة «على بعد ١٠٠ ميل من ماجونجو ومن بحيرة ألبرت» أقصى حد للأراضى المصرية فى الجنوب. وهنا تقول هايدى فاروق: «ادعى جوردون فى إحدى رسائله بتاريخ أبريل سنة ١٨٧٩ أن المصريين وحكمهم فى هذه الأقطار النائية، ما هو إلا حكم قطاع طرق، تبريرا لفعلته التى ذكرها فى خطابه بقوله بأنه أخلى أكثر من نصف البلاد التابعة لمصر فى خط الاستواء، وأن ٣٠٠ ميل أصبحت تفصل بيننا وبين أمتيزا، تلك كانت الطريقة التى نفذ بها جوردون تعليمات الخديو الخاصة ببسط السيادة المصرية على بحيرة فيكتوريا وجعلها بحيرة مصرية». وتضيف «هايدى»: «يوثق ذلك ما ذكره فيلكن فى كتابه المعنون باسم (أوغندا والسودان المصرى ١٨٨٢)، وتحديداً عند وصفه العاصمة لادو، وكيف أن رؤساءها كانوا من المصريين، كما أُنشئت محطات أخرى على غرارها فكان المصرى سليم مطر مديرا لكودج، ومرجان الدناصورى، الموظف بالحكومة المصرية، مديرا لفاتيكو، وفرج أجوك، مديرا لأمرولى، وإسماعيل أبوحطب، وكيلاً للحكومة المصرية فى حكم الرجاف». وتتابع الباحثة فى الأرشيفين الأمريكى والبريطانى: «كانت مملكة مونبوتو أقصى ممالك خط الاستواء غربى النيل، ولم تكن بها إدارة منظمة بالمعنى الصحيح، إلا فى عهد أمين باشا، أو بعبارة أدق فى عهد حواش منتصر، الذى أخضع زعماء قبائلها وطارد أمير مونبوتو المسمى مامبانجا، وأوغل فى مطاردته حتى أخضع القبائل المجاورة لمونبوتو وزعيمها بورو لحكومة مصر، وكانت هذه المديريات خاضعة اسماً لحكومة مصر قبل حواش، والذى أنشأ سنة ١٨٨١ محطة سميت باسمه فى رأس زاوية، فى أقصى الحدود الغربية واقعة فى أرض قبائل البارمبو، ورئيسها بورو». وكانت مديرية خط الاستواء التابعة لمصر فى بداية الثورة المهدية تمتد على ساحل النيل من مخرجه فى بحيرة ألبرت، إلى ما وراء لادو، حيث كانت تشمل القسم الشمالى من «الأنيورو» وأراضى «الشولى» و«المادى» و«البارى» و«اللاتوكا» و«المكراكا» و«المورى» و«المونبو»، وكانت تمتد من ناحية أخرى على النيل بين بحيرة «ألبرت» وبحيرة «فيكتوريا» حتى «نياميونج» وعلى بحيرة «إبراهى»، وامتدت إلى نقطة أبعد من ذلك نحو الجنوب دون خط الاستواء، وتحديداً على مسافة ٥٠ ميلاً من بحيرة فيكتوريا. وفى أثناء «الثورة المهدية» اضطرت الحاميات إلى ترك «فويرة» والمراكز الواقعة على النيل وفيكتوريا وتجمعت على النيل من سواحل بحيرة «البيرت» إلى ما بعد «لادو» شمالا، ومن «ماجونجو» عند مخرج بحيرة «ألبرت» حتى «لادو» مرورا بطريق «دوفيلة» و«لابورية» و«موجى» و«كيرى» و«بيدن» و«رجاف» و«جوندكورو» ثم يصل «لادو» بعد أن يقطع مسافة ٢٠٠ ميل تقريبا، ويلاحظ أن الحدود الحالية اليوم لأوغندا تبدأ جنوبا من سواحل بحيرة فيكتوريا وتنتهى شمالا فى «نيمول» و«تؤلف» «الأونيور»، وجزء منها، وهذه الأراضى كانت مملوكة للدولة المصرية التى أخذتها إنجلترا من مصر وضمتها لأوغندا بغير سند قانونى، حيث كانت مديرية خط الاستواء فى مجموعها واديا مستطيلا، وكان إقليم «فاتيكو» فى بلاد «الشولى» يسمى جنة النباتيين. وتشير الوثائق إلى أن جعل مديرية خط الاستواء تحت لواء بريطانيا التى وضعت يدها على الحاميات والجنود المصريين، ووضع الجنود المتواجدين تحت الولاية البريطانية بغير سند قانونى، جميعها أمور ساعدت على تمكين إنجلترا من احتلال أوغندا القديمة، التى كانت مساحتها لا تزيد على ٥ آلاف كيلو متر مربع فى حوض بحيرة فيكتوريا، بالإضافة إلى ضم «الأونيور» ومديرية خط الاستواء نفسها إلى أوغندا الجديدة. حول هذه النقطة تقول هايدى فاروق: «بلغت مساحة أوغندا الجديدة عام ١٩٠٠، بعد أن تكونت واتسعت على حساب الأراضى المصرية، ما يقرب من ٣٠٠ ألف كيلومتر، أى ستة أضعاف مساحتها الأولى، وامتدت حدودها الشمالية حتى جوندكورو المصرية فى جنوب اللادو، والتى كانت حتى عام ١٩١٤ تكوّن الحد الجنوبى الأقصى للسودان المصرى، الذى أخذ فى التناقص والانقباض، وعدا ذلك تنازلت إنجلترا للكونغو، وبموجب عقد إيجار عن أراض واسعة كانت تشكل من قبل جزءاً من مديرية خط الاستواء على الضفة الغربية للنيل، كما تنازلت له عن ساحل بحيرة ألبرت نيانزا الغربى.
Comments