القائمة الرئيسية

الصفحات

انظروا الى نظرة وزير ثقافتنا الى المثقف

عمار علي حسن
Tue, 14/09/2010 - 08:05

«المرء مخبوء تحت لسانه». هذه حكمة عميقة إن أردت أن تختبرها على الوجه الأكمل فتتبع ما ينطق به وزير الثقافة من كلمات أو إشارات أو إيماءات، فالرجل غامض غموض موظف أمن رفيع المستوى طالما كان صامتا، فإن تكلم أو تحرك عرفنا أن الغضب يعميه عن رؤية الصواب، والفساد الذى يضرب أعطاف وزارته العتيدة يحجبه عن معرفة الحق، وتدليل السلطة له رغم أخطائه الفادحة المتكررة يزيده عنادا وإصرارا على ارتكاب الزلات والسقطات والمصائب المتلاحقة.

قبل أيام قرأت على صفحات «المصرى اليوم» تصريحا لفاروق حسنى جعلنى أقهقه حتى سمعنى كل من فى المقهى، واستفسر بعضهم عما يضحكنى فقرأت لهم وأنا أهز رأسى عجبا، فضج المكان بالضحكات، التى لم تلبث أن انتهت بحزن على ما آلت إليه الثقافة، وغضب من الصبر الطويل على وزير لا يعرف «معنى المثقف»، وإن كان الجميع قد اتفقوا على أن هذا ليس غريبا على رجل أثبت من قبل أنه لا يعرف «أركان الإسلام»، وهى معلومة يعيها الأطفال، ولا يدرك أن حديثه عن «حرق الكتب» جريمة قد يرتكبها شرطى متغطرس غرير لا رجل مسؤول عن الثقافة فى أعرق بلد على وجه الأرض.

التصريح جاء رداً من الوزير الحائر على البيان الذى أصدره مائة من المثقفين يطالبون برحيله ويفضحون التسيب الإدارى الذى يعشش فى وزارته، ويربطون بين ما آلت إليه وما يصيب الدولة كلها من فساد واستبداد وتراخ. كان الرد سطحيا ليس له مقر، عابرا ليس له مستقر، معبرا خير تعبير عن الطريقة التى يفكر بها فاروق حسنى، والنوازع التى تحركه. فها هو يقول: «أغلب الموقعين على بيان المطالبة بإقالتى ليسوا مثقفين، وأغلبهم أعضاء بحركة كفاية ونشطاء سياسيون وعدد قليل منهم فقط ينتمون لاتحاد الكتاب.. المثقف لابد أن أعرفه لأسباب كثيرة من بينها أنه يكون فاعلا لشعبه ويعمل لخدمته مثل الدكتور جابر عصفور والدكتور فوزى فهمى والدكتور صابر عرب وكل من يعملون فى وزارة الثقافة».

أراد الوزير أن يضرب مثلا فأساء إلى ثلاثة من المثقفين الكبار، لأنه تعامل معهم هنا على أنهم موظفون يعملون تحت رئاسته، وبذا لا يتجاوز عدد المثقفين فى عهده عشرة أشخاص، هم من تعاقبوا على رئاسة المجلس الأعلى للثقافة والهيئة العامة لقصور الثقافة والهيئة العامة للكتاب. والغريب أيضا أن الوزير اشترط عضوية اتحاد الكتاب لحيازة لقب مثقف، رغم أنه هو شخصيا ليس عضوا بالاتحاد،

ورغم أن الآلاف ممن ينتمون له لم يواصلوا إنتاجهم المعرفى وإبداعهم، ومع أن الآلاف ممن لا يحوزون هذه العضوية هم من كبار المثقفين بحكم التعريف الاصطلاحى والوظيفى المتعارف عليه للمثقف فىالعالم بأسره، والذى لا يدركه وزير كان يسعى إلى اعتلاء صهوة اليونسكو، لكن هاهى الأيام تثبت أن رسوبه كان رحمة بالمثقفين فى مشارق الأرض ومغاربها.

التصريح يبرهن أيضا على أن الوزير لا يقرأ ولا يتابع ولا يعرف من الأسماء سوى المتحلقين حوله وهو يوزع بيسراه جوائز الدولة ويوزع بيمناه صك الولاء له ولحظيرته وللنظام الذى يخدمه. فهل لا يعرف حسنى مؤرخا كبيرا مثل الدكتور عاصم الدسوقى الذى وضع علامة استفهام أمام اسمه فى بيان الموقعين؟ وهل الدكتور حسن نافعة ليس مثقفا حسب الوزير وأنه مجرد «ناشط سياسى»؟ والرجل له العديد من الكتب والأبحاث والدراسات والمقالات، وحصل قبل سنوات قليلة على جائزة الدولة للتفوق فى العلوم الاجتماعية.

لا يعرف الوزير أيضا أن عمار على حسن، الذى حاول التشكيك فى حجية توقيعه على البيان، له نحو عشرين كتابا منها ستة أعمال إبداعية بين رواية ومجموعة قصصية، ولا يتذكر حسنى أنه كان يقف باهتا إلى جوار نجيب محفوظ وهو يسلم عمار جائزة القصة القصيرة مع الفائزين فى مسابقة «أخبار الأدب» عام 1994، ولا يعرف أنه فاز بجائزة الشيخ زايد فى فرع التنمية وبناء الدولة هذا العام والتى سبق أن فاز بها فى فرع الفنون الدكتور ثروت عكاشة أستاذ أساتذة فاروق حسنى،

ولا يعرف أيضا أن فى جعبة عمار العديد من الجوائز فى مجال الأدب والبحث العلمى، مصرية وعربية ودولية، ولا يتابع الجهد الذى يبذله فى نقد الأعمال الإبداعية، شفاهة فى الندوات والمؤتمرات، وكتابة عبر المقالات والدراسات التى توجها بكتابه: «النص والسلطة والمجتمع: القيم السياسية فى الرواية العربية».

لا أريد هنا أن أقدم نفسى أو أيا من هؤلاء الكبار للوزير، فأنا وهم فى غنى عما بيده وبيد من يقوده، ولا يهمنا أن يعرفنا من يجهل الكثير، ولم يفكر أحدنا فى أى لحظة من حياته أن يتخذ منه معيارا لتحديد من هو المثقف، وجميعنا يعرف أن استمراره فى موقعه مرده إلى عوامل أخرى غير الثقافة، لكننى أردت أن أقول لفاروق حسنى: تمهل ولا تجعل الغضب يعميك فتنطق بالباطل،

وتعلّم مرة من تجاربك يا رجل، فزلاتك وسقطاتك كلفت الميزانية العامة عشرات الملايين من الدولارات حين ذهبت للمنافسة على منصب ضاع منك لتسرعك، وعدم فهمك لطبيعة دورك وحدود نفوذك، وإلا ما كنت قد أرسلت إلى «اتحاد الكتاب» وهو نقابة مهنية وليس إدارة فى وزارتك، لتسأله عن صفات الموقعين على البيان، لكن عهدك الذى اختلط فيه الحابل بالنابل، جعل الاتحاد يتعامل مع استفسارك بجدية، بدلا من أن يرد عليك بحزم قائلا: «السؤال ليس من صلاحياتك، والإجابة ليست من اختصاصنا»، لكن المجيب ليس بأفضل من السائل، فوقع هذا الفعل الفاضح، الكاشف للوزير وبطانته، والمعبر عن الطريقة التى تدار بها الثقافة فى مصر.
author-img
ماذا اقول عن نفسى غير ما اريد الا يعلمه احد عنى فأن انت سألتنى عن نفسى فأن ما تسمعه منى ليس ألا ما استطيع ان أقوله فهل تستطيع ان تسمع ما لا اقوله لك ؟

Comments