القائمة الرئيسية

الصفحات

عن اولويات العمل و فقه الاولويات قراءة امينة للطريق الى الامام

من يتصدى للكلام في الشأن الاسلامى دون ان يقرأ في فقه الاولويات لا يسمع منه و من لا يعرف فيما يبدأ الاصلاح لا يحق له التصدى لمشاكل و هموم المسلمين هذا المبحث اسسه الشيخ الجليل القرضاوى و هنا قراءة ممتعة بالامثلة لهذا العلم الذى يجب ان يكون الف باء من يتكلم عن نهضة المسلمين و من يدعو الى سبيل الله بالحسنى اتمنى ان يقرأالجميع هذا المقال الممتع
بسم الله الرحمن الرحيم

فقه الأولويات للشيخ القرضاوي

الشيخ راشد الغنّوشي

يعتبر المؤلف موضوع كتابه "في غاية الأهمية، لأنه يعالج قضية إختلال النسب واضطراب الموازين من الوجهة الشرعية في تقدير الأمور والأفكار والاعمال وتقديم بعضها على بعض وأيهما يجب أن يقدم وأيها يجب أن يؤخر( وذلك في ضوء) مجموعة من الأولويات التي جاء بها الشرع عسى أن تقوم بدورها في تقويم الفكر وتسديد المنهج يهتدي بها العاملون في الساحة الإسلامية فيحرصوا على تمييز ما قدمه الشرع وما أخره وما شدّد فيه وما يسّر لعل في هذا ما يحد من غلو الغالين وما يقابله من تفريط المفرطين وما يقرب وجهات النظر بين العاملين المخلصين"(1) واضح من هذا النص أن هدف المؤلف ليس مجرد الحصول على متعة معرفية او الإنتصار في مجادلة كلامية وإنما معالجة أمراض تعيشها أمة ممزقة بين ضروب من التطرف بعضها في اتجاه التّشدد باسم الدين وبعضها في اتجاه التّحلل منه على أساس فتاوى مضللة بما ينتهي الى دفعها الى المزيد من التمزق والجدل العقيم في وقت هي أحوج ما تكون الى وحدة صف لا يمكن استعادتها مع استمرار فشو تيارات التشدد والتحلل بسبب غياب فقه أصولي وسطي جامع، نذر الشيخ حياته لتأسيسه وإشاعته دينا للمسلمين وهو يرى حياة الأمة "في جوانبها المختلفة مادية كانت أم معنوية فكرية أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية ميزان الاولويات فيها مختلة كل الإختلال"(2/13)لا يقتصر هذا الإختلال على جماهير النّاس بل يشمل حتى أهل الدين، حيث تجد الكثير من المحسنين مستعدين للإنفاق السّخي لبناء مسجد يضاف الى مساجد كثيرة في نفس المدينة ويحرصون على تكرار الحج عشرات المرات بينما يحجمون عن البذل لنشر الدعوة أو دعم الجهاد لتحرير بلد اسلامي محتل، في ذهول عن فقه مراتب الأعمال الذي أفصح عنه مثل هذا النص المحكم "أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله؟ لا يستوون عند الله، والله لا يهدي القوم الظالمين.الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون"/التوبة19-21/
ولقد كان هذا الإختلال المتشعب في حياة المسلمين من أجلى معاني الإنحطاط وأسبابه ونتائجه، إذ أهملوا فروض الكفاية المتعلقة بمجموع الأمة كالتّفوق العلمي والصّناعي والإجتهاد في الفقه وإقامة حكم الشورى، كما أهملوا فروضا عينية كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واهتموا ببعض الأركان كالصوم اكثر من غيرها كالصّلاة والزّكاة واهتموا بالنّوافل كالأذكار واهملوا فرائض اجتماعية مثل بر الوالدين ومقاومة الظلم الإجتماعي والسياسي، واهتموا بالعبادات كالصّلاة اكثر من اهتمامهم بالعبادات الإجتماعية كالجهاد والفقه وحقوق الإنسان، وكذا اشتغل الكثير بمحاربة المكروهات والصغائر او الشبهات المختلف فيها كالتصوير والغناء والنقاب مهملين القضايا المصيرية والموبقات دينية كانت كالسحر والإستعانة بالمقبورين، ام اجتماعية وسياسية مثل نهب الثروات. إنه الإختلال العام في المعايير والأولويات، يصغّر الكبير فيؤخر ويكبّر الصغير فيقدم، وتحتدم المعارك حول المختلف فيه، ويسدل الستار على المتفق عليه، فتتبدد جهود الأمة في غير محلها وتضيع مصالحها العليا بسبب هذه الإختلالات الخطرة في سلّم الأولويات. من هنا كان لزاما إعادة النظر في مستويات وعينا الديني والإجتماعي في ضوء نصوص الدّين ومقاصده، وفي ضوء ضرورات الأمة ومصالحها العليا من أجل إعادة برمجة حياة المسلمين الدينية والإجتماعية وفق خريطة تتوازن فيها مطالب الدّين مرتبة وفق سلّم أولويات واضحة تستجيب لضرورات الأمة وحاجاتها.
وتتحدد معالم خريطة الأولويات التي توصل اليها المؤلف من خلال عملية استقراء دقيقة وعميقة لفيض من نصوص الكتاب والسنّة تدل على تبحره فيهما مستفيدا من تراث أسلافه من الأئمة الأعلام، كل ذلك وعينه الثاقبة لا تغادر أوضاع أمة مهموم بها يبحث ناصبا عن أدواء لعللها المستعصية، يملأه يقين أن المهمة على مشقتها وعسرها ممكنة الإنجاز. تتحدد معالم هذه الخريطة التي يريد وضعها بين يدي أمته وخصوصا المنشغلين بمهام النهوض بها، تتحدد وفق المعايير التالية:

1- اولوية الكيف على الكم: لقد ذم القرآن الأكثرية غير العاقلة او الجاهلة او غير المؤمنة او غير الشاكرة، ومدح المؤمنين العاملين الشاكرين ولو كانوا قلة ووعدهم بالنصر وحثهم على الإحسان في كل شيء، غير أن الإسلام ولئن وجه عنايته الى النّوع فخصّه بالأولوية على الكم، إذا وجب الخيار، إلا أن ذلك لا يزهّد في الكم والكثرة فكثرة الخير خير، ولذلك منّ الله على المومنين إذ كثّرهم وأعزهم بعد استضعاف وقلة، كما افتخر خاتم الأنبياء بأنه أكثر الأنبياء تابعا، وهو ما أكده شيخ الإسلام القرضاوي في غير هذا الموطن مرارا كثيرة، وما ينبغي له غيره وهوثائر لا يفتر محرض على الظلم والظالمين نافخا روح التغيير، ولا ثورة دون جماهير.

2- وفي مجال العلم والفكر الأولويات هي:

أ- أولوية العلم على العمل، "العلم إمام والعمل تابعه" كما رواه ابن عبد البر في حديث معاذ. وفقه الاولويات ذاته مبناه على العلم. ولقد حذر صاحب الرّسالة عليه السّلام من ظهور طائفة لا يجاوز القرآن حناجرهم، لا تفقهه قلوبهم رغم كثرة صلاتهم وصيامهم، ولذلك كان العلم شرطا في كل عمل قيادي في الأمة، الى حد اشتراط التحقق بدرجة الإجتهاد في بعض الخطط مثل الولاية العامة والقضاء، وللأسف بلغ الإنحطاط في الامة أن يسود فيها الأجهل. كما يشترط في من يفتي الناس ان يكون متمكنا في علمه وفي الداعية ان يدعو الى الله على بصيرة.

ب- اولوية الفهم على الحفظ ، بمعنى أولوية علم الدّراية على علم الرّواية ، فقد انتدبنا الإسلام للتفقه في الدين لا مجرد روايته، وعلى أهمية الحفظ والذاكرة، فليس مقصودا لذاته. وكان من السّمات الثقافية لعصور الإنحطاط أن ساد الحفظ والتقليد والترديد وتضاءل الفهم والإبداع والتجديد ولا تزال الجوائز السخية كما لاحظ المؤلف تسند لحفاظ القرآن ولا يكاد يقدم شيء للمتفوقين في علوم الشريعة.

ج – أولوية المقاصد على الظواهر: ذلك أن استقراء نصوص الشريعة من قبل العلماء المحقيين أكد أن للشارع الحكيم العليم الرّحيم حكما ومقاصد ومصالح لعباده في كل ما أمر ونهى، إلا أن المسلمين كثيرا ما شغلتهم القشور والظواهر عن الحكم والمقاصد.

د- أولوية الإجتهاد على التقليد: فقد أبدأ القرآن الكريم وأعاد في ذم تقديس الآباء واتباعهم دون بينة والجمود على الموروث "ولا تقف ما ليس لك به علم" / / وتوعد بالعذاب من عطل ملكة العقل والحواس"وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير" / /. وهكذا تعرف عصور التقدم والنهوض بكثرة المجتهدين وعصور التخلف بسادة التقليد وندرة التجديد

3- أولوية الدراسة والتخطيط لأمور الدنيا: "وهذا من مقتضيات أسبقية العلم على العمل، واعتماد أدق البيانات الإحصائية في كل خطة يراد انجازها، وذلك بدل الإرتجال واعتماد الرؤى وسوابق الأحكام والثقة المطلقة في الزعيم.
4- وفي مجال الآراء الفقهية: ضرورة التمييز بين القطعي والظني بين ما ثبت بالنص وبين ما ثبت بالإجتهاد والامور الإجتهادية لا ينكر فيها عالم على آخر، وبين ما ثبت بنص قطعي الثبوت والدلالة وبين غيره. وظنية الثبوت تشمل معظم السنة باعتبار التواتر فيها عزيز، وظنية الدّلالة تشمل القرآن والسنّة، ولكن كما يؤكد العلامة "أن القضايا الكبرى مثل الألوهية والنّبوة والجزاء وأصول العبادات وأمهات الأخلاق والأحكام الاساسية للأسرة والميراث والحدود والقصاص ونحو ذلك قد بينتها آيات محكمات تقطع النزاع وتجمع الكل على كلمة سواء"(3/66)

5- الاولويات في مجال الفتوى والدعوة:

أ- أولوية التخفيف والتيسير على التشديد والتعسير: "قال تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" / / .وقالت عائشة ما خيّر النّبي بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما". ويتأكد ذلك بظهور الحاجة اليه وخصوصا في عصرنا. وكان النّبي عليه السّلام اشدّ ما يكون إنكارا للتشدّد إذا ظهرت بوادر تدل على بداية تحوله منهجا.

ب- ومن التيسير الإعتراف بالضرورات والاقرار بمبدإ تغيير الفتوى بتغير الزمان والمكان: وضرب المؤلف مثلا لذلك مسألة الجهاد الهجومي، جهاد الطلب الذي اقتضته ضرورات تبليغ دعوة الإسلام ولم يكن من طريق غير إزاحة عقبة الأباطرة. اما وقد أطاحت الثورات التحررية بالعروش الطاغوتية فقد انفتح العالم قي وجه دعوة الإسلام فعاد الأمر الى أصل السّلم إلاّ دفعا لصائل .

ج مراعاة سنة التدرج: فلقد نزل القرآن منجما وجاءت تشريعاته متدرجة مثل مسالة تحريم الخمر.
د –تصحيح ثقافة المسلم من طريق اعادة النّظر في المناهج وبالخصوص مناهج التعليم الديني فلا تضيّع اعمار الطلبة في استيعاب جدليات كلامية معقدة لا حاجة اليها بدل التفقه في الدين وفي ثقافة العصر وفلسفاته، والميزان الذي لا يخطئ في ذلك هو كتاب الله فتعطى المسائل من العناية على قدر ما حظيت به في الكتاب العزيز مثل الالوهية والنبوة والجزاء واصول العبادات والفضائل

6- الأولويات في مجال العمل:

أ- اولوية العمل الدائم على المنقطع

ب أولوية العمل المتعدي على العمل القاصر: فالعمل الأوسع نفعا مرجح على غيره ولهذا "كان جنس عمل الجهاد مرجحا على جنس عمل الحج" ومن هنا قرر الفقهاء ان المتفرغ للعبادة لا يعطى من مال الزّكاة بخلاف المتفرغ للعلم. وروى الطبراني ان النبي عليه السّلام قال :"يوم من أيام امام عادل أفضل من عبادة ستين سنة"

ج- أولوية العمل الأطول نفعا والأبقى أثرا: من هنا كان فضل الصّدقة الجارية

د- أولوية العمل في زمن الفتن: ومن ذلك "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر"

ه- أولوية عمل القلب على عمل الجوارح: بناء على الأصل الكبير"إنما الأعمال بالنيات" وصلاح القلب واخلاص النيات والتحقق بتقوى الله في كل حال ومحبة الله ورسوله اكثر مما سواهما والتهيئ للقاء الله هو المقصد الأسنى للتربية الإسلامية، ولذلك المؤلف "يعجب من تركيز بعض المتدينين والدّعاة على بعض الأعمال والآداب المتعلقة بالظّاهر أكثر من الباطن مثل تقصير الثوب وإعفاء اللّحية وصورة حجاب المرأة الى غير ذلك من الأمور المتعلقة بالشكل أكثر من الجوهر والرّوح"(4/99)

و- اختلاف الافضل باختلاف الزمان والمكان والحال: فأفضل الأعمال الدنيوية كالزّراعة والصّناعة والتّجارة تتحدد وفق حاجة المجتمع "وأحوج ما تحتاج اليه أمتنا في عصرنا التكنولوجيا المتطورة فلا تستطيع الأمة النهوض برسالة الإسلام وهي عالة على غيرها في أدوات العصر وأسلحته، ولا بد أن تتطور مناهجها بما يحقق هذه الغاية.إن تحصيل التكنولوجيا المتقدمة والتّفوق فيها وفي العلوم الموصلة اليها أصبح فريضة وضرورة وهي في مقدمة الأولويات"(5/101و102)

ن-اما افضل العبادات فالأمر يختلف من شخص الى آخر ومن وقت الى آخر ومن حال الى آخر، افضل العبادة مرضاة الرّب في كل وقت وحين وفي وقت الجهاد العبادة الافضل هو الجهاد ووقت حضور الضيف افضل العبادة القيام بحقه .

7- الأولويات في مجال المأمورات:

أ- تقديم الاصول وما يتصل بالله وتوحيده وملائكته ورسله واليوم الآخرعلى الفروع

ب- تقديم الفرائض والتشدّد فيها ولا ضير في التساهل في السنن والمستحبات .وام الفرائض الصّلاة والزكاة . وإن من الخطأ الإشتغال بالسّنن عن الفرائض مثل من يقوم الليل أو يصوم متطوعا ثم يذهب الى عمله الذي يتقاضى عليه أجرا متعبا كليلا، ومثله حج التّطوع وفي المسلمين من يهلك جوعا، وآخرون يتعرضون للإبادة ، لو فقهوا فقه الأولويات لقدموا انقاذ اخوانهم على استمتاعهم بالحج والعمرة" (6/117و118)

ج_أولوية فرض العين على فرض الكفاية: مثل تقديم بر الوالدين على الجهاد عندما يكون فرض كفاية ، وهو جهاد الطّلب لا جهاد الدفع" (الملاحظ أن العلاّمة هنا يجري على معتاد اصطلاح الفقهاء في التمييز بين الجهاد الدفاعي والجهاد الهجومي بينما هو اتجه في عمله الضخم /فقه الجهاد/الى ما يشبه إسقاط هذا الأخير لانعدام الحاجة اليه بل هو في كتابه هذا ذاته يؤكد انعدام الحاجة اليه (صً78) ويلاحظ أن فروض الكفايات تتفاوت، بين فروض قام بها بعض النّاس وأخرى لم يقم بها أحد، فيكون الإشتغال به أولى، وقد يتعين فرض الكفاية على أحد لأنّه وحده المؤهل له كالمفتي والمعلم والطبيب والعسكري

د- أولوية حقوق العباد على حق الله المجرد: قال العلماء إن حقوق الله تعالى مبنية على المسامحة وحقوق العباد مبنية على المشاحة ولذا قدم قضاء الدين على الحج.

ه- أولوية حقوق الجماعة على حقوق الأفراد: لأنه لا بقاء للفرد إلا بالجماعة، فإذا كان الجهاد فرض عين كما اذا غزا الأعداء دارا للإسلام ففرض على أهلها ان يهبوا للدّفاع عن بلدهم ولا عبرة بمعارضة بعض الآباء، فحق الأمة مقدم على حق الفرد، ومن ذلك مسألة التترس، ومن ذلك جواز فرض ضرائب على القادرين لتمويل الجهاد اذا اقتضى الأمر ذلك

و-أولوية الولاء للجماعة والامة على القبيلة والفرد: فيد الله مع الجماعة ورابطة العقيدة مقدمة على رابطة الدم "إنما المومنون أخوة" / /

8- الأولويات في مجال المنهيات:
وكما تتفاوت المأمورات بين مستحب وواجب وفرض عين وفرض كفاية تتفاوت المنهيات أعلاها الكفر بالله تعالى وأدناها المكروه تنزيها. والكفر ذاته درجات، فهناك كفر الإلحاد وكفر الشرك وهو انواع. ودون كفر الإلحاد كفر أهل الكتاب لتكذيبهم بالرّسول الخاتم ورسالته عليه السّلام، ومع ذلك فإن لهم وضعا خاصا بوصفهم أهل كتاب سماوي فأجاز القرآن مؤاكلتهم ومصاهرتهم، بما يجعلهم أقرب من الملاحدة والوثنيين ما لم تكن هناك عوامل خاصة تجعلهم الأشد عداوة. والكفار منهم المسالمون ومنهم المحاربون. وهناك كفر أهل الردّة وهم شرّ انواع الكفر وهي الخروج من الإسلام بعد ان هداه الله. ويعظم خطر الردّة ووجوب مقاومتها اذا تحولت عملا جماعيا منظما مهددا لهوية المجتمع واسسه. وهناك كفر النفاق، وهو من أغلظ أنواع الكفر، ولقد عظم خطرهم على الإسلام في عصرنا. ومن المهم التفريق بين الأكبر والأصغرمن الكفر والشرك والنفاق ، الكفر الأكبر هو الكفر بالله تعالى وبرسالاته والكفر الأصغر المعاصي مثل تارك الصّلاة كسلا . والشرك الأكبر ان يتخذ من دون الله ندا والأصغر كالحلف بغير الله، ويسير الرياء. والنّفاق الأكبر هو ان يبطن الكفر ويظهر الإسلام واما النّفاق الأصغر فهو نفاق العمل كالتخلق باخلاق المنافقين. وادنى من الكفر المعاصي وهي كبائر وصغائر. فالكبائر أظهرها التي شرعت لها حدود او توعد الله عليها بالنار

-9- الأولويات في مجال الإصلاح:

أ- تغيير الأنفس قبل تغيير الأنظمة، إذ البدء بالفرد أساس البناء ، ولهذا كانت الأولوية لكل جهد تربوي يبذل لتكوين الإنسان المسلم، وبدأ ببناء شخصيته بغرس الإيمان الصحيح في قلبه بما يصحح نظرته للأكوان ولخالقها ونظرته لنفسه ولرسالته في الحياة، وذلك ضمن مشروع متكامل للحضارة تربي عليه الأمة ابناءها للعمل وفقه تتعاون على ذلك كل مؤسساتها، هذه التربية شغلت الجزء الأكبر من حياة النّبي عليه السّلام وصحبه وكان لا بد ان تسبق التمكين والجهاد، إذ جهاد العدو ليس إلا الثمرة لجهاد النفس والشيطان. ولا قيمة للجهاد إذا لم ينطلق من نيات خالصة لله عز وجل

ب- أولوية المعركة الفكرية :الأساس المكين لكل إصلاح ينطلق من تقويم الفكر وتصحيح المفاهيم والتصورات، وهو ضرب من الجهاد . من هنا كانت المعركة الفكرية جديرة بالتقديم على غيرها. وساحاتها متعددة : معركة خارج السّاحة الإسلامية مع الملحدين وغلاة العلمانية ، ومعركة داخل السّاحة الإسلامية لترشيد مسيرة الفكر الإسلامي والحركة الإسلامية ، تصديا للتيّار الخرافي وللتيّار الحرفي ولتيار الرفض والعنف ، وذلك بالدعوة الى تيار الوسطية بخصائصه المعروفة بفقهه للدين فقها يتميز بالشّمول والإتزان والعمق وفقهه للواقع دون تهويل ولا تهوين وفقهه لمقاصد الشريعة وفقهه للأولويات وجمعه بين السلفية والتجديد وإيمانه بأن التغيير الفكري والنفسي والخلقي أساس كل تغيير وتقديمه الإسلام مشروعا حضاريا متكاملا واعتماده منهج التفسير في الفتوى والتبشير في الدعوة ، وإبرازه القيم الإجتماعية والسياسية في الإسلام مثل الحرية والكرامة والشورى والعدالة الإجتماعية، واتخاذ الجهاد للدفاع عن حرمات المسلمين (7/190و191)

ج- أولوية تجميع صف العاملين للاسلام: وإن من أوكد واجبات تيار الوسطية العمل بصدق لتجميع الصف الإسلامي على الأصول التي ما ينبغي الخلاف عليها أي على أركان العقيدة الستة الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، وعلى الأركان العملية الخمسة الشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت وعلى أصول الفضائل واجتناب أصول الرذائل والمحرمات، وبحسبنا اللقاء الإجمالي على هذه الكليات ولا بأس أن نختلف في الفروع والمواقف، ولا مانع من أن تتعدد الجماعات تعدد تنوع لا تعدد تضارب. لا بد من جهد فكري وجهد عملي لتجميع العاملين لخدمة الإسلام وتقريب الشقة وغرس روح التسامح، فهذا العمل من الأولويات المهمة والمقدمة اليوم وإلا سيؤكل الجميع تيارا بعد تيار ومجموعة بعد مجموعة.

د-أولوية التربية والإعلام على التطبيق القانوني للشريعة: ومع أن الجانب القانوني من الشريعة مثل الحدود والتعازير جزء من الإسلام لا يجوز الإعراض عنه إلا أن المبالغة في ذلك الى حد اعتباره رأس الأمر كان له آثار سيئة على التفكير الإسلامي والعمل الإسلامي وتقديم صورة مختلة عن الإسلام ومشروعه الحضاري استغلها خصوم الإسلام لتشويه صورة الإسلام وللتخويف من مشروعه الحضاري، فالواجب ان لا تعطى هذه القضية اكثر من حجمها من الفكر لتتجه الجهود نحو إعداد والمطالبة بتربية اسلامية متكاملة معاصرة تتابع الطفل من سن الحضانة وتستمر معه حتى يتخرج من الجامعة مستخدمة المناهج الملائمة والتكنولوجيا المتطورة بما يؤكد ضرورة الدين للحياة وكمال الإسلام وعدالة أحكامه وإعجاز كتابه وعظمة رسوله وتوازن حضارته، وهي تربية ليست مطلوبة في دروس الدين بل هي مطلوبة في كل المواد دون افتعال. كما يجب ان تعطى مساحات مناسبة لقضية الإعلام والثقافة لما لهما من اثر فعال في صناعة العقول والميول والإتجاهات، فما ينبغي أن تترك في أيدي من لا يؤمنون بالإسلام مرجعا أعلى، وذلك بإعداد إعلاميين في كل مجالات الثقافة والفنون مع تذليل العقبات الشرعية، وبمحاولة كسب ما هو موجود من إعلاميين وفنانين.

10- فقه الأولويات في تراثنا:
لهذا الفقه آثار متناثرة في تراث الأمة، من ذلك سؤال أحدهم ابن عمر عن دم البعوض فلما علم انه من العراق قال انظروا الى هذا يسأل عن دم البعوض وقد قتلوا ابن رسول الله عليه السّلام، ناقدا اتجاها سائدا، التدقيق في الأمور الصغيرة ويضيعون الامور الكبار.
ومن ذلك بحث العلماء مسألة ايّهما أولى زمان الفتن وانتشار الفساد الإختلاط بالمجتمع لإصلاحه ام العزلة والنجاة بالنفس؟ ذهبت الصوفية المذهب الثاني وسلك العلماء الربّانيون الأول. كما اختلفوا في مسألة الدنيا أيهما اولى الدخول في معمعتها والإستمتاع بطيباتها في حدود الشرع ام الإنصراف عنها، فذهب جمهور المتصوفة الى الثاني وذهب العلماء الربّانيون الى الأول، ومن ذلك بحثهم أيهما أولى ترك المناهي أم فعل الأوامر؟ وحاصل المبحث أن اجتناب المحرمات وإن قلت أفضل من الإكثار من الطاعات. ومن ذلك اختلافهم في مسألة أيّهما أفضل الغنى مع الشكر؟ ام الفقر مع الصبر؟ والذي يترجح أن الغنى مع الشكر هو الأولى .قال تعالى: " وقليل من عبادي الشكور " / / لصعوبة الأمر.

11- فقه الأولويات في دعوات المصلحين في العصر الحديث:
أهم ما يميز مصلحا اسلاميا من آخر الأولوية الإصلاحية التي استهدفها وأدار حياته وعمله حولها بناء على فهمه للإسلام ورؤيته للواقع، فكان إصلاح العقائد مدار عمل ابن عبد الوهاب، وكان جهاد المحتلين عمل الإمام المهدي، وكانت أولوية الأفغاني نفخ روح النهوض في أمة غافية غلب عليها أعداؤها، بينما اهتم الإمام محمد عبده بتحرير العقل المسلم من أسر التقليد وربطه بالمنابع الإسلامية الصافية وفهم الدين على طريقة السلف وبيان أن الحكومة الإسلامية حكومة مدنية من كل وجه حاكمها بشر يخطئ وتغلب عليه شهوات لا يرده عن طغيانه غير النّصح بالقول والفعل. أما حسن البنّا فقد عني بتصحيح المفاهيم عن الإسلام وأنه عقيدة وشريعة ودين ودولة و وجه جهوده لتكوين جيل ربّاني يفهم الإسلام فهما دقيقا ويؤمن به ايمانا عميقا ويترابط عليه ترابطا وثيقا ويهبه حياته ويجمع ما تناثر من صفوف أمته على كليات الإسلام والعمل به والعمل له بمنآى عن الإختلاف الفقهي والمذهبي. وكانت قضية المودودي الأساسية إعادة النّاس الى حاكمية الله تعالى في مواجهة الجاهلية الحديثة التي تمثلها مدنية الغرب وكانت العقيدة قبل جزئيات الأنظمة أولويته لتحقيق حاكمية الله في الأرض ومن ذلك رفضه الجاهلية المعاصرة في كل مجالاتها واعتبار كل المجتمعات القائمة اليوم جاهلية لا تحتكم لشرع الله في كل مناهج حياتها. إن المنكر الأكبر الذي تنبع منه كل المنكرات هو رفض ألوهية الله برفض شريعته للحياة . والى هذا المنكر الأكبر ينبغي ان تتجه كل الجهود قبل الدخول في المنكرات الجزئية.
author-img
ماذا اقول عن نفسى غير ما اريد الا يعلمه احد عنى فأن انت سألتنى عن نفسى فأن ما تسمعه منى ليس ألا ما استطيع ان أقوله فهل تستطيع ان تسمع ما لا اقوله لك ؟

Comments