كثيرا ما يثار كلام مغلوط حول كون عبد الناصر هو السبب في انفصال السودان عن مصر .. و الكلام مغلوط من عدة اتجاهات سواء من ناحية قانونية او من ناحية سياسية او حتي تاريخية.
فالكلام يفترض ان السودان جزء من اراضي مصر الاصلية مثل الدلتا او الصعيد و هذا ليس صحيح فالسودان كيان سياسي جغرافي مستقل تاريخيا و سياسيا عن مصر منذ عهد الفراعنة و ختي عهد اسرة محمد علي. و الذي كان يحدث هو مناوشات عسكرية حدودية بين الجارين يترتب عليها تدخلات في شئون الدولة الاخري...
و غالبا بمقاييس القوة كانت مصر تقوم باحتلال السودان. لكن هذا لا يمنع من قيام السودان مرات محدودة باحتلال مصر... لكن هذه الافعال يبقي اسمها قانونا و سياسيا احتلال...... اي انها افعال تتم بالقوة المسلحة و دون اعتبار الارادة الحرة للاخرين
.
فوجود مصر في السودان هو احتلال و لا اسم اخر له..... اي ان مصر كانت تحتل السودان و هذا ما نتحاشي القول به و. نجمل الالفاظ حتي لا نواجه أنفسنا بالحقيقة و هي اننا كنا يوما ما دولة احتلال مثل بريطانيا العظمي و إسرائيل ....
و هذا يطرح شئ اخر هو ان اي دولة واقعة تحت الاحتلال من حقها اولا و يتوقع منها ثانية المطالبة باستقلالها...
فالطبيعي ان السودان اما ان يكافح و يحارب من اجل ال استقلاله او ان يقبل بارادة حرة ان يكون مع مصر في اطار سياسي مشترك
لكن يبقي القرار في ايدي السودانيين انفسهم و ليس في ايدي المصريين...
بل إن تصور قبول شعب السودان للوضع القائم اكبر اهانة للسودانيين انفسهم... فلا يتصور وجود شعب ساكن.. خاضع لسلطة من خارج ارضه بل الطبيعي هو الدفاع عن حرية و استقلال الدولة .
يعزز هذا ان علي مر العصور كان الوجود العسكري مرهون بقدرة الآخرين علي طردهم.. بل ان مصر لم تنجح يوما في هضم السودان داخل كيانها القانوني و ظلت حتي يوم الاستقلال لسمها مملكة مصر و السودان .
و من الطبيعي و الامر هكذا ان ينتهي الاحتلال للسودان كما انتهي احتلال الانجليز لمصر
كون ان البعض يتمني ان يري بلده متسعة جغرافيا فله بالتأكيد وسائل اخري اكثر تحضرا من استخدام السلاح و القوة
فالاحتلال يبقي احتلال سواء مارسته مصر او اسرائيل .
طبعا يجب الاهتمام بالالفاظ و الاحداث فدخول الانجليز الي السودان بصحبة القوات المصرية و فرض " الحكم الثنائي " علي مصر و مشاركتها اياها في حكم السودان يوضح ان مصر كانت محتلة و المصطلح يوضح هذا و لم يكن االحاكم الانجليزي للسودان الا دليلا علي هذا . فالتواجد المصري في السودان شكلي .و العلاقة بين مصر و السودان لم تكن اكثر من العلاقة بين الدولة العثمانية و مصر علاقة شكلية بين دولة احتلال ضعيفة منهارة و بين مستعمرة من مستعمراتها يطمع فيها غاصب اجنبي جديد .
و يبقي الاشارة كذلك مهمة الي كفاح الاخوة السودانيين لنيل الاستقلال و رغم ان هذا محل مقال اخر الا ان من المهم الاشارة الي ان السودانيين لم يكونوا في يوم مواطنين سعداء بالحكم المصري / البريطاني لبلادهم بل انهم حاربوا و كافحوا ليتخلصوا منهم تماما كما كنا نفعل ضد الاحتلال البريطاني و ربما اكثر .
و من امثلة الكفاح السوداني ضد الاحتلال المشترك :
انتفاضة »ود حبوبة« في الجزيرة سنة 1908 م. فعبد القادر إمام محمَّد حبوبة انحدر من عائلة ذات نفوذ قويّ عاصر المهدية وشارك في حروبها.و خطط ود حبوبة للقضاء على حكم الأنجليز وإعادة حكم المهدية في السودان، فنظم اجتماعات سرية مع الأنصار وأعدوا العدة لمحاربة الاحتلال . وعندما علمت الحكومة بنشاطه استدعته للمثول أمامها . فرفض فما كان من الحكومة إلا أن أرسلت حملة عسكرية لإخضاعه الا إنه تمكن من هزيمتها وقتل الموظفين ، فما كان من الحكومة من خطورة الا ارسال حملة أخرى هزمت الثوار وأعدمت قائدهم في مايو 1908 م.
أرادت حكومة السودان اعدام كل من شارك في هذه الاحداث . إلا أن وزارة الخارجية البريطانية قررت الاكتفاء باعدام من ثبتت مشاركتهم في قتل موظفي الحكومة فقط خوفاً من الرأي العام البريطاني ، و ربما كانت حادثة دنشواي في مصر سنة 1907 م التي قتلت فيها سلطات الاحتلال البريطاني عدداً من سكان تلك القرية كانت عظة وعبرة للحكومة البريطانية في تعاملها مع انتفاضة ود حبوبة .
و من الاحداث التي تشهد علي كفاح السودانيين ضد الاحتلال ما كان يحدث في النوبة
تمثلت المقاومة النوبية خلال هذه الفترة في رفضهم دفع الضريبة، مما اضطر الحكومة إلى إرسال بعض الحملات لإخضاعهم، كما حدث سنة 1904 م ضد سكان جبل كترا و انتفاضة أهالي تلودى والقرى المجاورة لها سنة 1906 م والتي قتل فيها بعض موظفي الحكومة.
فرضت الحكومة سيطرتها المباشرة على جبال النوبة؛ فوضعت فيها حامية عسكرية وضمتها لكردفان ومنعت منعاً باتّاً امتلاك السلاح الناري . غير أن هذه الإجراءات لم توقف مقاومة النوبة للحكومة؛ إذ شهدت الفترة 1908 - 1914 م عدداً من الانتفاضات، كانتفاضة المك عجبنا سنة 1980 م، وأهالي الدلنج سنة 1909 م، والتي قابلتها الحكومة بحزم شديد إذ أعدمت عدداً من قادة تلك الانتفاضات.
لم يستكين اهل النوبة للاحتلال ، بل تحينوا الفرص لمقاومته. ولعل أهم انتفاضة شهدتها بلاد النوبة انتفاضة الفكي في جبال الميرى 1915 فقد سببت هذه الانتفاضة قلقاً كبيراً للحكومة، فأرسلت حملتين للقضاء عليها؛ ولكنها اضطرت أخيراً إلى مفاوضة الثوار حتى تتفرغ للقضاء على السلطان علي دينار في دارفور حينها سلَّم الفكي علي للحكومة بعد أن وعده المسؤولون بالعفو عنه، ولكنهم غدروا به وسجنوه في حلفا مدة سبع سنوات.
كل هذه الحوادث تبين ان السودانيين كان لهم ارادة حقيقية في الاستقلال و كان جهادهم للاستقلال سودانيا خالصا اي انه تم بصفتهم سودانيين و ليس بصفتهم يحلمون بعودة الحكم المصري الخالص لبلادهم .
من هنا يجب هضم الحقيقة المرة .....
ان استقلال السودان عن مصر اسمه استقلال و ليس انفصال فكلمة انفصال تطلق حينما يكون الفعل من احد اقاليم الدولة و السودان لم تكن اقليما مصريا بل كانت دولة تحت الاحتلال و اي تصرف من الحكومة المصرية او البريطانية في السودان انذاك هو تصرف من دولة الاحتلال لا يعتد به قانونا
تماما كوضع فرنسا في الجزائر و التي اعلنت يوما ما ان الجزائر جزء من الدولة الفرنسية محاولة منها لتغطية وضعها القانوني و السياسي بأنها دولة احتلال . " يتبع "
شهادة الاستاذ يحيى حسين في عبد الناصر
القصة الكاملة لصواريخ القاهر و الظافر
فالكلام يفترض ان السودان جزء من اراضي مصر الاصلية مثل الدلتا او الصعيد و هذا ليس صحيح فالسودان كيان سياسي جغرافي مستقل تاريخيا و سياسيا عن مصر منذ عهد الفراعنة و ختي عهد اسرة محمد علي. و الذي كان يحدث هو مناوشات عسكرية حدودية بين الجارين يترتب عليها تدخلات في شئون الدولة الاخري...
و غالبا بمقاييس القوة كانت مصر تقوم باحتلال السودان. لكن هذا لا يمنع من قيام السودان مرات محدودة باحتلال مصر... لكن هذه الافعال يبقي اسمها قانونا و سياسيا احتلال...... اي انها افعال تتم بالقوة المسلحة و دون اعتبار الارادة الحرة للاخرين
.
فوجود مصر في السودان هو احتلال و لا اسم اخر له..... اي ان مصر كانت تحتل السودان و هذا ما نتحاشي القول به و. نجمل الالفاظ حتي لا نواجه أنفسنا بالحقيقة و هي اننا كنا يوما ما دولة احتلال مثل بريطانيا العظمي و إسرائيل ....
و هذا يطرح شئ اخر هو ان اي دولة واقعة تحت الاحتلال من حقها اولا و يتوقع منها ثانية المطالبة باستقلالها...
فالطبيعي ان السودان اما ان يكافح و يحارب من اجل ال استقلاله او ان يقبل بارادة حرة ان يكون مع مصر في اطار سياسي مشترك
لكن يبقي القرار في ايدي السودانيين انفسهم و ليس في ايدي المصريين...
بل إن تصور قبول شعب السودان للوضع القائم اكبر اهانة للسودانيين انفسهم... فلا يتصور وجود شعب ساكن.. خاضع لسلطة من خارج ارضه بل الطبيعي هو الدفاع عن حرية و استقلال الدولة .
يعزز هذا ان علي مر العصور كان الوجود العسكري مرهون بقدرة الآخرين علي طردهم.. بل ان مصر لم تنجح يوما في هضم السودان داخل كيانها القانوني و ظلت حتي يوم الاستقلال لسمها مملكة مصر و السودان .
و من الطبيعي و الامر هكذا ان ينتهي الاحتلال للسودان كما انتهي احتلال الانجليز لمصر
كون ان البعض يتمني ان يري بلده متسعة جغرافيا فله بالتأكيد وسائل اخري اكثر تحضرا من استخدام السلاح و القوة
فالاحتلال يبقي احتلال سواء مارسته مصر او اسرائيل .
طبعا يجب الاهتمام بالالفاظ و الاحداث فدخول الانجليز الي السودان بصحبة القوات المصرية و فرض " الحكم الثنائي " علي مصر و مشاركتها اياها في حكم السودان يوضح ان مصر كانت محتلة و المصطلح يوضح هذا و لم يكن االحاكم الانجليزي للسودان الا دليلا علي هذا . فالتواجد المصري في السودان شكلي .و العلاقة بين مصر و السودان لم تكن اكثر من العلاقة بين الدولة العثمانية و مصر علاقة شكلية بين دولة احتلال ضعيفة منهارة و بين مستعمرة من مستعمراتها يطمع فيها غاصب اجنبي جديد .
و يبقي الاشارة كذلك مهمة الي كفاح الاخوة السودانيين لنيل الاستقلال و رغم ان هذا محل مقال اخر الا ان من المهم الاشارة الي ان السودانيين لم يكونوا في يوم مواطنين سعداء بالحكم المصري / البريطاني لبلادهم بل انهم حاربوا و كافحوا ليتخلصوا منهم تماما كما كنا نفعل ضد الاحتلال البريطاني و ربما اكثر .
و من امثلة الكفاح السوداني ضد الاحتلال المشترك :
انتفاضة »ود حبوبة« في الجزيرة سنة 1908 م. فعبد القادر إمام محمَّد حبوبة انحدر من عائلة ذات نفوذ قويّ عاصر المهدية وشارك في حروبها.و خطط ود حبوبة للقضاء على حكم الأنجليز وإعادة حكم المهدية في السودان، فنظم اجتماعات سرية مع الأنصار وأعدوا العدة لمحاربة الاحتلال . وعندما علمت الحكومة بنشاطه استدعته للمثول أمامها . فرفض فما كان من الحكومة إلا أن أرسلت حملة عسكرية لإخضاعه الا إنه تمكن من هزيمتها وقتل الموظفين ، فما كان من الحكومة من خطورة الا ارسال حملة أخرى هزمت الثوار وأعدمت قائدهم في مايو 1908 م.
أرادت حكومة السودان اعدام كل من شارك في هذه الاحداث . إلا أن وزارة الخارجية البريطانية قررت الاكتفاء باعدام من ثبتت مشاركتهم في قتل موظفي الحكومة فقط خوفاً من الرأي العام البريطاني ، و ربما كانت حادثة دنشواي في مصر سنة 1907 م التي قتلت فيها سلطات الاحتلال البريطاني عدداً من سكان تلك القرية كانت عظة وعبرة للحكومة البريطانية في تعاملها مع انتفاضة ود حبوبة .
و من الاحداث التي تشهد علي كفاح السودانيين ضد الاحتلال ما كان يحدث في النوبة
تمثلت المقاومة النوبية خلال هذه الفترة في رفضهم دفع الضريبة، مما اضطر الحكومة إلى إرسال بعض الحملات لإخضاعهم، كما حدث سنة 1904 م ضد سكان جبل كترا و انتفاضة أهالي تلودى والقرى المجاورة لها سنة 1906 م والتي قتل فيها بعض موظفي الحكومة.
فرضت الحكومة سيطرتها المباشرة على جبال النوبة؛ فوضعت فيها حامية عسكرية وضمتها لكردفان ومنعت منعاً باتّاً امتلاك السلاح الناري . غير أن هذه الإجراءات لم توقف مقاومة النوبة للحكومة؛ إذ شهدت الفترة 1908 - 1914 م عدداً من الانتفاضات، كانتفاضة المك عجبنا سنة 1980 م، وأهالي الدلنج سنة 1909 م، والتي قابلتها الحكومة بحزم شديد إذ أعدمت عدداً من قادة تلك الانتفاضات.
لم يستكين اهل النوبة للاحتلال ، بل تحينوا الفرص لمقاومته. ولعل أهم انتفاضة شهدتها بلاد النوبة انتفاضة الفكي في جبال الميرى 1915 فقد سببت هذه الانتفاضة قلقاً كبيراً للحكومة، فأرسلت حملتين للقضاء عليها؛ ولكنها اضطرت أخيراً إلى مفاوضة الثوار حتى تتفرغ للقضاء على السلطان علي دينار في دارفور حينها سلَّم الفكي علي للحكومة بعد أن وعده المسؤولون بالعفو عنه، ولكنهم غدروا به وسجنوه في حلفا مدة سبع سنوات.
كل هذه الحوادث تبين ان السودانيين كان لهم ارادة حقيقية في الاستقلال و كان جهادهم للاستقلال سودانيا خالصا اي انه تم بصفتهم سودانيين و ليس بصفتهم يحلمون بعودة الحكم المصري الخالص لبلادهم .
من هنا يجب هضم الحقيقة المرة .....
ان استقلال السودان عن مصر اسمه استقلال و ليس انفصال فكلمة انفصال تطلق حينما يكون الفعل من احد اقاليم الدولة و السودان لم تكن اقليما مصريا بل كانت دولة تحت الاحتلال و اي تصرف من الحكومة المصرية او البريطانية في السودان انذاك هو تصرف من دولة الاحتلال لا يعتد به قانونا
تماما كوضع فرنسا في الجزائر و التي اعلنت يوما ما ان الجزائر جزء من الدولة الفرنسية محاولة منها لتغطية وضعها القانوني و السياسي بأنها دولة احتلال . " يتبع "
شهادة الاستاذ يحيى حسين في عبد الناصر
القصة الكاملة لصواريخ القاهر و الظافر
Comments