القائمة الرئيسية

الصفحات

اثيوبيا و مصر و علاقة الاخوة الاعداء



تعتبر العلاقات المصرية الاثيوبية من اكثر العلاقات الخارجية لمصر تعقيدا و تشعبا .... و هي من اكثر العلاقت التباسا و يكتنفها من سوء النية الكثير من الطرفين .

و بلا شك ان اثيوبيا مع السودان و فلسطين هي اولي و اهم اطراف الامن القومي لمصر و لا يجادل احد ان النيل ربط البلدين بعلاقات لا يمكن فصهما ابدا مهما حاول الاغبياء او الجهلة فالنيل الذي يبدا رحلته القديمة و الابدية من الحبشة شق وريد حياة في جسد شرق افريقيا اسمه وادي النيل او حوض النيل واصبح النيل بذلك رباط يربط جغرافيا و تاريخ شعوب شرق افريقيا ككتلة واحدة من المستحيل لأحد اطرافها الفكاك منها .

ربما كان اولي لبنات العلاقت المصرية الحبشية هي رحلات الملكة حتشبسوت الي بلاد بونت و التي تم تسجيلها علي جدران معابد الملكة المصرية المشهورة و التي اتسمت بطابعين معا طابع الاستكشاف و طابع التجارة و تاريخ بهذا القدم لا بد ان يبين ان العلاقة لا يمكن تجاوزها او استبدالها .

ثم جاءت المسيحية و نمت في مصر و تشربت بالروح المصرية و اخذت مصر دورها في نشر المسيحية في جوارها الحضاري ليس كما وصل اليها فقط بل الاهم كما فهمها الاباء المصريين الاوائل فوصلت الارثوذكسية الي الحبشة و اصبح دين الدولة و مذهبها و اخلصت اثيوبيا للكنيسة المصرية و اصبحت تابع لها مما اوجد علاقة روحية خاصة مع الاسكندرية قبل ان ينتقل بابا مصر الي العاصمة الجديدة التي اوجدها العرب في الفسطاط .

في عام 328 م قام البابا أثناسيوس الكبير بطريرك الكنيسة القبطية بتعيين رئيس للكنيسة الناشئة في مملكة آكسوم إثيوبيا حاليا و كان إسمه فرمنتيوس الا ان الإثيوبيين قاموا باستقباله استقبال كبيرا وأطلقوا عليه "أبا سلامة ، و ظلت الكنيسة المصرية هي المسؤولة عن كنيسة الحبشة فكلما مات المطران أرسلت الكنيسة القبطية بديلا له من مصر قام البابا إثناسيوس بتسليم صلاة القداس باللغة اليونانية ليصلي بها هناك الا ان كون أن الإثيوبين لا يعرفون سوى اللغة الأمهرية فقاموا بترجمة القداس وكانت هذه هي المرة الأولى التي يترجم فيها القداس المرقسي للغة أخرى وكانت للإثيوبيين .

في القرن العاشر الميلادي سقطت الأسرة الحاكمة في مملكة آكسوم و تم تأسيس مملكة دينية علي غرار الممالك الدينية الإوروبية و جعل التتويج الرسمي للملك يتم داخل الكنيسة حيث يمسحه المطران القبطي بالزيت المقدس .
و هكذا تبلور دور جديد للمطران القبطي الذي أصبح مصدرا للشرعية و بالتالي تعاظم تأثير الكنيسة القبطية في المشهد الإثيوبي فكانت هي الضمان لإستمرار تدفق مياه نهر النيل و كذلك ضمان أمن الحدود الجنوبية لمصر
و مع نهاية القرن التاسع عشر تراجعت أسطورة المملكة المسيحية المقدسة و في عام 1930م قامت الكنيسة المصرية برسامة مطران مصري للكنيسة الإثيوبية و 5 من الأساقفة الإثيوبيين و عندما احتلت إيطاليا إثيوبيا احتضنت الكنيسة حركة المقاومة التي شارك فيها الكثير من رجال الدين و اضطر المطران القبطي إلي مغادرة إثيوبيا .

في 1941م رفض الإمبراطور هيلاسلاسي عودة المطران القبطي لإثيوبيا و أرسل وفدا للقاهرة يحمل مطلبه بأن يكون المطران الجديد من الأساقفة الإثيوبيين و إلا فسوف يقطع العلاقات تماما مع الكنيسة القبطية ،و بالفعل تمت رسامة الأنبا باسيليوس في 1950م ليكون أول مطران إثيوبي هناك و رقي في 1959م ليكون بطريرك بناء علي إتفاقية بين الكنيستين لتصبح الكنيسة الإثيوبية مستقلة لكنها تابعة روحيا و عقائديا للكنيسة المصرية . استقلت الكنيسة الإثيوبية و لكن العلاقات لم تنقطع فقن ظلت الكنيستان و شعباهما يتعاملان باعتبارهما كنيسة واحدة رغم الإستقلال .

و اذا كانت هذه هي خرطة العلاقات الروحية بين البلدين الا ان العلاقات السياسية كان لها شكل اخر بالغ السوء فقد شهد القرن التاسع عشر محاولة من الخديوي اسماعيل لفرض هيمنة مصر علي شرق و وسط افريقيا مما اصطدم في النهاية بعد توسعات سريعة في مناطق افريقية كانت لا تزال ضمن المناطق البدائية التي تفتقر الي مقومات المدنية او الحياة البشرية المنظمة .
فبعد اجتياح السودان و اجزاء من وسط و شرق افريقيا وجد الجيش المصري نفسه امام الجيش الحبشي و برغم ان مصر استعانت بخبرات عسكرية غربية علي رأس الجيش الوطني و خصوصا من الجيش الامريكي و بالرغم من ان حمي الاندفاع و الانتصارات السريعة كانت عوامل تضع الجيش المصري في الصدارة الا ان الواقع افرز نتائج اكثر ايلاما للمصريين .

أدت سياسة التوسع التي اتبعها إسماعيل في شرقي أفريقيا، إلى زيادة التوتر بين مصر وأثيوبيا، فقد شعر امبراطور الحبشة يوحنا بأن المصريين قد حاصروا بلاده من جميع الجهات، فبدأ يستعد للحرب مع المصريين، فأخذ يحث جيوشه، ويحصن عاصمته عدوة. وكان يوضح لكل من يتوجه إليه أنه قصد ضرب القوات المصرية الموجودة على الحدود، وقد تأكد منزنجر وهو إداري ومغامر سويسري ومستكشف لأفريقيا. عمل لدى الخديوي إسماعيل في مصر وقاد حملة الحبشة بنفسه من استعداد يوحنا الحربي وأرسل إلى القاهرة يخبرها بمدى خوف الأهالي في هذه المناطق من استعدادات يوحنا الحربية .


في ديسمبر 1874 قام منزينجر باشا النمـساوي بقيادة فرقة من الجيش المصري (1200 جندي) التي تقدمت من كسلا عبر إقليم الدناقل إلى كيرين داخل إثيوبيا. وما أن اعترضت إثيوبيا حتي انسحبت الفرقة المصرية تاركة خلفها حامية صغيرة لحماية الكنيسة الكاثوليكية بالبلدة.

بينما عين الامبراطور يوحنا الرابع الكولونل جون كيركهام من بريطانيا قائدا للقوات الإثيوبية المقاتلة للجيش المصري.تطورت الامور حتي تعرضت القوة المصرية الي كمين مشهور اسمه كمين عدوة و هو كمين سقطت فيه القوات المصرية بقيادة منزينجر باشا بالقرب من عدوة في 7 نوفمبر 1875، حيث وصلت أنباء للإثيوبيين عن تقدم 2000 من المصريين بقيادة منزينگـر من كسلا عبر أگوردات وميريب بإقليم الدنـاقـل (بإريتريا المعاصـرة). تلك القوة سقطت في كمين بالقرب من "عدوة" أعده رجال القبائل الدنقـلاويون الذين أبادوا القوة المصرية عن بكرة أبيها بما فيها مـِنْزنْجـر.

في نوفمبر 1875 تقدم الجيش المصري بقيادة آرندوب مؤلفا من 3000 من المشاة المسلحين ببنادق رمنجتون و 12 مدفع جبلي وتحت قيادة العديد من الضباط الأوروبيين والأمريكان (الكونفدراليين) إلى جوندت في طريقه إلى عدوة حيث هاجمه الجيش الإثيوبي بقيادة الامبراطور يوحنس الرابع من المقدمة. قامت فرقة إثيوبية أخرى بقيادة الراس شلاقة علولة بالانفصال لمواجهة الكتيبة المصرية المتقدمة من قلعة أدي ثم التفت تحت جنح الليل من فوق الجبل حول مؤخرة الجيش المصري الرئيسي المتمركز بالوادي مما أدي إلى سقوط الجيش المصري بين طرفي كماشة - الأمر الذي أدى في صباح 15 نوفمبر إلى مذبحة للقوات المصرية لم ينج منها سوى نحو 300 جندي انسحبوا إلى مصوع تحت قيادة العميد الأمريكي دورنـهولتز ورؤوف بك. قتلى الجيش المصري كان بينهم آرندوب وأراكل نوبار (ابن أخي رئيس الوزراء المصري نوبار باشا) والكونت زيشي ورستم بك. قتلى الإثيوبيين بلغوا 500 في ذلك اليوم. غنم الإثيوبيون 2200 بندقية و 16 مدفع - اثنان من تلك المدافع ما زالا يزينان الساحة الكبرى لمدينة أكـسوم العاصـمة التـاريخية للحـبشـة وعرق الأمـهـرة. و كان من المؤلم ان تطلق إثيوبيا اسـم جوندت على اعلي وسـام عسـكري لديها.ما يشكل دائما وخزا في صدر العلاقات الدبلوماسية بين البلدين
تلا ذلك وقوع معركة اخري بين المصريين و الاحباش هي معركة اجورا ...
و هي معركة فاصلة وقعت أثناء حملة الحبشة، في الفترة من 7 إلى 9 مارس 1876، بين إمبراطورية إثيوبيا ومصر الخديوية قرب مدينة جورا في إريتريا. أسفرت المعركة عن انتصار حاسم للجيش الإثيوبي ـ الذي تفوق عدديًا بشكل كاسح ـ على القوات المصرية الغازية. كان عدد جنود الجيش الإثيوبي المشارك في المعركة حوالي 100 ألف جندي، بينما لم يتعدَّ عدد جنود الجيش المصري 20 ألف جندي، تحت قيادة ظباط غربيين و امريكيين .قام الإثيوبيين بقتل 600 أسير مصري بدم بارد من بينهم الدكتور محمد علي البقلي باشا ونجيب بك محمد.
انتهت حملة الحبشة بكارثة عسكرية لمصر وبينما عادت افراد معدودين من الجيش المصري إلى الوطن، صدرت الأوامر للضباط الأمريكيين بالبقاء في مصوع حتى إشعار آخر، حتى سُرحوا سنة 1878 لأسباب كان من بينها الأزمة المالية.


وصمت هذه الحملة مصر في العقلية الحبشية بصورة الدولة الاستعمارية التي تحاول انتهاز الفرصة لاستعمار اثيوبيا مصلنا مثل الانجليز و الايطاليين ....


و كان من العار ان يخرج علينا بعض الجهلة ليحاولوا اشاعة الخوف لدي الاثيوبيين بادعاء شراؤنا لاسلحة لمحاربة اثيوبيا مما وضعنا في موقف في غاية الحماقة . مما اعاد الي الاذهان هناك مواقف مصر العدائية .




و الواقع ان فترة حكم عبد الناصر كانت افضل فترة للعلاقات بين البلدين ، فقد حاول عبد الناصر و نجح في خلق علاقات قوية و صداقة حقيقية بين البلدين .
كما نجح في احتواء سياسة اخاء مؤثرة مع اثيوبيا كان منها حرص مصر علي دعوة امبراطور اثيوبيا هيلاسيلاسي الي الحضور الي مصر والمشاركة في وضع حجر الاساس للكتدرائية الجديدة و كان لافتا وجود اثيوبيا بصفة رسمية في بناء الكنيسة الجديدة التي تظلل اثيوبيا .
انظر ايضا : شهادة الاستاذ يحيى حسين حول عبد الناصر

author-img
ماذا اقول عن نفسى غير ما اريد الا يعلمه احد عنى فأن انت سألتنى عن نفسى فأن ما تسمعه منى ليس ألا ما استطيع ان أقوله فهل تستطيع ان تسمع ما لا اقوله لك ؟

Comments