القائمة الرئيسية

الصفحات

المطران كابوتشى .... رجل بقامة وطن

 هيلاريون كابوتشي  (2 مارس 1922 - 1 يناير 2017م) 

رجل دين مسيحي سوري، ولد في حلب. أصبح مطراناً لكنيسة الروم الكاثوليك في القدس عام 1965. عُرف بمواقفه الوطنية المعارضة للاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، وعمل سراً على دعم المقاومة. اعتقلته سلطات الاحتلال في آب 1974 أثناء محاولته تهريب أسلحة للمقاومة، وحكمت عليه محكمة عسكرية بالسجن 12 عاماً. أفرج عنه بعد 4 سنوات بوساطة من الفاتيكان، وأبعد عن فلسطين في تشرين الثاني 1978، وقد أمضى حياته بعد ذلك في المنفى في روما حتى وفاته.

كرمته السودان ومصر وليبيا والعراق وسوريا والكويت بطابع بريد يحمل صورته، كما نشر المناضل الراحل داوود تركي شعراً مخصصاً للمطران معبراً عن تقديره واحترامه العظيمين له؛ اطلقت مدينة رام الله اسمه على أحد شوارع المدينة.

اسمه الأصلي "جورج" وكلمة "كبوجي"، وهي كنيته، تعني "البواب" أو "الحارس" بالسريانية، وقد اختار اسم هيلاريون تيمناً براهب ولد في غزة في سنة 291 ميلادية، ونقل طريقة العزلة في الصحاري من المصريين إلى البلاد السورية، وكان والد المطران كبوجي "بشير" يعمل تاجراً للسيارات في حلب وقد توفي باكرا، أما والدته فتدعى شفيقة رباط، وهي قريبة الدستوري الكبير ونائب حلب عن حزب الكتلة الوطنية، إدمون ربّاط.

درس كبوجي في مدارس حلب حتى المرحلة الثانوية، ثم انتقل في سنة 1933 إلى دير الشير في لبنان، وتابع دروسه فيه حتى سنة 1944 عندما غادر إلى دير القديسة آن في القدس لإكمال دروسه اللاهوتية. وقد سيم كاهناً في سنة 1947، وعين مديراً لمدرسة النهضة الوطنية القريبة من بلدة سوق الغرب في جبل لبنان، ثم عين مساعداً للبطريرك مكسيموس صايغ ومسؤولاً عن أبرشيات دمشق وجوارها. وفي سنة 1962 أصبح رئيساً عاماً للرهبانية الباسيلية الشويرية. ثم في سنة 1963 اختير رئيساً عاماً للرهبانية الحلبية، ورقي في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 1965 إلى رتبة المطرانية، وعين نائباً بطريركياً في القدس لطائفة الروم الكاثوليك. وفي القدس ظهرت نوازعه القومية بوضوح وجلاء، فكان الوحيد من بين رجال الدين الذي رفض حضور الاحتفالات والاستقبالات الرسمية التي تنظمها السلطات الإسرائيلية. وفي يوم وفاة جمال عبد الناصر في 28 سبتمبر/أيلول 1970 توجه إلى جميع الأساقفة في القدس طالباً منهم رفع الأعلام السود فوق مقارهم، وقرع الأجراس في أثناء جنازته.

كان كابوتشي من سكان شرقي القدس، لكن المنصب الديني الذي تقلده لم يمنعه الخوض في مجال تهريب الأسلحة للمقاومين الفلسطينين مستندا على حرية الحركة الممنوحة لرجال الدين.

وفي أعقاب المعلومات الجديدة هذه أصبح جهاز الأمن العام (الشاباك) يراقب كابوتشي ويتتبع تحركاته، واتضح بفضل إجراءات التتبع هذه يوم 8 آب 1974 أن سيارته المحمَّلة بالمتفجرات تسير في ظروف مثيرة للشبهة باتجاه القدس وأن كابوتشي نفسه ومساعده يستقلانها. وتقرر إيقاف السيارة فوراً خشية انفجار المتفجرات بداخلها سواء عمداً أو عقب حادث اعتباطي مما قد يؤدي إلى نتائج كارثية.

وهكذا تم، ونُقلت السيارة ومَن فيها إلى مركز الشرطة في حاكورة الموسكوبية القدس حيث تم في ورشة السيارات تفكيكها وتفتيشها مما أدى إلى اكتشاف "غنائم" كثيرة ومنها 4 رشاشات كلاشنيكوف ومسدسان وعدة طرود تحتوي على متفجرات بلاستيكية وصواعق كهربائية وقنابل يدوية وما إلى ذلك.

وعند التحقيق معه أنكر كابوتشي بدايةً ضلوعه في عملية التهريب مدعياً بأنه تم نقل الوسائل القتالية إلى سيارته دون علمه. غير أن مغلفاً عُثر عليه لدى تفتيش أمتعته كتب عليه بخطّه رقم المسؤول الفتحاوي أبو فراس في لبنان أثبت ضلوعه في هذا المخطط. وبالتالي اعترف كابوتشي بأنه تلقى في نيسان 1974 من المدعو أبو فراس حقيبتين ونقلهما بسيارته إلى الضفة الغربية حيث أخفاهما – كما أُوعز إليه – داخل مدرسة الكنيسة اليونانية الكاثوليكية في بيت حنينا. وروى كابوتشي أيضاً أنه طُلب منه في شهر تموز من العام نفسه نقل وسائل قتالية أخرى تم إخفاؤها في أماكن مختلفة داخل سيارته لكن – كما سلف – تم ضبط السيارة عند اعتقاله.

قال كابوتشي يوما " إني لم أزل أعتبر نفسي مطرانا للقدس، والمطران ليس سيدا، المطران هو خادم، المطران هو أب، والوالد عندما يرى ابنه معذبا يهب لنجدته أيا كان الثمن مضحيا بالغالي والنفيس لمساعدته، والمطران هو أيضا الراعي، والراعي عندما يرى الذئب مقبلا يضحي بحياته دفاعا عن قطيعه، قطيعي أنا منذ سنة 1965م يوم دخولي إلى القدس قطيعي هو الشعب الفلسطيني، شعب رأيته بأم العين تحت الاحتلال، شعب مضطهد مغلوب على أمره، حقوقه مهضومة، كرامته مداسة، فكيف تريدني أنني أعتبر نفسي أب لهذا الشعب، راعي لهذا الشعب، أن أبقى مكتوف اليدين، ضميري ووجداني فرض علي أن أهب لمساعدة هذا الشعب، ولقاء مساعدتي ودفاعي عن حقوقه ألقي القبض علي، وقضيت 12 سنة في السجن، وحكم علي 12 سنة بالسجن قضيت منها أربعة، خرجت بعد أربع سنين بناء على تدخل الفاتيكان بشخص قداسة البابا رحمة الله عليه (بولس السادس)، تدخل البابا لأني آنذاك كنت مضربا عن الطعام، وقد مضى على إضرابي عن الطعام سبعة وثلاثين يوم، نزلت خلاله 35 كيلو وبالتالي كانت حياتي في خطر، فتدخل البابا لإنقاذ حياتي، بعد أخذ ورد طويلين بين الفاتيكان وإسرائيل قبلت إسرائيل بإطلاق سراحي بشرط أن أخرج دون أن أعود، خرجت بثمانية نوفمبر 1978م، ولم أزل حتى هذه الساعة أنتظر عودتي إلى وطني إلى قدسي إلى شعبي، أنتظر نهاية غربتي "

دًا على سجن كابوتشي، قامت جماعات فلسطينية مختلفة بشن سلسلة من الهجمات ضد إسرائيل كان أولها في قرية «كفار يوفال» وقاموا بأخذ رهائن في يونيو/حزيران عام 1975، ورفضوا إطلاق سراحهم حتى يتم إطلاق سراح كابوتشي.

لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين رفض الرضوخ لتلك المطالبات، لتأتي هجمات أخرى كان أبرزها في 27 يونيو/حزيران 1976، عندما اختطفت قوات تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين طائرة فرنسية متجهة إلى باريس من تل أبيب على متنها 248 راكبًا.

وتم اصطحاب الطائرة إلى مدينة عنتيبي الأوغندية القريبة من العاصمة كامبالا، ورحب بهم الرئيس الأوغندي عيدي أمين، وطالب بإطلاق سراح الفلسطينيين القابعين في السجون الإسرائيلية ومن بينهم كابوتشي، ولكن أُحبِطت تلك العملية بعملية مضادة نفذتها القوات الإسرائيلية.

أعلن الفاتيكان مساء يوم الأحد 1 يناير 2017 وفاة المطران هيلاريون في العاصمة الإيطالية روما عن عمرٍ ناهز 94 عاماً.

تم نقل الجثمان لاحقًا إلى لبنان حيث أقيمت مراسم دفن كبّوجي في منطقة الربوة في المتن الشمالي، ثم نقل إلى دير المخلص للرهبانية الباسيلية الحلبية في صربا، جونيه حيث دُفن، وذلك بتاريخ 10 يناير/كانون الثاني 2017.

author-img
ماذا اقول عن نفسى غير ما اريد الا يعلمه احد عنى فأن انت سألتنى عن نفسى فأن ما تسمعه منى ليس ألا ما استطيع ان أقوله فهل تستطيع ان تسمع ما لا اقوله لك ؟

Comments