حول مسلسل يوسف الصديق " نظرة الى الدراما "

 في قاع فنجان القهوة الئي تنظر اليه الان بعشق و اشتهاء  أسرار و صراعات تاريخية بين الفقهاء المسلمين فمنذ انتشار القهوة في العالم الإسلامي منذ القرن السادس عشر، انقسم العلماء بين مؤيد لشربها ومعارض . وطيلة القرون الماضية، توسعت زراعة وتجارة البُنّ، و كانت القهوة جزءاً مؤثر في تاريخ البشرية، تصنع الإمبراطوريات، تسبب اندلاع الثورات والحروب فتعال بنا لنغوص في تاريخ القهوة الغريب .

من المؤكد ان الأثيوبيون أول من مضغ ثمرة القهوة، وربما صنع الشراب من أوراقها، فإن الصوفي الشاذلي كان أول من غلى فنجان قهوة من حبوبها وأفشى سرها بين اليمنيين في القرن الخامس عشر  ثم سرعان ما انتشرت بين مجالس الصوفية الذين أطلقوا عليها "خمرة الصالحين"، وذلك رداً على فقهاء حرموها ورأوا فيها نوعاً من المسكرات.

أشعلت القهوة في القرن الخامس عشر معركة فقهية سرعان ما تطورت إلى أحداث شغب. بدعوى أنها "مسكرة ومفسدة" للعقل والبدن، وأشد خطراً من الخمر. الا ان أحد مشايخ الصوفية و يدعى  جمال الدين الذبحاني في اليمن اجاز شرب القهوة، لأنها تعين طلاب العلم على السهر للدراسة  و الذكر.

و في مكة كثرت الفتن والمواجهات بين مؤيديها ومعارضيها الذين استعانوا بالسلطة السياسية. عندها أصدر حاكم مكة قراراً بتحريم القهوة عام 1511، وظل العمل به قائماً حتى عام 1524 ميلادياً. 

ظلت القهوة تعبر الحدودحتى وصلت إلى مصر مطلع القرن العاشر الهجري، مع الطلبة اليمنيون في اثناء وجودهم للدراسة في الجامع الأزهر و سرعان ما علت الأصوات المعارضة لشربها، وصدرت فتاوى تحرمها إلا أنها عجزت عن منع انتشارها بين جمهورها. 

و لكم يظل اكثر من ناصبها العداء  السلطان مراد الرابع خلال القرن السابع عشر ، حيث أمر بقطع رأس شاربها  فكان يتجول في المدينة بحثاً عن المخالفين.و ساعده علماء الدين الأتراك بالتحذير انها تؤدي إلى القيام بتصرفات غير لائقة.  

تحريم القهوة من قبل بعض الفقهاء قابله دفاع عنها من آخرين. مثل الشيخ أبي بكر المكي الذي ألف رسالته "إثارة النخوة بحُكم القهوة"، و  الشيخ أبو الفتح المكي و القاضي محمد بن إياس الذي أجرى تجربة في بيته قبل إصدار الفتوى. حيث دعا إلى دراته جماعة من الناس وقدم لضيوفه القهوة، واستمر في الحديث معهم في قضايا فقهية وعلمية اختباراً لتركيزهم، وعندما رأى أنّهم حافظوا على تركيزهم، أقرّها وأفتى بأنها حلال.

تسلّح الملوك والسلاطين بالفتاوى الدينية التي أصدرها الفقهاء لتحريم القهوة، فكانت حجتهم أنها تسمم الروح والجسد. لكن بعض المتتبعين لتاريخها وجدوا أن حظرها يعود لأسباب سياسية. ففي المقاهي يتجمع الناس وتدور النقاشات والأحاديث، وفيها تفشى الأسرار، ومنها تنطلق الثورات والتظاهرات. ولأن القهوة لها مفعول كيميائي سحري تورط فيه كبار المفكرين أمثال فولتير الذي كشف أنه كان يحتسي 40 فنجاناً من القهوة يومياً، لهذا فهي كانت مصدر قلق لقدرتها على تنشيط الخيال والأفواه معاً، وهذا ما لم يكن يريده الحكام.

وصلت القهوة إلى أوروبا في أواخر القرن الـ16 الميلادي و قد اكتسبت شعبية كبيرة لمذاقها من ناحية و في طرد النعاس وتمديد ساعات السهر والعمل أيضاً، مما دعى القوى الاستعمارية في إنجلترا وإسبانيا والبرتغال وفرنسا وهولندا التي التفكير في إنتاج القهوة الخاصة بها من خلال إنشاء مزارع شاسعة لها بمستعمراتها الجديدة بجنوب العالم .

الا ان هذا ادى الى رواج واستمرار العبودية في القرون الـ17 والـ18 والـ19.لانها كانت بحاجة لليد العاملة القوية والرخيصة في الوقت نفسه؛ لذلك لجأت إلى سوق العبيد في غرب إفريقيا، ونقلت مئات الآلاف من الرجال والنساء إلى العالم الجديد، بأمريكا الجنوبية وجزر بحر الكاريبي، 

كانت المستعمرة الفرنسية "سانت دومينيك" بالكاريبي، تحصد ثلثي المحصول الزراعي العالمي للقهوة بحلول أواخر القرن الثامن عشر، وذلك إلى غاية حرق مزارع البُنّ لتلك المنطقة ومقتل مالكيها، خلال الثورة الهايتية في العام 1791.

أما البرتغال فقد سعت، لتكثيف زراعة البُنّ في البرازيل وجلبت أكبر عدد  من العبيد إلى العالم الجديد وبعد إعلان استقلال البرازيل  استمرت زراعة البُنّ باعتباره اساس لاقتصاد البلد  والمؤثر الرئيسي في حياتها الاجتماعية والسياسية، حتى إنّها تعتبر آخر بلد يعلن إنهاء العبودية في العالم الغربي، وكان ذلك في العام 1888.

و من غرائب القهوة ان بلد مثل سويسرا كانت تخزن كميات من البن بين الحرب العالمية الأولى والثانية تأهبا لحدوث أي نقص محتمل كاحتياطى قومى على اساس انها مادة مهمة للحياة و لكنها حاليا تريد التخلص من هذا المخزون الاحتياطي من القهوة بعد إعلانها أن القهوة "ليست ضرورية" من أجل بقاء الإنسان.واستمر الأمر في العقود التالية للتصدي لأي نقص في القهوة ناتج عن الحروب أو الكوارث الطبيعية أو الأوبئة.  لكن المعارضة للأمر تتزايد.