القائمة الرئيسية

الصفحات

وجّه تشو سونغ هوي مسدسه صوب نفسه قبل أن يتمكّن عالًم أعصاب من إخضاعه لتصوير للدماغ ولمسح للحائه بحثا عن نشاط غير طبيعي. كما لم يحلل أي عالم للجينات حمضه النووي ترصدا لجينات تعزز التصرفات الانفعالية أو العدوانية أو العنيفة. ومع أن طبيبا في مستشفى للأمراض العقلية خلص في تقريره أواخر عام 2005 إلى أن "حسه العاطفي معدوم ومزاجه مكتئب" بعد أن طارد زميلتين له في الجامعة، لم تتسن الفرصة لأي عالم للنفس أن يسأله لماذا كتب مثل هذه المسرحيات والمقالات المزعجة والممتلئة بالشياطين مما دفع بأستاذته إلى إحالته على الاستشارة النفسية في الخريف الماضي. وأخيرا لم ينظر أي عالم اجتماع إلى الطريقة التي صقل بها المجتمع الأمريكي هذا المهاجر الكوري الجنوبي ابن الـ23 عاما خلال إقامته 15 سنة في الولايات المتحدة.وفيما يغرينا أن نصنّف تشو في عداد المجانين من دون أي بحث أو تمحيص إضافيين، لن يعرف أيّي منا يوما على وجه التأكيد لماذا قتل تشو اثنين من زملائه في المسكن الداخلي لجامعة فرجينيا التكنولوجية قبل أن يُجهز على حياة 30 شخصا إضافيا في مبنى للصفوف في الجهة الأخرى من الحرم الجامعي بعد أكثر من ساعتين على جريمته الأولى. لكن الأسئلة التي لم تُطرح، والتي ربما لا أجوبة عنها، تظهر مدى التعقيد الجديد للبحث عن مسببات العنف.ومنذ فترة ليست ببعيدة، أشار العلماء إلى جينات ومجموعة دوائر دماغية، ونشاط مفرط وتربية قاسية من جانب الأهل إضافة إلى "ثقافة حمل السلاح" في أمريكا لشرح الأهوال التي شهدتها البلاد من هيجان تشارلز ويتمن في جامعة تكساس بمدينة أوستن عندما تسلق مبنى شاهقا عام 1966 [وأطلق الرصاص على المارين] مرورا بجورج هينارد الذي قتل 23 شخصا في أحد مطاعم كيلين بولاية تكساس عام 1991 وصولا إلى مجزرة ثانوية كولومباين عام 1999. لكن رغم أن بعض الناس الذين يحملون جينة غير طبيعية يكبرون ويصبحون خطرا على المجتمع، يبقى آخرون لديهم الجينة ذاتها طبيعيين. وفيما يرتكب بعض الذين يعانون نشاطا مفرطا في بعض أنحاء الدماغ الجرائم العنيفة، لا يقوم آخرون في الحالة ذاتها بالأمر عينه. وإن كان كل طفل اعتاد على العنف لأنه تمرس على لعبة الفيديو Grand Theft Auto أو لأنه شهد مطولا خلافات بين ذويه خلال طفولته ـ وهذه عوامل خطر قد تؤدي إلى العنف ـ سيرتكب مجزرة، لما كانت جرائم مثل تلك التي ارتكبها تشو تدفع بمراسلي المحطات التلفزيونية للبث من مواقع المجازر.واليوم يعتقد العلماء الذين يدرسون العنف الإجرامي ــ المرتكب خارج إطار الحروب والنزاعات الأهلية ــ أن جذوره ضاربة بشكل متساو في بيولوجيا الفرد، في الاستعداد النفسي الذي يعكس التفاعل بين السمات الفطرية والتجارب، كما في ثقافة المجتمع بشكل عام. فما من سبب واحد كاف وما من عوامل تحتّم تصرفات معينة. ويقول عالم النفس جيمس غاربارينو، من جامعة لويولا بمدينة شيكاغو الذي درس نفسية القتلة في المدارس: "الأمر أشبه بولد يركّب برجا من القطع الخشبية. في النهاية، سينهار البرج. بوسعكم عندئذ الإشارة إلى القطعة الأخيرة باعتبارها السبب. لكن في الواقع الأمر مرتبط بتراكم عوامل الخطر".فلو نشأ شخص مستنسخ عن تشو يحمل جينات مطابقة له في بيئة مختلفة وعاش تجارب مختلفة لما كان على الأرجح حقق رقما قياسيا في أمريكا لأضخم عملية قتل جماعي: ومع أن تركيبته البيولوجية كانت ستكون مختلة بما فيه الكفاية، إلا أن وضعه النفسي ــ وهو وليد التجارب المتفاعلة مع البيولوجيا ــ كان سيصبح مغايرا. وبشكل مشابه، لو أن تشو ترعرع، على سبيل المثال، في اليابان، لما كان أفرغ بشكل شبه مؤكد حقده وغضبه: فربما تمهّد البيولوجيا والاستعداد النفسي الطريق لارتكاب الجرائم لكن ثقافة المجتمع كانت ستحول، على الأرجح، دون حصولها. (وليست اليابان بالطبع بمنأى عن الجرائم البغيضة: فغداة مجزرة جامعة فرجينيا التكنولوجية، أردي عمدة مدينة ناكازاكي قتيلا بنيران مسدس أحد رجال المافيا فيما كان يمشي على الرصيف). لكن ما يصبح جليا أن العنف الإجرامي يعكس ويستلزم اليد السوداء للبيولوجيا الفردية والتجارب الشخصية والثقافة المجتمعية المحيطة بالمرء إضافة إلى إرادة لنزع حياة الناس بأعصاب باردة.وعندما كان علم الجينات السلوكي في أوجه قبل عقد أو عقدين، كان العلماء يبحثون عن جينة تخلق استعدادا عند الناس للعنف، وبدت عائلة هولندية كبيرة من المجرمين المختلين المثال الرائع الذي كان يتوق إلى إيجاده العلماء. فقد ارتكب 14 رجلا من هذه العائلة جرائم انفعالية أو عدائية من بينها إحراق مبان ومحاولة اغتصاب. وفي عام 1993، أفاد العلماء بأن الـ14 كانوا يحملون جميعا الجينة ذاتها على كروموزوم أكس. وتفرز الجينة أنزيما يدعى أم أيه أوه أيه يحطّم عوامل كيميائية في الدماغ مثل السيروتونين والنورأدرينالين. وفي الحالة الطبيعية، تنتج هذه الجينة الكثير من الـ أم أيه أوه أيه لكن في حالات الاختلال، تفرز الجينة معدلات متدنية من هذا الإنزيم. وقد ربطت دراسات عند الحيوانات المعدلات المتدنية من الإنزيمات بالعدوانية ربما لأنه عندما يكون الـ أم أيه أوه أيه شحيحا، يبقى الدماغ في حالة توتر بسبب العوامل الكيميائية الكثيرة مما يؤدي إلى العدوانية.لكن سرعان ما وجدت نظرية "جينة العنف" نفسها على أسس غير متينة. ففي عام 2002، وجد علماء تابعوا 442 رجلا من نيوزيلندا منذ ولادتهم أن أنزيم أم أيه أوه أيه ليس جازما كما أشارت إليه الدراسة الدنماركية. صحيح أن الرجال الذين يحملون جينة لا تفرز الكثير من الـ أم أيه أوه أيه أكثر ميلا إلى التعارك والتنمر وتعذيب الآخرين والجرائم العنيفة من الرجال الذين يُفرز عندهم هذا الأنزيم بشكل عال. لكن ذلك لا يصح إلاّ في حال عانوا خلال طفولتهم الإهمال وسوء المعاملة. وإذا لم تُسأ معاملتهم، فإن الرجال الحاملين معدلات منخفضة من هذا الإنزيم ليسوا ميالين إلى العنف. وبالتالي فإن الجينة وحدها لا تعطي إجابة وافية. وهي ليست بعامل محتّم أي أنها لا تجعل المرء عنيفا على الدوام لكنها تخلق "استعدادا": فلو أسيئت معاملة ولدين، من يحمل بينهما الجينة التي تفرز معدلات متدنية من الإنزيم المذكور لديه استعداد أكبر ليرتكب جرائم عنيفة في المستقبل هذا لو أمّن المجتمع أرضية خصبة لكي ينمو مثل هذا الاستعداد.والطريق التي تربط بين الجينات والسلوك تعبر الدماغَ. ففي أبحاثه حول القتلة، يصنّفهم أدريان راين من جامعة ساذرن كاليفورنيا بأنهم إما انفعاليون، مثل أولئك الذين يقتلون ردًّا على إهانة أو تجاهل (أكان فعليا أم متخيلا)، أو مبادرون، مثل أولئك الذين يقتلون لتحقيق هدف مخطط له مثل السرقة. ويظهر المجرمون المبادرون أنماطا في نشاط الدماغ مماثلة للأشخاص الطبيعيين غير العنيفين بحسب ما أفاد به راين عام 1998. لكن عقول القتلة الانفعاليين تظهر بوضوح نشاطا متدنيا في اللحاء الجبهي الأمامي وهي منطقة وظائف "تنفيذية" مثل إصدار الأحكام والتخطيط والتفكير المجرد وهي تساهم في كبح جماح السلوك الانفعالي غير الملائم وتساعد على التحكم بالتصرفات. ويقول راين: "هذا هو الجزء من الدماغ الذي يقول «لنتوقف ونفكر في الأمر ثانية». لديه تأثير مهدئ على مناطق العواطف في الدماغ التي ينبع منها الغضب والغيظ المكبوتين". ويقول عالم النفس والأعصاب دانييل أمين، الذي يترأس سلسلة من أربع عيادات نفسية وكان وجد في عقل كيب كينكل، الذي قتل والديه ثم أطلق النار على أكثر من 20 تلميذا في سبرنغفيلد بولاية أريغون عام 1998 عندما كان في الـ15 من العمر، أن "نشاط اللحاء الجبهي الأمامي المنخفض يعني أيضا اضمحلالا للتقمص العاطفي" وهو يسأل: "كيف بالإمكان أن تقتل 32 شخصا وأن تتمتع بأي نوع من التعاطف. هذا مرتبط أساسا بالنشاط المنخفض في اللحاء الجبهي الأمامي".وفي أدمغة القتلة الانفعاليين، يترافق الهدوء المخيف في المناطق الجبهية الأمامية مع نشاط متزايد في المناطق الطرفية، مركز العواطف. ويقول راين: "هذا ما يسفر عن العدوانية وتحكم أقل للجبهة الأمامية بهذه العدوانية. فالأمر أشبه بعصفورين بحجر واحد مما يزيد من فرص التصرف بعدائية". ومن المناطق التي تزيد أيضا الانفعال تلك التي تركز الانتباه على أمر معين وتدعى التلفيف الحزامي. ويقول أمين: "تصبح مهووسا. من لديه أفكار عنيفة لا يمكنه نسيانها. فالتركيز على أمر ما من إشارات هذه الحالة".إلا أن علم الأعصاب خضع لتغيير في المنظور منذ بدء أبحاثه حول أدمغة المجرمين. فالباحثون يعرفون اليوم أن التجارب الشخصية وحتى التأمل الباطني قادران على تعديل أنماط الدماغ. فعندما يتعلم الناس الذين يعانون اضطرابات هوسية قهرية النظر بطريقة مختلفة إلى أفكارهم بوسعهم التخفيف على سبيل المثال من نشاط التلفيف الحزامي. وهذا ما يطرح إمكانية أن يكون النشاط الدماغي غير الطبيعي لدى القتلة هو بحد ذاته نتيجة تجارب مروا بها أو أفكار راودتهم بدل أن تكون محفورة فيهم منذ الولادة. كما كان يُعتقد أن التستوستيرون يولّد العدوانية وأن مزيدا من التستوستيرون يولّد مزيدا من العدوانية. لكن في الواقع، إن التفاوت في معدلات التستوستيرون عند الأفراد (طالما تتراوح بين 20 بالمائة و200 بالمائة من الحد الطبيعي) لا تسبب اختلافات في معدلات العدوانية كما أن تغيرات في معدلات التستوستيرون عند رجل ما على مر الزمن لا تنبئ بتغيرات في مستوى العدوانية لديه بحسب ما جاء في كتاب The Trouble With Testosterone (المشاكل الناجمة عن التستوستيرون) لعالم الأعصاب في جامعة ستانفورد روبرت سابولسكي. وحدها معدلات تتعدى على الأقل أربع مرات الحد الطبيعي (كما يمكن أن يحصل خلال "سورة غضب ناجمة عن تعاطي المنشطات") قادرة على خلق مشاكل. وتماما كما أن التجارب بوسعها تعديل الدماغ، فإن السلوك قادر على تعديل البيولوجيا: فبمقدور العدوانية زيادة معدلات التستوستيرون أكثر حتى من قدرة التستوستيرون على زيادة العدوانية.ويكتب سابولسكي: "كان سيصبح رائعا وجود جينة واحدة أو هرمون واحد أو ناقل عصبي واحد أو جزء من الدماغ مسؤول عن الظاهرة برمتها، وكان السبب والتبرير" للعنف. لكن "البيولوجيا السلوكية عند المرء غير ذات جدوى عادة إذا فصلناها عن إطار العوامل الاجتماعية والبيئة التي حصلت فيها". وهذا يعني أن البحث عن أسباب العنف الرئيسية لا بد من أن ينتقل إلى الوضع النفسي أي التفاعل بين البيولوجيا والحياة التي نعيشها.وقد حاول علم النفس الشرعي وضع توصيف للمرتكب "النموذجي" للقتل الجماعي لكن بنجاح محدود. فأكثر من 90 بالمائة من القتلة، وحتى أكثر في حالة مرتكبي القتل الجماعي، من الذكور. (رغم أن ذلك قد يتبدل تماما كما هو الوضع اليوم في الشرق الأوسط مع الفدائيات). وتتراوح عادة أعمار مرتكبي القتل الجماعي بين 25 و35 سنة رغم أن المجازر في المدارس ارتكبها أشخاص أصغر سنا. وقلة منهم لديهم سجل عدلي إجرامي. ويقتل بعضهم بدافع الانتقام وآخرون من أجل الشهرة. ويعطي بعضهم إشارات تحذيرية واضحة مثل كتابات تشو الممتلئة بالعنف، أما البعض الآخر فيضرب من دون سابق إنذار. وبعضهم يقتل أشخاصا من معارفهم وآخرون يتعرضون لأي شخص في المتناول. ويقول لويس شلسينغر، وهو أستاذ علم النفس الشرعي في كلية جون جاي للعدالة الجنائية في نيويورك إنه بدل أن يكونوا أشخاصا لطفاء يحبون التحكم بالناس، فإن مرتكبي القتل الجماعي تعساء ومجرحون عاطفيا ومكتئبون سريريا ومنعزلون اجتماعيا والأهم أنهم مصابون بجنون الشك والاضطهاد.إنه نوع خاص من الجنون: ميل للوم الجميع ما عدا أنفسهم على مشاكلهم والاعتقاد بأن العالم بأسره ضدهم وأن الحياة غير عادلة. ويقول جيمس آلين فوكس، وهو أستاذ العدالة الجنائية في جامعة نورث إيسترن: "يعتبرون الآخرين مسؤولين عن مشاكلهم» فالذنب ليس ذنبهم هم أبدا. ولذا عندما يتوصلون إلى قرار بأن الحياة ليست جديرة بالعيش يقررون أن يأخذوا آخرين معهم، أي من يحملونهم المسؤولية". في شريط الفيديو الذي أرسله إلى محطة أن بي سي، قال تشو موجّها لوما قاسيا: "لقد دفعتموني إلى الزاوية فلم يبق لي سوى خيار واحد... واليوم باتت أيديكم ملطخة بدماء ستدمغها إلى الأبد". وغالبا ما يكون اقتراح الاستشارة النفسية بلا جدوى. ويقول عالم الاجتماع جاك ليفن من جامعة نورث إيسترن، الذي أعطى العام الماضي محاضرة في جامعة فرجينيا التكنولوجية عن مرتكبي القتل الجماعي: "ستكون إجابتهم: ـ مستشار نفسي؟ معالج؟ أنا الشخص العاقل الوحيد في هذا الحرم الجامعي ـ لقد باتوا غرباء جدا عن المجتمع لدرجة أنه ما من أمر يمكنكم القيام به عدا إدخالهم عنوة إلى مستشفى للأمراض العقلية".وقد يحاول بعض مرتكبي القتل الجماعي التأثير في عالم يعتبرون أنه جعلهم بلا حول ولا قوة. ويقول شلسنغر: "غالبا ما يشعرون بظلم كبير بحقهم. هم غاضبون ويريدون أن ينفّسوا عن غضبهم على هذا العالم. يطورون فكرة مفادها أن القتل هو الحل مهما كانت مشكلتهم ويصبحون ثابتين في نظرتهم هذه". وقد تتراوح المشاكل بين خسارة عمل (فالكثير من عمليات القتل في المكاتب ارتكبها موظفون سابقون حاقدون) وانتكاسة مالية وحتى انفصال عاطفي موجع. لكن فيما هذه الآلام قد تدفع بالقاتل إلى الحافة، إلا أنه كان يتمايل أصلا على هذه الحافة نتيجة لسلسلة طويلة مما اعتبره إهانات ومحن وعلاقات فاشلة. ويقول ليفن: "لا تحصل على علامة ــ ضعيف ــ على دفتر العلامات ثم تفتح النار على 30 شخصا. لا بد من سلسلة مطولة من الاحتقان. هؤلاء الأشخاص مكتئبون وتعساء بشكل مزمن".وهذا ما يطرح السؤال حول مصدر هذه التعاسة وما يترتب عنها من حقد وامتعاض وغضب. ومن المنطقي النظر عندئذ إلى الطفولة المبكرة. وتجد الدراسات أن حوالي 45 بالمائة من الفتيان الذين يرتكبون جرائم عنيفة بحلول ربيعهم الـ17 ونحو 69 بالمائة من الفتيات كانوا جميعا عدائيين بشكل غير طبيعي في طفولتهم وكانوا يفتعلون المشاكل مع أولاد آخرين. ومن النادر جدا أن يظهر العنف للمرة الأولى في العقد الثالث من حياة المرء. (لكن العكس ليس صحيحا. فمعظم الشبان العدائيين يهدؤون ولا يمسون راشدين عدوانيين على الأرجح لأن الدوائر الدماغية المسؤولة عن إصدار الأحكام والتحكم بالنفس لا تنمو كليا إلا في أواخر العقد الثاني وبداية العقد الثالث).لكن العلاقة بين العدوانية في سن الطفولة والعنف فيما بعد لا تتبع المعادلة البسيطة بأن العدوانية تولّد العدوانية. وبدلا من ذلك، فإن طفلا عدائيا، إذا كان لا يسعه التحكم بانفعالاته أو كان خجولا بشكل مرضي أو غير قادر على فهم نبرة أصوات أولاد آخرين يثير سلوكا ومعاملة معينة من الأنداد والأهل. فليس بمقدور طفل غريب أن ينسج علاقات صداقة. إذ إن نزواته تبعد الأولاد الآخرين. كما أنه يمتحن صبر أهله وحبهم له. وهذا التأرجح ذهابا وإيابا بين الميول الفطرية ـ أكانت بسبب الجينات أو الدوائر الدماغية، لا يهم ـ يعظّم المزاج أو السلوك الذي يطرح مشاكل ويصقل نفسية تدفع باتجاه تصرف إجرامي. وقد وجدت دراسة أعدت عام 2006 وتناولت 334 مراهقا أن الفتيان الذين أظهروا عدائية انفعالية بعمر السابعة أصبحوا بعمر الـ16 انفعاليين وعدائيين وخائفين اجتماعيا ومن دون أصدقاء. لقد كان تشو منعزلا جدا لدرجة أنه كان لا يتحدث إلى الطلاب الذين شاطروه غرفته إلا نادرا، وفي الشريط الغاضب الذي أرسله إلى أن بي سي يستشيط غيظا عندما يقول: "لقد حطمتم قلبي واغتصبتم روحي وأحرقتم ضميري".وتماما مثلما اكتُشف أن تعديل الجينات قد يكون منوطا بالبيئة وأن دوائر الدماغ تعكس تجارب الحياة، فإن أمرا آخر قد ظهر للعلماء أخيرا: إن المزاج الفطري عند الولد يحدد كيف يعامله العالم ونتيجة لذلك إما يتعزّز المزاج أو يتعدّل. فطفلة خجولة بالفطرة وتحمل جينة مرتبطة بالخجل قد تكبر وتصبح شخصا منفتحا اجتماعيا كما الأولاد الآخرين فيما لو شجعها والداها على الانفتاح بدل الانطواء.القتلة الذين يختارون ارتكاب جريمة مصحوبة بدعاية كبيرة مثل تشو يسعون إلى فرصة أخيرة لإضفاء معنى على حياتهم. تقول جانا مارتن، المعالجة النفسية في لونغ بيتش بولاية كاليفورنيا: "ربما يفكرون: ـ قد لا أحقق شيئا في حياتي، لكنني سأموت وقد أنجزت شيئا. هذا تأثيري الأخير في العالم، وبياني الأخير ـ. حلمهم أن تكون الكلمة الأخيرة لهم، حتى لو لم يعيشوا لرؤية ذلك". عودة إلى الفيديو: "ظننتم أنكم تخمدون حياة صبي مثير للشفقة. بفضلكم، سأموت مثل يسوع المسيح، لإلهام أجيال من الأشخاص الضعفاء والعاجزين". مع أن هذا يدل على عقدة التشبه بالمسيح، فإن الأبحاث غير كافية حول ما إذا كان الإيمان الديني يزيد أو يقلل من احتمالات لجوء شخص إلى القتل الجماعي. على الصعيد الوطني، فإن بلدان أوروبا الغربية التي يتذمر البابا بنديكت من أنها تتخلى عن إرثها المسيحي تشهد أدنى مستويات القتل. وعلى الصعيد الفردي، ثمة أدلة تشير إلى أن ارتياد الكنيسة بانتظام سيعزز الاندماج الأخلاقي"، كما يقول جاك ليفين. لكن التدين المفرط إلى حد سماع أصوات ومشاهدة رؤى غالبا ما يرتبط بانفصام في الشخصية.فالقتلة الشبان يسهل التأثير فيهم عادة، ويقلدون جرائم تمت تغطيتها على نطاق واسع. وعمليات القتل في مدرسة كولومباين أوحت بعدة عمليات قتل مشابهة. وفي تصريحه المصور، يذكر تشو "شهداء مثل إريك وديلان"، القاتلين في كولومباين. إن وصفهما بالشهيدين أمر لافت. في الدراسة الأكثر شمولية التي أجرتها وزارة التربية والاستخبارات الأمريكية حول مطلقي النار في المدارس بعد حادثة كولومباين، درس الباحثون 37 حالة مماثلة تضمنت 41 مطلق نار خلال السنوات الـ 25 الماضية. يقول ويليام بولاك، عالم النفس في جامعة هارفارد الذي يعمل في مستشفى ماكلين: "عند حصول عمليات إطلاق النار، كان 78 بالمائة من الجناة يميلون إلى الانتحار. والذين نجوا قالوا إنهم يتمنون لو أن الشرطة قتلتهم. كانوا منعزلين وشعروا بأن الآخرين يتنمرون عليهم ويضايقونهم. أرادوا الموت".مع ذلك، فإن شعور المرء بالإحباط المزمن ولومه الآخرين على مشاكله والانعزال الاجتماعي عوامل غير كافية لحثه على القيام بعمليات قتل جماعية. يقول بيتر شيراس، المعالج النفسي في جامعة فرجينيا: "لو كان جميع من في هذه الفئة قتلة جماعيين، لما بقي أحد على قيد الحياة على كوكبنا". تلزم بيئة معينة لجعل المرء يفقد صوابه في النهاية.بعد أقل من 24 ساعة على حصول جرائم بلاكسبورغ، تهجم رئيس الوزراء الأسترالي جون هاورد على "ثقافة حمل الأسلحة السلبية جدا في الولايات المتحدة". وترددت هذه المشاعر في أنحاء العالم وذكرت بكيفية حصول كيب كينكل على الأسلحة بسهولة تامة. يقول غاربارينو من جامعة لويولا: "اقترح معالج نفسي أن يشتري له والده سلاحا كي يكون لديهما ما يفعلانه معا. الناس في ثقافات أخرى يذهلون عندما يسمعون ذلك".الأسلحة هي التي تسببت بهذا العدد الكبير من الضحايا في بلاكسبورغ وكولومباين» لا نسمع عن حالات كثيرة من الطعن الجماعي. لكن المؤرخين لطالما أشاروا إلى ميل الأمريكيين إلى العنف بغض النظر عن انتشار الأسلحة. في مجموعته الصادرة عام 1970 بعنوان American Violence: Documentary History (العنف الأمريكي: تاريخ موثق)، كتب ريتشارد هوفستاتر عن "التواتر المدهش، وشيوع" العنف في التاريخ الأمريكي. وقال المؤرخ لورانس فريدمان من جامعة ستانفورد إن الأمر "يتأتى حتما من صميم النفسية الأمريكية... وقائع الحياة الأمريكية أدت إلى ذلك... ربما كانت الجريمة جزءا من ثمن الحرية".بحسب الإحصاءات، يجب أن تكون معدلات جرائم القتل في الولايات المتحدة متدنية، وهذه الإحصاءات تستند إلى مدخول البلد. معدل جرائم القتل في بريطانيا مثلا بلغ 1.5 جريمة قتل لكل 100000 نسمة بين عامي 1998 و2000. وكان هذا المعدل 1.1 في اليابان، و54 في جنوب أفريقيا، في حين أن معدل جرائم القتل في الولايات المتحدة كان 5.9 لكل 100000 شخص، وهو أعلى من المعدل التركي البالغ 2.5. لذلك من الواضح أن للثقافة تأثيرها. كيف؟إن الولايات المتحدة عبارة عن أمة من المهاجرين. والناس الذين يقررون ترك كل شيء وتجربة حظهم في بلد بعيد، كما يقول عالم النفس جون غارتنر من جامعة جونز هوبكنز: يتمتعون بالطاقة اللازمة ومستعدون للمجازفة". بالنسبة إلى معظم المهاجرين، هذا يعني أنهم يتمتعون باندفاع يوصلهم إلى النجاح في بلدهم الثاني. لكن بالنسبة إلى القليلين منهم، فإن المجازفة المقرونة بالتهور قد تؤدي إلى العنف، "ومعدل العنف أعلى في البلدان المؤلفة من مهاجرين مثل أستراليا وأمريكا"، كما يقول غارتنر. إذا كانت الحواجز اللغوية أو الثقافية تمنع ولدا مهاجرا من الاندماج في المجتمع، فهذا يزيد من احتمالات انعزاله، ولجوئه إلى العنف، إن اجتمع لديه ما يكفي من الحوافز.إن معدلات العنف الإجرامي أعلى في المجتمعات المتنوعة المتنقلة حيث يصعب الاستقرار وترسيخ العلاقات الاجتماعية التي تربط الناس بالمجتمع. مجتمع الولايات المتحدة هو بالطبع دائم التنقل، وبالتالي، فهي أمة مؤلفة من الغرباء. ونسبة جرائم القتل والعنف أعلى في البلدان التي تكون فيها المداخيل متفاوتة جدا بين الطبقات الاجتماعية. الولايات المتحدة على رأس اللائحة إن أخذنا هذه المشكلة بعين الاعتبار. ربما ليس من قبيل المصادفة قول تشو بغضب: "لم تكن سيارات المرسيدس كافية أيها المدللون. ولم تكن قلاداتكم الذهبية كافية أيها المتكبرون. ولم تكن حساباتكم الائتمانية كافية".منذ أيام توكفيل، تكهن المراقبون بأن الشخصية الأمريكية صقلت على حدود المجهول. بعيدا عن الحضارة والقانون، بدأنا نبجل الفرد القوي الذي يطبق العدالة بنفسه. وفي حين أنه يصعب تطبيــق نظرية "الشخصية الأمريكية" على فورة قتل ارتكبها مهاجر كوري عاش هنا مدة 15 عاما يسهل خلالها التأثر بالبيئة المحيطة، ما كان بإمكان تشو تجنب الانغماس في النواحي التنافسية والفردية للثقافة الأمريكية. يقول فوكس: "في هذا البلد أكثر من غيره، نكن الإعجاب للفائزين ونلوم الناس على عيوبهم. القتلة الجماعيون غالبا ما يكونون خاسرين، ولديهم تاريخ حافل بالفشل. ويترسخ لديهم الشعور بأنهم عديمو القيمة" فيما يسمعون باستمرار أن مصير المرء بين يديه بالكامل، وهو أمر تعتبره الدول الآسيوية سخيفا. إن كان النجاح بالمعايير التقليدية متعذرا، فهناك مسار آخر. لقد كتب مطلقا النار في مدرسة كولومباين في مذكراتهما أنهما بحاجة إلى عدد معين من الجثث لبلوغ "النجومية". في هذه الثقافة المشبعة بوسائل الإعلام، فإن اهتمام هوليوود ــ أو حتى أسوأ أنواع البرامج الواقعية ــ بقصتك هو الإقرار المطلق بوجودك.وتنعكس ثقافة الفرد بشكل جلي في ثقافة السلاح الأمريكية. يقول شيراس: "الأسلحة هي الوسيلة الفضلى ليكون المرء مكتفيا ذاتيا وقويا". مهما عامل العالم قاتلا محتملا بقسوة، "إن كان لديه سلاح، يشعر تلقائيا بأنه مساو للآخرين".إن الفردية تفاقم شعور المظلوم بعدم المساواة، وهذا أمر غير موجود في البلدان ذات النسب المتدنية من العنف. في اليابان، يتعلم الناس تحمل الصعاب، الصغيرة والكبيرة، منذ الطفولة. ذلك جزء من اللغة حتى: كلمة غامانشيت تعني "تحمل ذلك" . يقولها اليابانيون وتتكرر على مسامعهم دائما. ماساكازو سوزوكي، عالم اللاهوت والمدرس في طوكيو الذي نال شهادة جامعية من الولايات المتحدة يقول إنه إذا شعر الياباني بالغضب أو الإحباط "يفضل تحمل ذلك وقتل نفسه على قتل الآخرين. لا نختار القتل الجماعي للانتقام، بل نقتل أنفسنا، ربما تاركين رسالة تعبر عن غضبنا تجاه الذين ظلمونا". فمعدلات الانتحار في الشرق الأقصى أعلى من معدلات القتل بستة أضعاف.لا نقاش عن العنف في الثقافة الأمريكية يكتمل من دون ذكر ألعاب الفيديو الدموية. بعد إحرازهم النقاط لنزع أحشاء أحدهم، يصبح اللاعبون الصغار أكثر عدائية، لكن بمزاج يدفعهم إلى لكم شقيقتهم الصغيرة وليس إطلاق النار عشوائيا في مركز تسوق. مع ذلك، ثمة دلائل تشير إلى أن لألعاب الفيديو العنيفة تأثيرا مخدرا. يقول بولاك: "يصبح الأمر خطيرا عندما لا يعود الناس يشعرون بأن إلحاق الأذى بالآخرين أمر مريع".وهكذا تتراكم الأمور الواحد تلو الآخر ـ من العوامل البيولوجية الموجودة لدى القتلة منذ ولادتهم، إلى التجارب التي تترسخ في عقولهم على مر حياتهم، وما يستخلصونه من العالم حولهم. ما من تجربة واحدة أو سمة شخصية كافية، ولا يمكن أن يعزى الأمر إلى عامل واحد. وحتى مع نجاح العلم في تحديد القوى التي تؤثر في عقل قاتل جماعي، فإن التفسيرات لا تبرر جرائم أحد أو تبرئ أحدا. يجب أن تكون النية موجودة، وأن يتخذ المسلح قرار إطلاق النار. وفهمنا لذلك هو أكبر تحد على الإطلاق.بمشاركة آن أندروود وماري كارمايكلتاريخ النشر: الثلاثاء 1/5/2007
author-img
ماذا اقول عن نفسى غير ما اريد الا يعلمه احد عنى فأن انت سألتنى عن نفسى فأن ما تسمعه منى ليس ألا ما استطيع ان أقوله فهل تستطيع ان تسمع ما لا اقوله لك ؟

Comments