القائمة الرئيسية

الصفحات


هذه قراءة هادئة ورائعة وتحليل متميز لأحداث غزة أرجو قراءتها للوقوف على حقيقة الأوضاع فى غزة
د محمد محمد يوسف
المدونة على الرابط التالى
http://yousef733. maktoobblog. com

قراءة هادئة في عملية إنهاء الفلتان الأمني في غزة
جـواد الحـمد

حماس واجهت خطة (دايتون ـ أولمرت ـ دحلان)
شكلت العملية الحاسمة التي قامت بها كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، جدلية واسعة في الأوساط العربية والفلسطينية بشأن مشروعية العملية من عدمها، وبشأن التداعيات المتوقعة لهذه العملية على الداخل الفلسطيني وعلى عموم القضية الفلسطينية.
وقد تفاوت المجادلون فيها بين مشفق على القضية وبين ناصح لحماس وبين غاضب لنجاحها، وبين مكلوم لفشل المشروع الذي كان يراهن عليه، وقد شمل ذلك الساحتين الفلسطينية والعربية على حد سواء.
وبمراجعة إرهاصات الحدث وتفاصيله ونتائجه يكتشف المرء كم كانت عملية الحسم التي اتخذتها حماس قرارا جريئا وخطيرا ويتسم بالمغامرة، ولكنه كان محسوبا بدقة أذهلتنا جميعا نحن المراقبين، كما أذهلت خصوم حماس ومنافسيها وأعدائها داخليا وخارجيا. وتبين أن هذه العملية تمت لإحباط عملية استئصال كبيرة وواسعة لحماس وجهازها العسكري ولقياداتها وبالتالي لتصفية وجودها في الحكومة وإجراء انتخابات فلسطينية مبكرة يتم التحكم بها بحيث لا تحقق فيها حماس نجاحا مهما أن سمح لها أصلا بخوضها.
"كيث دايتون" وحماس
وتشير المعلومات والتقارير والتحليلات المنشورة باللغات العربية والعبرية والإنجليزية والفرنسية التي وقعت عليها أيدينا أن الولايات المتحدة كانت قد خططت لإنهاء "ظاهرة" حماس والمقاومة في الأراضي الفلسطينية المحتلة التي تسيطر عليها السلطة الوطنية الفلسطينية، وذلك بالتعاون مع إسرائيل وميليشيات فلسطينية مسلحة مرتبطة ببرنامجهما، ومتغلغلة في الأجهزة الأمنية الفلسطينية الرئيسية، وعلى الأخص الأمن الوقائي والحرس الرئاسي والمخابرات العامة، ويتمتع بعض رموزها بغطاء تنظيمي وطني، وغطاء رسمي شرعي باسم السلطة، وأن هذه الخطة قد حظيت بدعم إقليمي عربي محدود لكنه إستراتيجي، والتي أطلق عليها خطة دايتون نسبة إلى الجنرال الأمريكي "كيث دايتون" الذي يقيم في تل أبيب لهذه الغاية منذ استلمت حركة حماس مقاليد الحكومة الفلسطينية في آذار/ مارس 2006.
وما يجدر ذكره أن مسألة الفلتان الأمني في قطاع غزة والضفة الغربية كانت هي الأزمة التي أطاحت بالحكومات الفلسطينية السابقة لحكومة حماس، وأنها أصبحت أداة للطرف الإسرائيلي لمنع بناء الدولة الفلسطينية أو تشكيل الوحدة الوطنية أو انشغال الأجنحة العسكرية المسلحة لفصائل المقاومة بمقاومة إسرائيل وصد عدوانها، وكانت تمارس هذه الخطة باسم الأجهزة الأمنية حتى بعد استلام حماس للحكومة لدرجة خروج آلاف من منتسبي هذه الأجهزة بمظاهرات واسعة وبالسلاح واللباس الرسمي لإسقاط الحكومة في شوارع غزة العام الماضي! الأمر الذي شكل أزمة أمنية دائمة بدأت بتجاوزات حقوق الإنسان واعتقال المعارضين وتعذيبهم ومرت بملاحقتهم واغتيالهم بالتعاون مع الاحتلال وانتهاءً بالقيام بعمليات أمنية وعسكرية مباشرة ضد رموز المقاومة وقيادات حركة حماس ووزرائها، وشملت الاعتداء على المؤسسات الحكومية والخاصة وحرقها وتدميرها والعبث فيها بما في ذلك رئاسة الوزراء والمجلس التشريعي الفلسطيني، وكذلك الاعتداء على بيوت المواطنين وبث الرعب في عائلاتهم، وخلقت كذلك ظاهرة خطف الوزراء والنواب والقيادات ونشر الحواجز غير الشرعية، وظاهرة خطف الأجانب.
وقد حاولت جهود كبيرة فلسطينية وعربية وقف هذا النزيف الداخلي مرارا وتكرارا وباتفاقات مباشرة تم توقيعها بين الطرفين، غير أن تشديد الخناق على الحكومة من قبل المجتمع الدولي والإقليمي العربي، وتصاعد الاستعداد لدى قيادات هذه الميليشيات بأخذ عطاء إنهاء حماس وحكومتها على طاولة الولايات المتحدة وإسرائيل، وضاق التيار الذي تمثله هذه الميليشيات ذرعا بحكم حماس، وتقاطعت مصالحه في ذلك مع سياسة الولايات المتحدة وإسرائيل، الأمر الذي شجع على إنشاء غرفة عمليات أمنية مشتركة بين هذه الأطراف للإشراف على تطبيق خطة تلو الأخرى لتحقيق هذا الهدف.
ولكن السياسة التي اتبعتها حركة حماس بالصمود أولا، والمرونة السياسية ثانيا، وقبول جميع الوساطات العربية والفلسطينية ثالثا، وتزايد شعبيتها الداخلية رابعا، ووحدة أجهزتها السياسية والعسكرية وانضباطها، تسبب بفشل الخطط التي رسمت لإسقاط حكومة حماس أو إشعال حرب أهلية داخلية واسعة، واقتصر الأمر عادة على اشتباكات متقطعة محدودة لا تلبث أن يتم احتواؤها.
بيد أن الخطة الأخيرة التي وضع بنيتها الأساسية الجنرال كيث دايتون حددت الخريف القادم (أكتوبر 2007) موعدا نهائيا لإعادة الانتخابات الفلسطينية وحل النظام السياسي القائم وإقصاء حماس من أغلبية المؤسسة التشريعية ومن الحكومة حسبما ورد في خطة دايتون التي نشرت في مختلف وسائل الإعلام الإسرائيلية والأمريكية، حيث أن اعتقال نواب حماس ووزرائها في الضفة الغربية وبرغم ما تسبب به من إخلال بالنظام السياسي الفلسطيني، لكنه لم يحقق أهداف الولايات المتحدة وإسرائيل بإنهاء سيطرة حماس على السلطة.
وما أن بدأت الميليشيات التي أوكل لها تنفيذ المهمة المدعومة بملايين الدولارات وبأسلحة متطورة ببرنامج عملي عبر تنفيذ عشرات عمليات الاغتيال وإطلاق النار ومهاجمة المباني الحكومية ورئاسة الوزراء خلال اجتماع المجلس، وشرعت تعيث فسادا بالأمن الوطني الفلسطيني، واستنفرت قوتها المباشرة من المليشيات تحت مسميات مختلفة، وعبر نفوذها القوي في بعض الأجهزة الأمنية، منذ أوائل آيار/مايو 2007، وتزايد ضغطها على الحكومة وعلى حركة حماس وعلى أمن المواطنين، حتى أخذت حركة حماس قرارا دقيقا وصعبا بحسم المواجهة مع هذه الظاهرة، وإبطال قدرتها على تنفيذ الخطة وإفشالها، وبالتالي حماية المشروع الوطني والديمقراطية الفلسطينية وحماية أمن المواطنين جميعا، والقضاء على ظاهرة الفلتان الأمني، وتحرير المخطوفين والمعتقلين الأبرياء من أيدي هذه المليشيات "العنفية".
عملية حسم نظيفة
وقد واجهت حركة حماس تحديات غاية في الصعوبة إزاء مثل هذا القرار، أهمها إنه يمثل حالة من الاقتتال الداخلي أمام كل المراقبين لأنه يختلط بين أجهزة أمنية وتنظيم فلسطيني شريك لها في الحكم وهو حركة فتح وبين عائلات كبيرة مسلحة ولها أبناؤها بينهم، وبين فصيل عسكري شقيق مقاوم هو كتائب الأقصى، وذلك بغض النظر عن مدى حقيقة هذه الانتماءات، ولكنها تستدعى جميعا في الذاكرة وعلى الأرض عند المواجهة المفتوحة، ما جعل عملية الحسم جراحة دقيقة لاستئصال سرطان استشرى في أحشاء ولد عزيز وتتسم بكثير من المخاطر، وهو ما كان ينذر بعواقب وخيمة على الوحدة الوطنية وعلى مشروع المقاومة وعلى المشروع الوطني وعلى حركة حماس ذاتها، خصوصا وأن ضبط إيقاع الاحتراب الداخلي عادة ما يكون من المسائل التي لا يستطيع أي طرف في العالم التحكم بها، وظاهرة العراق حاليا ولبنان سابقا مثال حي على ذلك.
هذه الحالة والحسابات والتقاطعات على الأرض جعلت حركة حماس وجهازها العسكري أمام قرار صعب وخطير ويتسم بالمغامرة، ناهيك عن التساؤل الطبيعي حول إمكانيات وفرص نجاح العملية في الاستئصال المقصود حسب المعلومات من طرف حركة حماس، وكلك حجم الضحايا المتوقع سواء من أفراد حماس أو من أي طرف آخر.
تشير المعلومات المتوافرة إلى أن الجهاز العسكري لحماس قدم تصورين لحسم المعركة: الأول خلال 24 ساعة والثاني خلال 72 ساعة لقيادته السياسية. ونظرا للخسائر المتوقعة من الجانبين في الحسم السريع، فقد وقع الاختيار على خطة الحسم الثانية، وبالفعل منذ صبيحة يوم الاثنين 11/6 شرعت قوة قوامها ربع قوة كتائب القسام فقط بتنفيذ خطة الحسم وتطهير القطاع من ظاهرة الفلتان الأمني والمليشيات التي تقف خلفها، ومع بواكير صبيحة الخميس 14/6 كانت العملية قد تكللت بالنجاح وبخسائر متواضعة جدا، ما يفرض تسجيل الإعجاب الكبير بهذه الكفاءة من جهة، وبهذا الانضباط من جهة ثانية، وكان أساس نجاح العملية إفقاد هذه الميليشيات كل الأغطية الشرعية والمقرات المحصنة التي تعمل فيها واللافتات التي تستخدمها. ولاحظنا عند التدقيق بمختلف مصادر المعلومات والصور أن كتائب القسام قد تمكنت من ضبط التداعيات في أضيق الحدود، وضبطت محاولات الانفلات الشعبي العامة أو السرقات أو محاولات العبث بالأمن العام والنظام وحرست الممتلكات العامة، كما أنها تجنبت الخسائر المدنية لأي سبب كان.
ومع انجلاء غبار هذه المواجهة الحاسمة مع هذه الميليشيات تبين أنها لا تشكل إلا ظاهرة عابرة في صفوف الأمن الفلسطيني تم تطويقها والقضاء عليها بسهولة، كما أن هذه الظاهرة لا تتمتع بدعم تنظيمي في داخل حركة فتح، وأن كتائب الأقصى الجناح المقاوم لا ينتمي لها إطلاقا، كما تبين أن قياداتها هربت إلى مصر مبكرا، واختفى بعضها في القنصلية المصرية، وفر بعضها الآخر إلى إسرائيل عبر البحر والمعابر، وأن الشعب الفلسطيني لم يبك على هذه المليشيات ولا على قياداتها.
وعلى صعيد عملية الحسم فقد نجحت حركة حماس وجناحها العسكري بإجرائها بكفاءة مهنية عالية وبمسئولية وطنية جنبت قطاع غزة ما كانت تحلم به إسرائيل من فوضى خلاقة (حرب أهلية، فلتان أمني، سرقات، حرق، اقتحام منازل...إلخ) تتساوق مع نظرية المحافظين الجدد في واشنطن. ومن أبرز الدلائل على ذلك:
1 ـ لم تشتبك كتائب القسام مع أي قطاع من تنظيم فتح في كل القطاع طوال العملية أو بعدها على الإطلاق.2 ـ لم تشتبك الكتائب مع أي مجموعة مقاومة من كتائب الأقصى وإنما مع الذين يزعمون الاسم ولا يمثلونه، كما أكد القيادي الفتحاوي خالد أبو هلال مرارا.3 ـ لم تعتد كتائب القسام على أي مقر من مقرات فتح التي تبلغ أكثر من 150 مقرا في قطاع غزة وبأي شكل كان.4 ـ لم يتم مداهمة أي بيت لعضو في حركة فتح ولأي سبب كان.5 ـ تمكنت كتائب القسام من حماية الممتلكات العامة والخاصة من العبث وأحبطت محاولات السرقة والعبث وفرضت الأمن والأمان على كل القطاع بما في ذلك مقر الرئيس الفلسطيني ومنزله ومبنى فضائية فلسطين التي تديرها حركة فتح.6 ـ حيدت الكتائب جهاز الشرطة والأمن العام وجهاز قوات الأمن الوطني تماما من العملية، حيث لا يتمتع تيار هذه المليشيات بنفوذ كبير فيها.7 ـ قبلت الكتائب مبدأ الاستسلام والعودة إلى البيت بسلام من الغالبية العظمى من منتسبي جهازي حرس الرئاسة والأمن الوقائي والمخابرات العامة، فيما لم تجر عمليات قتالية خلال دخولها مقرات هذه الأجهزة إلا بشكل محدود وهو السر في قلة عدد الضحايا خلال مراحل الحسم النهائية.8 ـ سارعت قوات حماس العسكرية إلى محاصرة أوكار المخدرات ومداهمتها، والإفراج عن المعتقلين لدى العائلات أو لدى مجموعات مسلحة، ومنعت اللثام في الشوارع لمنع عمليات الاختراق الاجتماعي والأمني من العابثين.
هذه وغيرها من الدلائل والمؤشرات، ووفق هذا التحليل، تبين أن عملية الحسم التي اتخذتها حماس لوقف الفلتان الأمني والتمرد على تعليمات الحكومة في قطاع غزة كانت عملية نظيفة وجراحة ناجحة تستحق الاحترام والتقدير، وأن ما يجري من تركيز على جزئيات، أو تضخيم لبعض التداعيات لا يخدم المصلحة الوطنية ولا الأمن والاستقرار في فلسطين، ولا يوفر الجهود لمقاومة الاحتلال، ما يجعل النظر الموضوعي والدقيق والشامل إطارا ناظما للتفكير الوطني العملي.
من هنا يعتقد بأن الفوضى والاضطرابات وأعمال العنف التي تجري في الضفة الغربية ضد المؤسسات الحكومية وضد مؤسسات المجتمع المدني وضد المواطنين، علاوة على المراسيم التي اتخذها الرئيس الفلسطيني، إنما توغل في توسيع دائرة الأزمة ولا تحلها، ويبقى الانتظار لمبادرات العقلاء في كل الأطراف الفلسطينية للشروع بحوار شامل لاحتواء تداعيات أي انفلات أمني أو اجتماعي في الضفة والقطاع، ولبلورة مرحلة جديدة من التعايش وفق اتفاق مكة ووثيقة الوفاق الوطني مع إعادة تشكيل الحكومة والأجهزة الأمنية على قواعد عملية بعيدا عن الشكليات.
مدير مركز دراسات الشرق الأوسط - الأردن، ورئيس تحرير مجلة "دراسات شرق أوسطية".
author-img
ماذا اقول عن نفسى غير ما اريد الا يعلمه احد عنى فأن انت سألتنى عن نفسى فأن ما تسمعه منى ليس ألا ما استطيع ان أقوله فهل تستطيع ان تسمع ما لا اقوله لك ؟

Comments