الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن من أعظم شعائر الإسلام صلاة الجماعة في المساجد، وقد شرع الله لهذه الأمة الاجتماع في بيوته في أوقات معلومة لأداء هذه الشعيرة، فتراهم يجتمعون في اليوم والليلة خمس مرات لأداء هذه الصلاة، وقد اتفق المسلمون على أن أداء الصلوات الخمس في المساجد من أوكد الطاعات، وأعظم القربات، بل هي من أعظم وأظهر شعائر الإسلام، وجاءت النصوص ببيان مشروعيتها؛ والتأكيد على ذلك، والتحذير من التهاون فيها؛ يقول الله - تعالى -: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاةَ..}1 ففي الآية أمر الله بها في حالة الخوف أثناء الجهاد، فتكون في حالة الأمن أولى، ولو لم تكن مطلوبة لذاتها لرخَّص فيها حالة الخوف، ولم يجز الإخلال بواجبات الصلاة من أجلها.

وقال - تعالى -: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ}2 قال سعيد بن المسيبِ - رحمه الله -: "كانوا يسمعون "حي على الصلاة حي على الفلاح" فلا يجيبون وهم أصحاء سالمون"، وقال كعب الأحبار: "والله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين تخلفوا عن الجماعة"، فأي وعيد أشد وأبلغ من هذا لمن ترك صلاة الجماعة مع القدرة على إتيانها.

وهذا رجل أعمى يأتي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول: يا رسول الله ليس لي قائد يلائمني إلى المسجد فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((هل تسمع النداء بالصلاة؟)) قال: نعم، قال: ((فأجب))3، فإذا كان هذا في حق رجل أعمى ليس له قائد يلائمه إلى المسجد؛ فكيف بمن كان صحيحاً مبصراً لا عذر له.

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من سمع المنادي بالصلاة فلم يمنعه من اتباعه عذر، لم تقبل منه الصلاة التي صلى)) قيل: وما العذر يا رسول الله؟ قال: ((خوف أو مرض))4.

وقد جاءت نصوص كثيرة في بيان فضل صلاة الجماعة نذكر بعضاً منها:

فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة))5.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسة وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة؛ لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه، اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة))6 فقف عند هذا الحديث، وتأمل تلك الغنائم العظيمة التي ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يكون ذلك حافزاً لك على المحافظة على صلاة الجماعة.

وعن بُريدة الأسلميِّ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((بشِّر المشَّائين في الظُّلم إلى المساجدِ بالنُّورِ التام يومَ القيامةِ))7.

وقد شرعت صلاة الجماعة لما فيها من الحكم الكثيرة فمن ذلك أنها تحقق التآلف والتعارف بين المسلمين، وتغرس أصول المحبة والود في قلوبهم، وتشعرهم بأنهم إخوة متساوون متضامنون في السراء والضراء، دون فارق بينهم في الدرجة، أو الرتبة، أو الحرفة، أو الثروة والجاه، أو الغنى والفقر8.

وفيها تعليم للجاهل، ومضاعفة الأجر، والنشاط على العمل الصالح عندما يشاهد المسلم إخوانه المسلمين يزاولون الأعمال الصالحة فيقتدي بهم9.

وكلما كثر عدد المصلين في الجماعة كثرة الثواب كما ورد عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله - تعالى -))10.

أخي الكريم: إن رمضان فرصة قد منَّ الله بها علينا جميعاً، ولعله يكون بادرة خير لنا جميعاً لنحافظ على الأعمال الصالحة فيه، ومن ثم في غيره من الأزمنة، فلا تنس أن يكون هدفك في هذا الشهر هو المحافظة على جميع الصلوات في جماعة متذكراً قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه عنه أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: ((مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْماً فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ، وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ))11 هذه دعوة صادقة لك للنجاة في الدنيا والآخرة، فهل ستجيبها؟

نسأل الله أن يعننا على ذلك، وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، والحمد لله رب العالمين.