بقلم: وائل قنديل
أرجو ألا يغضب السادة التعبيريون عندما نقول إن مظاهر غياب الدولة لا تزال قائمة، وأتمنى ألا نتهم بإثارة الفتنة إذا قلنا إن ما جرى فى الجيزة طوال اليومين الماضيين يبين أن قبضة الدولة واهنة هنا وشديدة لدرجة البطش هناك.
وإلا.. فما معنى أن يقطع أكثر من ألف مواطن الطريق الدائرى ويمنعون المرور فيه قطعيا، إلا لسيارات تخصهم محملة بمواد البناء لإتمام عملية إنشاء كنيسة ترى الحكومة أنها مخالفة ولا تحمل التراخيص اللازمة؟
إن ما جرى فى الطريق الدائرى لم يكن مفاجئا، إذ سبقته مقدمات طوال اليومين الماضيين، وكان جليا أن الأمور تتجه إلى العنف، ورغم ذلك لم يتحرك أحد أمنيا ولا سياسيا لمحاصرة الأزمة قبل أن تشتعل.
أحسب أن الذين اختاروا تصعيد المواجهة إلى درجة قطع الطرق ورشق مبانى الجهات الحكومية ذات الصلة بالقضية بالحجارة أدركوا جيدا أن الحكومة مشغولة وغارقة حتى أذنيها فى ملفات أخرى، حيث جيشت الجيوش لتنفيذ سيناريو الانتخابات كما رسموه وخططوا له، وانشغلت كل الأجهزة بتعقب النشطاء ومطاردة المسيرات الانتخابية للمعارضين، وصار تأمين صندوق الانتخاب مقدما على أمن المجتمع كله، فحدث فراغ جرى استغلاله بوعى كبير.
والشىء ذاته يتكرر على المستوى الخارجى، حيث تبدو مصر وكأنها تنشغل بالأقل أهمية، وتترك الأهم مهملا ومسكوتا عنه.. وأظنها المرة الأولى فى نصف القرن الماضى التى تتهم فيها دولة أفريقية مصر بالعبث بأمنها القومى، وتتحدث عن احتمالات مواجهة عسكرية معها.
ذلك أن ما جاء فى تصريحات رئيس إثيوبيا ميليس زيناوى أمس الأول من ذكر للمواجهة العسكرية كحل لمضلة الخلاف على مياه النيل، حتى وإن كان فى سياق الكلام عن احتمالات مستبعدة يعد تطورا سلبيا للغاية فى علاقات مصر بالدول الأفريقية.
يأتى هذا التصعيد المزعج فى وقت ينشغل فيه السيد وزير الخارجية بملاحقة الكاتب الكبير حمدى قنديل قضائيا، وأحسب أن قضية مياه النيل لو نالت الاهتمام ذاته الذى ظهر فى قضية حمدى قنديل، لما وصلنا إلى اللحظة التى يتحدث فيها زعيم أفريقى عن قدرة بلاده فى التصدى لأى هجوم عسكرى قد تفكر فيه مصر.
صحيح أن زيناوى يتحدث عن فرضيات مستبعدة، لكن مجرد التلويح بعسكرة الأزمة يكشف عن حالة من غياب الثقة بين القاهرة وعمقها الأفريقى، والأفدح من ذلك أن هذا الخطاب الأفريقى الجديد ليس إلا تعبيرا عن مدى تغلغل الأصابع الصهيونية المغروسة فى جسد القارة التى كنا يوما ملاذها الدافئ.
Comments