القائمة الرئيسية

الصفحات

نظرة اهرامية على مستقبل مصر السياسى

اتجاهات الرأي العام بعد الثورة

د‏.‏ جمال عبد الجواد أحمد ناجي قمحة

مرت مصر منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير بتغيرات سريعة‏,‏ وقد ظهرت آثار هذه التغيرات علي الرأي العام المصري أولا‏,‏

في شكل التسييس وارتفاع الوعي السياسي لدي قطاعات واسعة جدا من المصريين, وثانيا, في شكل التغير السريع في اتجاهات الرأي العام لملاحقة سرعة التغير في الأحداث المتلاحقة. لقد أنهت التطورات الثورية الأخيرة عصر الركود وبطء التغيرات في اتجاهات الرأي العام, كما أنهت حالة الانصراف عن السياسة والشأن العام التي ميزت عموم المصريين لعدة عقود, وفي ظل هذه التغيرات أصبح لدراسة الرأي العام المصري وملاحقة التغيرات التي تطرأ عليه بطريقة علمية أمر شديد الأهمية والفائدة لنشطاء السياسة والمحللين وصناع القرار, وهي المهمة التي ينوي مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية القيام بها بشكل دوري في المرحلة القادمة.
أهم سمة تميز الرأي العام المصري في هذه المرحلة هي التفاؤل بمستقبل مصر, فقد عبر76.8% من المصريين عن تفاؤلهم بمستقبل مصر, وإذا لم يكن للثورة من أثر سوي إحداث هذا التحول الكبير في المزاج العام للمصريين فيكفيها هذا الإنجاز, وسيظل علينا أن نتابع هذا المؤشر باستمرار باعتباره المؤشر الأهم علي نجاح الثورة. وكما كان الحال قبل الثورة, فإن نسبة المتفائلين في المدن(74.4%) تقل عنها في الريف(78.8%), ورغم أن الفارق لا يبدو كبيرا إلا أنه يظل مهما, خاصة أن ثورة يناير كانت حدثا مدنيا في المقام الأول.
التفاؤل السائد بين المصريين ينعكس علي توقعاتهم بشأن المستقبل السياسي والاقتصادي للبلاد, فهناك نسبة من المصريين تصل إلي50.8% تري أن النظام السياسي المصري سيصبح ديمقراطيا بشكل كامل, في مقابل نسبة تصل إلي39.4% تري أن النظام السياسي في مصر سيصبح نظاما شبه ديمقراطي, بينما يري9.5% من المصريين أن نظامنا السياسي سيعود إلي شيء قريب مما كان عليه الحال في الماضي السابق علي الثورة.
أما فيما يتعلق بالتوقعات المتعلقة بمستقبل مصر الاقتصادي, فالأغلبية الكبيرة من المصريين(80.4%) تري أن الوضع الاقتصادي في مصر سيكون أفضل مما كان عليه, في مقابل نسبة صغيرة(6.3%) عبرت عن تشاؤما واضحا متوقعة أن يكون الوضع الاقتصادي لمصر أسوأ مما كان عليه, بينما رأت النسبة الباقية(13.3%) أن الوضع الاقتصادي سيبقي كما كان عليه قبل الثورة.
التفاؤل السائد بين المصريين بشأن المستقبل ليس تفاؤلا ساذجا أو سطحيا, ولكنه تفاؤل يدرك مخاطر وصعوبات المرحلة الراهنة لكنه قادر علي السمو فوق هذه الصعوبات والنظر في اتجاه المستقبل. فالمصريون رغم تفاؤلهم بالمستقبل يشعرون بالقلق في المرحلة الراهنة, وهو ما عبر عنه أغلبية بلغت60% من المصريين. ويرتبط الشعور بالقلق بطبيعة التحديات التي يعتبرها المصريون الأكثر إلحاحا وتستحق أن تحظي بالأولوية لدي السلطات المسئولة عن إدارة البلاد في هذه المرحلة. فبلا منازع يحتل الأمن مكانة الاحتياج الأكثر إلحاحا بنسبة48.4%, يليه الوضع الاقتصادي بنسبة40.4%, أما المرتبة الثالثة فقد جاءت فيها المطالبة بتطهير البلاد من بقايا النظام السابق والقضاء عليها, بنسبة10.9%.
أهم ما أثمرته ثورة يناير هو إزاحة القيود والعقبات الثقيلة التي طالما صرفت المصريين عن الاهتمام بالسياسة والمشاركة فيها, وسوف يتحدد مستقبل مصر في الشهور والسنوات القادمة بمدي استفادة المواطنين من هذه الفرصة, والمشاركة الفعالة في الحياة السياسية لتقرير مستقبل البلاد ومستقبلهم.
وعند سؤالهم عما إذا كانوا ينوون التصويت في انتخابات مجلس الشعب القادمة, أكدت أغلبية كبيرة من المواطنين(77.4%) عزمها التصويت في هذه الانتخابات, فيما حسمت نسبة بلغت16.7% موقفها الرافض للتصويت, بينما تركت النسبة الباقية(6%) قرارها بالتصويت معلقا علي تطورات الأمور في البلاد.
نسبة المشاركة المتوقعة في الانتخابات البرلمانية القادمة عالية بشكل واضح, وهو ما يتوافر عليه دليل عملي فيما أظهرته نسبة المشاركة العالية نسبيا في الاستفتاء الأخير علي التعديلات الدستورية الذي زادت فيه نسبة المشاركة علي الأربعين بالمائة. ومع أنه من المتوقع أن تلعب الأحزاب السياسية دورا كبيرا في السياسة والانتخابات المصرية في المرحلة القادمة, إلا أن الأغلبية الكبيرة من المصريين لم تحسم موقفها بعد بشأن الحزب الذي ينوون التصويت له, وقد بلغت نسبة هؤلاء64.3% من مجموع الأفراد الذين عبروا عن نيتهم التصويت في انتخابات مجلس الشعب القادمة.
أما بشأن النسبة من المصريين التي يبدو أنها قد حسمت أمرها بالتصويت في الانتخابات فقد توزعت بين عدة تيارات, كان أكبرها التيار الإسلامي, الذي يضم أحزاب وجماعات الإخوان المسلمين وحزب الوسط وأي حزب إسلامي آخر, وقد حصلت هذه القوي مجتمعة علي14.8% من مجموع المواطنين الذين يرجح لهم أن يشاركوا بالتصويت في الانتخابات القادمة. وجاء التيار الليبرالي, الذي يضم أحزاب الوفد والجبهة الديمقراطية والمصري الحر وأحزاب ليبرالية أخري, وقد فازت هذه القوي بتأييد9.6% من أفراد العينة. ولما كان هذا البحث قد تم إجراؤه قبل صدور الحكم القضائي بحل الحزب الوطني الديمقراطي, فقد كان الحزب الوطني من ضمن قائمة الأحزاب المطروحة علي أفراد العينة للاختيار منها, الذين اختار8.1% الحزب الوطني باعتباره حزبهم المفضل. في مرتبة تالية جاء التيار القومي ويضم حزب الكرامة والحزب الناصري, وحصل علي تأييد2% من المبحوثين, وأخيرا جاء التيار الاشتراكي, الذي ضم حزب التجمع وأحزابا اشتراكية غير محددة, وحصل علي تأييد1.1% من أفراد العينة.
وقد أظهرت النتائج وجود فروق مهمة في اتجاهات الرأي العام في الريف والحضر تجاه الأحزاب السياسية, فأهل الريف يبدون أقل تأكدا من موقفهم من الأحزاب السياسية, حيث عبر65.8% منهم عن عدم اتخاذهم قرارا بعد بشأن الحزب الذي سيصوتون له, بينما عبر عن نفس الرأي62.2% من أهل المدن. وبينما أظهر سكان المدن مستوي أعلي من التأييد لكافة التيارات السياسية الاشتراكية والليبرالية والإسلامية والقومية بالمقارنة مع أهل الريف, فإن التأييد الذي فاز به الحزب الوطني في الريف(9.2%) زاد بشكل ملحوظ عما حظي به في المدن(6.3%). وتشير هذه البيانات إلي أن أهل الريف يواجهون في المرحلة الراهنة قدرا من الارتباك والحيرة بشأن اتجاهاتهم التصويتية, الأمر الذي ينبغي علي نشطاء السياسة ومتخذي القرار أخذه بعين الاعتبار.
المؤكد هو أن المؤشرات السابقة لا تزيد عن كونها مؤشرات أولية جدا لا تعكس بدقة ما ستتطور إليه اتجاهات الناخبين في الأسابيع والشهور القادمة. فالكثير من الأحزاب السياسية مازال في مرحلة التأسيس, ومازالت الغالبية العظمي من المصريين لا تعرف شيئا عن برامج هذه الأحزاب ولا تعرف حتي أسماءها. والمؤكد أيضا أن تجميع الأحزاب المتشابهة في كتلة واحدة هو قرار فيه قدر من التحكمية يعتمد علي تقدير الفريق البحثي, خاصة وأنه من المنتظر ظهور أحزاب سياسية جديدة يصعب تصنيفها بسهولة ضمن أي من التيارات الرئيسية المشار إليها. غير أن هذا الإجراء التحكمي كان ضروريا لتبسيط عرض النتائج, وخاصة أن تفضيلات أفراد العينة توزعت بين عدد كبير من الأحزاب, الأمر الذي يشير إلي وجود درجة عالية من التفتت في الساحة السياسية المصرية الراهنة, وهو التفتت الذي قد يؤدي, حال استمراره حتي الانتخابات البرلمانية القادمة, إلي صعوبات كبيرة في تكوين ائتلاف يحظي بأغلبية برلمانية كافية في مجلس الشعب القادم.

author-img
ماذا اقول عن نفسى غير ما اريد الا يعلمه احد عنى فأن انت سألتنى عن نفسى فأن ما تسمعه منى ليس ألا ما استطيع ان أقوله فهل تستطيع ان تسمع ما لا اقوله لك ؟

Comments