سأورد هنا مقال لصديق سلفي حول موضوع الخلاف بين السلفية و بين الإشاعرة ...
و رغم اني انتمي فكريا و انتصر لرأي و فهم الإشاعرة ... لكن لتعب صديقي و حسن نيته المطلوبة في فهم و هضم الخلاف فقد رأيت أن احتفظ برأيه منشورا عندي .
استمتعوا معي
____________________
هذا تعليق كتبته صبيحة هذا اليوم على منشور لأحد إخواننا الأفاضل ، تناول فيه عرضا موضوعا يتعلق بأهل السنة والجماعة ، ومن هم ؟ ، وهل الأشاعرة والماتريدية منهم ؟ ، أم هم أهل بدع وضلال ؟، والمنشور تناول ذلك في التعليقات لا في الأصل ، حيث اشتبكت الأقلام كما هو معتاد في مثل هذا ، فكتبت ما كتبت على سرعة وعجالة واختصار واقتضاب ، ولا يجملنَّ أحد ما كتبت على سبيل المدح أو القدح أوالتمييع للقضية فيما يخص الأشاعرة والماتريدية ، بل تناولت فيه محاور رأيتها غائبة عن أدبيات الحوار وأصوله ، وفصلت فيها بعض المسائل المشتبكة والغامضة عند الكثيرين ، ثم رأيت نشرها على صفحتي (كما كتبتها نصا ) إتماما للفائدة ، وأرجو من إخواني الذين أعرفهم ولا يعرفوني حملها على وجهها ، أما من أعرف ممن حذفت بعضهم فلا بأس أن يحملوها كما شاؤوا فإنما هو دأبهم والله حسبي وحسبهم ، ولن أرد على حمالين الكلام إلا بالحذف اختصارا للوقت ، وأرحب بالتعليقات العلمية النافعة الهادئة .
.......
والآن مع ما كتب صبيحة اليوم :-
........
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :-
فكلا طرفي الأمور ذميم ..... إخواني الكرام ، الوصف العام بالتضليل ، والتبديع لا يقال على من هم في جملة أهل السنة والجماعة ، أو في جملة المسلمين عموما ، وإلا لكانوا بإسلامهم ضلالا !!!!! ، بل الإنصاف والعدل ، وما تقتضيه الحكمة - فيما أظن ، وفي حد علمي وقد قضيت ما يربو على ربع قرن من الزمان بحمد الله تعالى بين الدروس وما يعلمه الله تعالى من الكتب - ما يلي :-
1- لكل مقام مقال ، وليس كل أمر يُناقش علي العامة ، ويطرح على كل الناس .
3- أمور العقيدة منها ما هو ثابت معلوم من الدين بالضرورة لا يختلف عليه مسلمان ، ومنه ما هو محل النظر فيما وقع فيه الاختلاف لأسباب وقوعه المعروفة ، وأكثر ما وقع منها في باب الأسماء والصفات.
4- كثير مما وقع فيه الخلاف ، فلأسباب منها المبالغة في الإثبات المفضي للتجسيد والتجسيم كما نُسب للكرامية وغيرهم ، وبين الإفراط في ادعاء التنزيه ونفي المشابهة بالنفي المطلق كما فعلت الجهمية ومن نحا نحوهم ، وبين فرط التنزيه وادعائه بالإفراط من أحد الأمرين أو كليهما ، وهما التفويض المُفضي لعدم الإثبات كما عند الماتريدية خصوصا ، أو بالإفراط في نفي المشابهة ، ووجوب التنزيه المطلق بالتأويل الذي لا سقف له ولو بالبعيد من اللغة أو التغالي في إلصاق القرينة الصارفة عن المعنى الظاهر كما فعلت الأشاعرة خصوصا ، وكلا من الأشاعرة والماتريدية يدور مذهبهم باختصار في اصطلاح اصطلحوه ، -وهذا ينبغي معرفته لفهم الخلاف ، وبنوه على فهمهم لقوله تعالى "ليس كمثله شئ " - ، فاصطلحوا مصطلحين الأول :- نفي الجارحة فيما يخص صفات الله تعالى الذاتية ، والثاني نفي الحادثة فيما يخص صفات الله الفعلية .
فكل ما من شأنه مشابهة الجارحة أولوه تنزيها (بمذهبهم ) من العين والوجه واليد والقدم ونحوها ،
وكل ما من شأنه مشابهة الحادثة أولوه تنزيها (بمذهبهم ) من الإتيان والمجئ والنزول والكلام ونحو ذلك ، وهذان السطران الأخيران هما عمدة مذهبهما واختلافهما مع (أهل السنة والجماعة عند من يرون أنفسهم كذلك ! ) وأنا أنتسب إلى الأخير بالمناسبة مما بين القوسين .
وقد أدى هذا الفهم عند الأشاعرة والماتريدية خصوصا في التنزيه والتقديس ، إلي إثبات الصفات الخبرية الستة أو الثلاثة عشر ، ولا خلاف بينهم فيما يخص هذه المسألة إلا لفظيا فحسب بما يطول ذكره هنا .
5- وبالجملة فعلم العقيدة عند هؤلاء يسمى كما تعلمون علم الكلام ، وبينما هو أهم العلوم وأسماها وأُولاها وأَولاها عندهم ، فعلم الكلام مستقبح ممجوج موسوم بكل رزيلة ، موصوف بكل بلية عند كثير من سلفنا الكرام ، بينما ستجد قسما منهم كحجة الإسلام الغزالي ، يتردد فيه فيمدحه تارة ويذمه تارة ، ومثله إمام الحرمين الجويني لكن بتمييز فعاش مادحا له عاملا به ، ثم قال مل يُفهم منه الذم في أخريات حياته ، ومثله الرازي المفسر العلم صاحب "مفاتيح الغيب" .
6- أما أهل الحديث ومدرستهم ، - نسأل الله أن نكون منهم من أهل الحق والصواب - فيقتصرون في الحديث على ما أتى به الشرع من الكتاب والسنة ، وما تداوله الصحابة وتناقلوه ، وما نُقل عنهم ، في اقتصار وإثبات وتورع .
7- غير أن مبالغة غيرهم في التفويض والتأويل دعتهم لمقولات جديدة في الإثبات ، كإثبات الصوت (والحرف) في كلام الله تعالى لنفي النفسية المجردة عند الأشاعرة ومن نحا نحوهم ، والصوت مروي عن الإمام أحمد في رواية واحدة وقفت عليها - دون غيرها ، ودون غيره من الأئمة السابقين له والأقران - في سؤالات ابنه له ، والحرف لا أعلم أحدا من المتقدمين قال به ، وعليه جمهور الحنابلة من المتأخرين ، وألف السجزي رحمه الله تعالى مؤلفا مستقلا فيه إثباتا .
8- لابد من معرفة أن كثيرا من كلام السلف مجمل ، ومقتضب ، وحمال وجوه ، ومتنازع في فهمه بين أغلب الفرق ، وأضرب مثالا واحدا هنا ، وهو قول الثوري رحمه الله تعالى عن آيات الصفات والاستواء ونحوها فقد قال "أمروها كما جاءت" ، فقد تمسك بها أهل التفويض المطلق النافي للإثبات ، وأخذ بها المشبهة والمجسمة ، وأخذ بها أهل التأويل بإمرارها كما جاءت أي بنحو ما جاءت به العربية من المجاز (مجال التأويل الرحب لغة وشرعا ، ومحط النزاع ومكمنه ) والتأويل ، وتناولها نقلا من التوسط بإثبات اللفظ وتفويض العلم بالكيفية (كما هو مذهبي) ، وهو مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية ، وشيخ الإسلام ابن القيم ، ومن بعدهم الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب ، وعليه مشايخنا في المملكة ابن باز وابن عثيمين والفوزان وابن جبرين وابن منيع ، وغيرهم .
9- وفي حين يقسم علماؤنا علم العقيدة والتوحيد إلى أقسام ، تحتها أقسام يندرج من تحت كل منها فروع متفرعة ، كتقسيمهم للتوحيد ثلاثا(ربوبية وألوهية وأسماء وصفات ) ، وحديثهم عن التوحيد لغة واصطلاحا وحدا ،
، وشروطا وأركانا وواجبات ونواقض ، وغيرها من المباحث الفرعية والمتعلقة ، ستجدون أهل الكلام من علمائنا كذلك يقسمون الحديث في علم الكلام لأقسام كالإلاهيات والنبوات ، وتحت كل منهما الثلاث الرئيسة (الواجب والجائز والمستحيل ) ، وفي حين يرى كل منهما الحق فيما معه ، فإنه ينظر بعين الريبة لتقسيم الآخر ، وبعضهم يتهم الأخر بإحداثه بدعة هذا التقسيم ، وبعضهم من علمائنا يتوسط في الطرح على عقيدة أهل السنة لكن بتقسيم أهل الكلام كصنيع شيخنا أبي بكر الجزائري في منهاج المسلم ، وعقيدة المؤمن (أرجو ألا أكون صحفتها) ، وغيرهما ، وللجواب عن السؤال الملح ، هنا فأقول أنا على المذهب الأول وبه أقول ، مشربا ودراسة ، وبالحديث عن الثاني فهو دراستي في الأزهر من بعد تعليمي العام خارجه (حديث يطول شرحه الآن) ، وبه أجيب سائله ، وأدرس لمستفتيه ، ومحط اطلاع لي منذ زمن ، أرجو أن تكون هذه إجابة تحول بيني وبين حوار جانبي أبغضه .
10- الحاصل إخواني الكرام ، الحديث في هذا الأمر يستلزم سبرا واستقصاءا ووقوف على أسباب الخلاف ، أصولا وفروعا ، ويستلزم وجوبا (التفصيل التفصيل التفصيل ) ، وهذا الأخير يتطلب من الطالب ألا يتسرع ، وألا يحكم على فريق بالنظر فحسب في كلام خصومه ، وهذا قيد ، وإلا فالإحالة ثم الإحالة اكتفاءا .
11- وأخيرا ، ولم أتعرض بالحديث عن كون الأشاعرة والماتريدية من الفرق الخارجة عن أهل السنة والجماعة أو هم داخلون فيها ، ولا أنهم بالجملة أهل بدع وضلال ، أو أهل سنة ، لم أتكلم عن ذلك ، لا بالجملة ولا بالتفصيل ، ولا ذكرت موقف شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم خصوصا منهما كذلك ، فلهذا مقام ومقال آخر ليس هذا محله ، أسأل الله تعالى أن يجمعنا على الحق بالحق وللحق إلى أن نلقاه في دار الحق ، وصلي اللهم وسلم وبارك عليش نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وقيده الفقير على عجالة صبيحة هذا اليوم (أحمد التابعي)
Comments