اعتمدت سياسة
دولة اسرائيل منذ انشائها في 1948 في سياستها الخارجية على ما يسمى "عقيدة الأطراف":
و ذلك من خلال السعي لإقامة علاقات مع الدول العربية البعيدة عن جبهات القتال
المباشرة في فلسطين و ربما كان اكبر مثال على تلك الاستراتيجية العلاقات مع المملكة
المغربية.
تفسر العديد من العوامل هذه العلاقة الخاصة. فمنذ
ايام اسرائيل الاولى و مع استقلال المغرب ، احتاج كل منهما إلى المساعدة الغربية للتعامل
مع واقعه المحلى والتهديدات الخارجية ، وخاصة موجة المد الناصرى و تصاعد وتيرة القومية
العربية.
يقول شموئيل سيغيف
، ضابط المخابرات العسكرية السابق والمؤلف: "عندما استقل المغرب ، كانت حدوده
مفتوحة على مصراعيها أمام العناصر المعادية ، خاصة العملاء المصريين ، الذين سعوا لبناء
بنية تحتية سرية ، في محاولة لتسهيل التغلغل السوفييتي لشمال إفريقيا". العلاقة
المغربية: العلاقات السرية بين إسرائيل والمغرب. "في تلك الأيام ، كان جمال عبد
الناصر حليفًا موثوقًا لموسكو. وفي مقابل الأسلحة التشيكية والمدربين السوفييت ، فتح
ناصر أبواب إفريقيا أمام الاتحاد السوفيتي والصين. وفي النهاية ، استغلت إسرائيل هذا
الواقع لإقناع المغرب بالتعاون في مجال الاستخبارات ".
على مدى العقود القليلة التالية ، طورت البلدين علاقة
سرية قوية في ثلاثة مجالات: الهجرة والاستخبارات والدبلوماسية. ستثبت هذه القناة السرية
فاعليتها وستؤدي في نهاية المطاف الى اختراق الجسد العربى بالتواصل بين السادات و
اسرائيل و التى ادت الى زيارة السادات إلى القدس المحتلة في عام 1977.
كان عدد اليهود المغاربة حوالى 300000 نسمة في عام
1948 ، و ربما كانوا اكبر تكتل يهودى في العالم العربي. رفض الملك محمد الخامس تطبيق
القوانين المعادية لليهود التي فرضها نظام فيشي الموالى للنازية في فرنسا ومع ذلك سرعان
ما خلق انشاء إسرائيل و تصاعد المواجهة مع العرب جوًا من التوتر مع اليهود .
في عام 1954 ، قرر رئيس الموساد ، إيسر هاريل ، إنشاء
قاعدة اتصال سرية في المغرب. تم إرسال عميل سري يدعى شلومو هافيليو لمراقبة أوضاع اليهود
في البلاد. كان تقريره ينصب علي ضرورة تهجير اليهود المغاربة الى اسرائيل قبيل رحيل القوات الفرنسية و ادعى انه لا يمكن الدفاع
عن اليهود في ظل توتر المنطقة و ادعى انه من المرجح تتدهور أوضاعهم بمجرد استقلال المغرب
. كانت خطة هافيليو قائمة عليى التهجير الجماعى لليهود . وافق هاريل على التوصية و
أرسل الموساد أول عملائه إلى المغرب لتقييم الوضع وتنظيم عملية نقل اليهود بدون توقف.
هاجر حوالي 90.000 يهودي بين عامي 1948 و 1955 ،
وغادر 60.000 آخرون في الأشهر التي سبقت استقلال البلاد. ثم في 27 سبتمبر 1956
أوقفت السلطات المغربية هجرة اليهود ، معلنة أنها
غير شرعية. و اقتصر الامر بعد ذلك على مغادرة بضعة آلاف فقط سراً كل عام.
قام إيسر هاريل
بزيارة المغرب سرا في عامي 1959 و 1960 ، كان مقتنعا بأن اليهود مستعدون للمغادرة بأعداد
كبيرة الي اسرائيل.
بعد فترة وجيزة ، استبدل هاريل هافيليو بأليكس جاتمون
كرئيس للموساد في المغرب. الذى انشأ تنظيم سرى في المغرب لمعاونة اليهود علي
الخروج من المغرب. في 11 يناير 1961 و في اثر انقلاب يحمل 44 مهاجرًا يهوديًا مغربيًا
، نصفهم من الأطفال. مات الجميع. بدا التفكير في طريقة جديدة لتهجير الاطفال بشكل قانوني
من دون والديهم . اقترح نفتالي بارجيورا من الوكالة اليهودية خطة تم تنفيذها على
الفور بين الوكالة مع منظمات خيرية اوربية و عميل بريطانى اسمه ديفيد ليتمان حيث
نجحوا في ترحيل 530 طفلا يهوديا بشكل قانوني تحت غطاء " قضاء الأعياد في سويسرا
" ومن هناك إلى إسرائيل.
جاءت هذه العملية من خلال استخدام نظام "جوازات
السفر الجماعية" الذي حصل عليها ليتمان بعد ستة أشهر من أجل هجرة أكبر نجحت بموافقة
ملكية مغربية.
في صيف عام 1961 ، التقى رئيس مكتب الموساد في المغرب
أليكس غتمون مع عبد القادر بنجلون ، وزير العمل المغربي ، سرا في باريس. كانت شروط
ملك المغرب لاسئناف خروج اليهود من المغرب هي عدم تورط أي " منظمات صهيونية "
والإغلاق الفوري لقنوات الهجرة السرية ودفع مقابل عن كل يهودى مغادر.
في 27 نوفمبر
1961 ، بعد أن دفعت إسرائيل 500 ألف دولار عن طريق الموساد ، وقع مسئول الأمن القومي
، محمد أوفقير ، أول "جواز سفر جماعي" يسمح لليهود بمغادرة البلاد بشكل قانوني.
تختلف المبالغ
المدفوعة نظير الهجرة ما بين 50 و 200 دولار للفرد في النهاية ، ونتيجة لهذه الاتصالات
السرية ، بين عامي 1962 و 1964 ، تمكن الموساد من اخراج حوالي 100000 يهودي مغربي إلى
إسرائيل . بنى هاريل شبكة ثانية للوصول إلى المسؤولين المغاربة شمل لقاء بين أوفقير
والموساد في بباريس. ولم يخرج منه شيء سوى التأكيد علي استمرار الاتصال مع اسرائيل
" .
بدأت العلاقات تتحسن في أواخر عام 1959-1960 ، وخاصة
بعد وفاة الملك محمد الخامس في فبراير 1961 وتتويج الحسن الثاني. عرض الموساد تدريب
حرس العرش و أجهزة المخابرات في المملكة التي كان تنظيمها سيئًا للغاية شمل
التدريب كيفية منع الجزائريين والمصريين من اقتحام السفارات المغربية في القاهرة والجزائر
. في عام 1965 وجد الموساد تحت قيادة مديره مئير عميت نفسه مضطرًا لمساعدة ملك المغرب
في تتبع المعارض المغربى البارز مهدي بن بركة ، وهي قضية ستطارد المغرب لعقود . و
قامت الاجهزة الإسرائيلية بتزويد المغرب بمعلومات اوصلتهم الى بن بركة . بما مكنهم
من تصفيته في فرنسا .
ظلت المخابرات الإسرائيلية قريبة من الملك على مر
السنين.و في أوائل سبعينيات حذرت إسرائيل الملك الحسن من محاولة أوفقير التآمر على
العرش. بما سهل من القضاء على محاولة الانقلاب
على مر السنين
، استمرت هذه القناة السرية في التحسن ، وظلت إسرائيل نشطة في تزويد المغرب بالأسلحة
والاستخبارات ، خاصة فيما يتعلق بنزاع الصحراء. في قضايا الشرق الأوسط ،في ظل اهتمام
الملك الحسن الثاني بالحديث عن السلام بصفة مستمرة.
كان اول تلميح
من الحسن عن السلام في أواخر الخمسينيات أثناء زيارته للبنان حيث قال إن الحل الوحيد
للصراع في فلسطين هو السلام و دمج إسرائيل في جامعة الدول العربية.
و زاد الامر وضوحا في منتصف السبعينيات حيث بدأ الحسن
الثاني في الدعوة إلى "الحوار" وتحذير العرب من مخاطر "الصراعات الطويلة".
أبقت المغرب القناة
السرية مع إسرائيل مفتوحة على مصراعيها. و عرض المغرب مساعدته كوسيط بين مصر و
اسرائيل .
منذ أكتوبر
1976 بدات محاولات استغلال المغرب كوسيط و مكان للقاء بين مندوبي السادات مع
مسئولين من اسرائيل خاصة بعد انتخاب مناحيم بيغن عام 1977. أظهر السادات اهتمامه
بقناة المغرب مع تل ابيب . بعد فترة وجيزة سافر رئيس الموساد إلى الرباط ، والتقى بالملك
وبدأ مفاوضات مع ممثل السادات حسن التهامي . و في سبتمبر 1977 عقد اجتماع ثان بين وزير
الخارجية موشيه ديان و التهامى في الرباط
بعد كل هذه
السنوات من تعامل إسرائيل الأول مع المغرب ، كشفت العلاقة بين الدولة اليهودية والمملكة
المغربية لم يعد الامر قاصرا علي الاتصالات السرية بل اصبحت العلاقات في الثقافة والاقتصاد
و السياحة .
في مارس 2009 ،
طلبت صحيفة Le Soir Echos التي تتخذ من الدار البيضاء
مقراً لها إجراء مقابلة ونشرت قصة الهجرة السرية للأطفال اليهود. كانت هذه هي المرة
الأولى منذ عام 1961 التي يتم الاعلان عنها في المغرب .
انتهز ليتمان المشارك في العملية المقابلة لمخاطبة
المغاربة بدعوة للعمل المشترك من اجل السلام وأضاف يجب أن يأتي الملك محمد السادس إلى
القدس ويلقي خطابا في الكنيست ويحقق حلم والده الراحل الحسن الثاني بالسلام".
كما كتب ليتمان في أعمدة صحيفة الدار البيضاء اليومية عن أمله في أن تكون هذه العلاقة
الدائمة بين المغرب وإسرائيل نموذجًا للدول الأخرى .
ظهر هذا العمل
حول العلاقات الإسرائيلية المغربية في صحيفة Le Soir Echos اليومية من الدار البيضاء وفي مجلة جيروزاليم بوست معا
Comments