هل تبلورت سياسة الهجرة في اوربا و بريطانيا بعد كل هذه الفترة على اقرار خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربى ؟
نحاول في هذا المقال مناقشة نظام الهجرة في المملكة المتحدة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي و اثره على حرية التنقل مع الاتحاد الأوروبي و بالتالي الحد من حرية مواطني الاتحاد الأوروبي الذين ينتقلون إلى المملكة المتحدة
رغم ان الهجرة كانت سبب رئيسي وراء طرح فكرة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ،الا انها اصبحت هامشية في المناقشات التى سبقت استفتاء البريكست ، الذى انشغل اكثر بحوارات التجارة و الضرائب و الجمارك و السياسات النقدية و كان موضوع الهجرة هامشيا الى حد كبير .
غالبًا ما تم التركيز علي خيارات بريطانيا على أنها مقايضة بين كلفة التجارة الحرة مع اوربا مقابل السيطرة السياسية علي بوابة الهجرة من اوربا تجاه المملكة
منذ استفتاء بريكست لم يخفت الحديث عن الهجرة كقضية سياسية فقط بل لقد أصبحت المواقف العامة تجاه الهجرة أكثر انفتاحا . ومع ذلك ، فقد أصبحت أهميتها الاقتصادية أكثر وضوحًا ، أولاً مع انخفاض معدلات الهجرة من الاتحاد الأوروبي بشكل حاد ، ثم في العام الماضي ، حيث أدى جائحة COVID-19 إلى خروج اعداد كبيرة من المقيمين إلى الخارج و انخفاض صافي الهجرة في الاتحاد الأوروبي قبل أن يجعل الوباء من عودة معدلات الهجرة الى الاتحاد او بريطانيا في نفس المعدلات السابقة
في الوقت نفسه ، كان هناك أيضًا ارتفاع كبير في الهجرة من خارج الاتحاد الأوروبي ، بفضل سياسة الحكومة ، مع تخفيف سقف تأشيرات المستوى 2 للمهاجرين من خارج الاتحاد الأوروبي (أي العمال المهرة نسبيًا أو العمال ذوي الأجور المرتفعة). و هو ما كانت تسعى اليه دائما تيريزا ماي حيث كان الهدف الرئيسي لسياسة الهجرة هو تقليل الأعداد. في ظل هذه الخلفية ، تقدم المملكة المتحدة نظام الهجرة الجديد بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي
يعتمد النظام الجديد على انتقال الحكومة من نظام حرية الحركة والانتقال إلى نظام النقاط والذي سيساوى بين المهاجرين من داخل الاتحاد الأوروبي مع غير الأوروبيين . و نتيجة لذلك ، فإن اتفاقية التجارة والتعاون بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي يحتوى على أحكام محدودة للغاية بشأن تنقل العمالة .و قد شهدت الساحة الداخلية تحولات كبيرة في الرأي العام وكذلك سياسة الحكومة تجاه الهجرة
.اذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن الناخبين أصبحوا أقل قلقًا بشأن الهجرة وأكثر إيجابية بشأن آثارها ، و علاوة على ذلك فإن استبدال تيريزا ماي ، التي كانت وزيرة داخلية المحافظة بشكل ملحوظ ، مع بوريس جونسون ، الذي تبنى مواقف ليبرالية نسبيًا بشأن الهجرة خلال فترة توليه منصب عمدة لندن ، يشير إلى تغيير في الأولويات النسبية داخل الحكومة المرتبطة بالاقتصاد
و ربما كان الهدف من سياسة النظام الجديد لا يتعلق بالحد من الهجرة ، بل يتعلق أكثر بجعلها أكثر تنوعًا جغرافيا وأكثر انتقائية (فيما يتعلق بمستوى مهارة العمال).وسيُطبق النظام الجديد على جميع أولئك الذين ينتقلون للعمل في المملكة المتحدة ، باستثناء المواطنين الأيرلنديين.مع بعض التسهيلات لمواطني الاتحاد الأوروبي المقيمين بالفعل في المملكة المتحدة من خلال التقدم للبقاء إلى أجل غير مسمى بموجب مخطط "الوضع المستقر"
الأحكام الرئيسية لنظام الهجرة الجديد :
يجب أن يأتي المهاجرون الجدد للعمل في وظيفة تدفع أكثر من 25600 جنيه إسترليني وفي مهنة تتطلب مهارات معادلة للمستويات A على الأقل
سيكون هناك حد ادنى أقل للوافدين الجدد ولأولئك الذين يعانون من نقص في المهن ، مما يعني أنه بالنسبة لبعض المهن ، قد يكون الحد الأدنى للراتب أقل من 20.000 جنيه إسترليني
سيكون هناك أيضًا عتبة أقل لأولئك قطاعات الحاصلين على درجة الدكتوراه
بالنسبة لخدمة الصحة وقطاعات التعليم ، لن يكون هناك حد ادنى للراتب. إذا كانت الوظيفة في مهارة مناسبة ، بل سيكون الراتب محددا وفقًا لمقاييس الأجور الوطنية الحالية و بالنسبة لعمال الزراعة الموسميين فسيكون لهم مخطط موسمي متغير
يحمل النظام الجديد قيود كبيرة للرقابة على الهجرة بإتجاه الاتحاد الأوروبي مقارنة بحرية التنقل . فقد تم معاقبة البرطانيين فلن يتمكنوا من دخول الاتحاد الاوربى للعمل في وظائف تتطلب مهارات أقل من الدخول.
حتى أولئك المؤهلين سيحتاجون إلى أصحاب العمل المحتملين لتقديم طلب نيابة عنهم ، وعليهم دفع رسوم باهظة ، مقابل حقوقً أقل بكثير من مواطنى الاتحاد .
ومع ذلك مقارنة بالنظام الحالي تمثل المقترحات الحالية تيسير كبير للمهاجرين من خارج الاتحاد الأوروبي ، فمع انخفاض الحد الادنى للرواتب والمهارات و اذا لاحظنا ان اكثر من نصف موظفي المملكة يعملون في وظائف تتطلب مهارات ذات مستوى أعلى . وبالنظر إلى شروط الأجور للمهاجرين الجدد فإن هذا يعني ضمناً أن حوالي نصف جميع الوظائف بدوام كامل ستكون متاحة من حيث المبدأ لمقدم طلب للحصول على تأشيرة.
يمثل هذا انفتاحا كبيرا مقارنة بالنظام السابق للمواطنين من خارج الاتحاد الأوروبي كما أنه يجعل النظام الجديد أكثر ليبرالية إلى حد كبير فقد اصبحنا امام نظام يستبدل التفرقة بين الأوروبيين و غير الأوروبيين إلى نظام موحد على الورق على الأقل له معايير بسيطة وشفافة نسبيًا
ربما كانت آراء الاقتصاديين حول التأثيرات المحتملة على اقتصاد المملكة المتحدة في مجال حرية الحركة والانتقال إلى النظام الجديد قد تكون متشائمة ، لأنها كانت على افتراض النظام الجديد سيكون أكثر تقييدًا. على سبيل المثال ، أن النظام الجديد سيؤدي إلى انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة بنسبة تصل إلى 2٪ على مدى 10 سنوات. ومع ذلك ، فإن تحديث تقديراتهم لتعكس النظام الجديد يؤدي إلى انخفاض أقل بكثير في الناتج المحلي الإجمالي ، وفي الواقع ارتفاع طفيف في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.
هذه التقديرات لا تضع في الاعتبار الآثار الأوسع للهجرة ، على الإنتاجية ولا تأثيرات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مع عواقب انتشار كورونا . فقد تتأثر بعض القطاعات مثل التعليم العالي و تضرر قطاع السياحة و الفندقة ، بحكم عودة كثير من العمال من داخل الاتحاد الأوروبي إلى دولهم الأصلية .
هناك ايضا مسألة اخرى قد تكون ذات اثر و هي المتعلقة بالمواطنين الذين يحملون الجنسية البريطانية و المقيمين في هونج كونج اذ يسود الشك حول تطورات الاوضاع في هونغ كونغ و ما اذا كانت سياسات الصين ستؤدي الي عودة الآلاف من حاملي الجنسية البريطانية الي المملكة ؟
في النهاية نحن امام تقييم مزدوج لاثار البريكست على الاوضاع الاقتصادية في بريطانيا فقد تكون للبريكست اثار سلبية علي الاستثمار و التجارة علي الاقتصاد البريطاني لكنها بلا شك عكس ذلك فيما يتعلق بالهجرة حيث توجد أسبابً أكثر للتفاؤل حول اثار تغيير نظام الهجرة في المملكة المتحدة بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي.
Comments