القائمة الرئيسية

الصفحات


قال تعالى(و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي و ليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)
كانت هذه الاية الكريمة بعد ذكر ايات الصيام و أحكامه, و لعل هذا يدل دلالة واضحة على تعلق شهر الصيام بالدعاء و الانطراح بين يدي خالق الأرض و السماوات , فإن العبد لما حرم نفسه من ملاذها كأكل و شرب و جماع حقيق به أن يقرع باب ربه بالدعاء بنوعيه مسألة أم عبادة و كلاهما عبادة, لكي ينهل من معين الإيمان الذي من نهل منه فاز بالحسنى..
كل العبادات التي يقوم بها العبد لا يجوز له إطلاقا أن ينسب الفضل لنفسه فيها, فإنه لو فعل ذلك لحبط عمله و لابتلي بالنكوص على الأعقاب..
بل عليه أن يعلم علما جازما أن الله عز و جل هو المتفضل بهذه النعمة عليه, و أن تفضل الله عليه بهذه العبادة نعمة تستحق أن تشكر, و من هذه العبادات الصيام , بل هو من أجلها, لأن الله عز و جل قال في الحديث القدسي( كل عمل ابن ادم له إلا الصوم فإنه لي و أنا أجزي به) و اختلف المؤولون في تأويل هذا الحديث على أقوال لعل أنقاها ما ذكره الشيخ الشعراوي رحمه الله من أن الصيام عبادة لم يعبد بها أحد غير الله تعالى فكان هذا دليلا على أن الصوم له كله..
و في نهاية الاية التي قبل هذه الاية قال تعالى(و لتكملوا العدة و لتكبروا الله على ما هداكم و لعلكم تشكرون) فالتكبير عبادة باللسان و الشكر عبادة باللسان و القلب و الجوارح, و كلاهما من أقل ما يفعل العبد بعد أداءه للصيام , فالتكبير تعظيم لله الذي من عليك بنعمة الصيام’ و الشكر شكر له على إكمال نعمة الصيام:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة يدي و لساني و الضمير المحجبا
و بعدها يأتي دور الدعاء و إعلام الله للناس بقربه منهم و استجابته لدعواتهم , فعليهم بعد أداء ركن الصيام أن يدعو الله دعاء عبادة شكرا له على إتمام الصيام, و دعاء مسألة بأن يتقبل منهم هذا الركن, و أن يبلغهم صياما آخر..
*كثير من ايات القران تستفتح بقوله تعالى( يسألونك) فمنها (عن الأنفال) (عن المحيض)(عن الأهلة) ( عن الشهر الحرام) (عن الخمر و الميسر)(ماذا ينفقون) و غالب هذه الآيات إن لم يكن كلها تعقب بقوله تعالى(قل) فمنها(قل الأنفال)( قل هو أذى)(قل قتال فيه)(قل فيهما إثم كثير)(قل ما أنفقتم من خير) ..

و لكن في هذه الاية أمران:
1: أنه ذكر فعل السؤال بالفعل الماضي و بالجملة الشرطية..
2: أنه لم يقل بعدها(قل) و لكن قال (فإني قريب )..
و لعل إيراد الجملة الشرطية و الفعل الماضي دليل على تحقق المشروط عند وجود الشرط مباشرة , فيدل على أن الله يحقق مطلوب الإنسان و يستجيب دعوته عند دعوته مباشرة...
و أما عدم قوله تعالى(قل) فلعل هذا يدل على أن الدعاء من الأمور التي تربط العبد بربه مباشرة فلم يذكر الله واسطة بينه و بين العبد..
*و قوله تعالى(عبادي) دليل على أن الله يتلطف مع عباده بناديهم بأحب الأسماء عندهم, فأفضل ما يتمناه العارفون و يشمر له المشمرون ان تطلق عليهم كلمة(عبد)..
*الله قريب من عباده , و لعل سبب نزول الاية دليل على هذا , فإن الصحابة سألوا النبي صلى الله عليه و سلم(هل ربنا قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه) فنزلت هذه الاية..
و هذا القرب من كمال ربوبيته عز و جل فالعلماء يقولون(ربنا قريب في علوه, علي في دنوه), و لا يتبادر إلى الأذهان قول الحلولية أو الوجودية من أن الله حال في خلقه أو أنه هو كل المخلوقات, بل هذا الكفر الصراح, و الفرق بين الحلولية و الوجودية أن أهل الحلول يقولون بالانفصال بين الخالق و المخلوق لكن الله تعالى عن قولهم حل في مخلوقاته, و أما أهل وحدة الوجود فيقولون أن كل الموجودات هي الله و لا يرون بالانفصال بين الخالق و الخلق, و هذه الفرقة من أكفر أهل الأرض و يتولى كبرهم ابن عربي و ابن الفارض و ابن سبعين و التلمساني و غيرهم..
*و لأن الله قريب من عباده فهو يجيب دعواتهم إذا دعوه , و لكن هذه الاية مخصصة بقوله تعالى( فيكشف ما تدعون إليه إن شاء) فإجابة الدعوة معلقة بالمشيئة و لكن العبد لن يعدم من هذه الدعوة خيرا, فإنه في عبادة أولا لأن الدعاء هو العبادة في حديث صحيح , و مخ العبادة في حديث اختلفوا فيه, و ثانيا : إما أن تجاب دعوته , و إما أن يصرف عنه شر منها, و إما أن تدخر له يوم القيامة...
*لعل في قوله تعالى(فإني قريب) ثم (أجيب دعوة الداع إذا دعان) دليل على أن الإنسان عليه أن يبدأ في دعاءه بالثناء على الله تعالى , فالله عز و جل قبل أن يذكر أنه يجيب دعوة الداعي , أخبر أنه قريب و هذه صفة مدح له تعالى, فعلى هذا قبل أن يدعو الإنسان ربه الأولى له أن يبدأ بذكر محامده تعالى و هذا معروف من أحاديث النبي صلى الله عليه و سلم(اللهم فاطر السماوات و الأرض عالم الغيب و الشهادة أن تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني....).
* أمر الله تعالى أن يستجيب له عباده بأن يدعوه و يعبدوه و يؤمنوا به تعالى..
*و لفظة(فليستجيبوا لي و ليؤمنوا بي) هي من صيغ الأمر عند الأصوليين).
*قوله تعالى(لعلهم يرشدون) لعل هنا سببية فسبب الرشاد هو الاستجابة لله و الإيمان به..
* و لعل مما يؤكد على الصلة الوطيدة بين الصيام و الدعاء أنه و بعد هذه الاية رجع السياق إلى ايات الصيام فقال تعالى(أحل لكم ليلة الصيام...)
*لعل هذه الاية كانت فاصلا رائعا تدل على أنه ينبغي للعبد أن يقصد بجميع عباداته وجه الله و ألا ينسى من التوجه إلى ربه بقلبه و قالبه , و ألا تلهيه مسائل الفقه_مع أهميتها_ عن عبادات القلوب, و ذلك لأنه في الآيات السابقة قبل هذه الاية ذكر الله تعالى فضل رمضان و الصيام و أحكام الرخص في الصيام كالسفر و المرض و كفارة ذلك, ثم بعد هذه الاية ذكر المفطرات التي تفطر الصائم من جماع و أكل و شرب, و وقت الإمساك و وقت الإفطار, فتنبه..
author-img
ماذا اقول عن نفسى غير ما اريد الا يعلمه احد عنى فأن انت سألتنى عن نفسى فأن ما تسمعه منى ليس ألا ما استطيع ان أقوله فهل تستطيع ان تسمع ما لا اقوله لك ؟

Comments